- بعد نصف قرن من المشاركة فى عملية السلام أقول «حل الدولتين صعب تحقيقه»
- الوضع الإنسانى فى غزة بائس ومتدهور ونرى «المجاعة» فى القطاع الآن
- صمود اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان يرتبط بالتزام «حزب الله» ببنوده
أشاد المبعوث السابق للرئيس الأمريكى جو بايدن للقضايا الإنسانية فى الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، بدور مصر الحيوى فى إدخال المساعدات إلى غزة ومحاولة التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين حركة حماس وإسرائيل، مؤكدًا أن جهود القاهرة تخدم المنطقة كلها.
وقال «ساترفيلد»، فى حواره مع «الدستور»، إن قضية فلسطين مرتبطة بالأمن القومى المصرى، والقاهرة شريك حاسم فى تنمية غزة، مشددًا على اتفاق الإدارة الأمريكية مع رفض مصر تهجير الفلسطينيين.
ولفت إلى أن صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» مرتبط بالتزام الأخير ببنود الاتفاق، ومنها الانسحاب الكامل من جنوب الليطانى، دون جلب أسلحة إضافية، مؤكدًا أن إضعاف «حزب الله» جعل «حماس» تفكر بجدية فى التفاوض لإنهاء حرب غزة، لأنها أدركت أن إيران و«حزب الله» لن يستطيعا مساعدتها فى حربها مع إسرائيل.
■ بداية.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان؟
- استمرار الاتفاق يعتمد بشكل كامل على ما إذا كان «حزب الله» سيلتزم ببنوده أم لا، وهى سحب عناصره المسلحة بالكامل من جنوب الليطانى، دون السعى إلى إخفاء أو تعزيز أو جلب أسلحة إضافية إلى تلك المنطقة فى الجنوب.
إذا امتثل «حزب الله» للبنود، فإن وقف إطلاق النار سيصمد، وإذا خالفها فإن إسرائيل سترد وفقًا لذلك، ومن ثم فإن مسألة وقف إطلاق النار، التى نأمل أن تكون غير محددة، بيد «حزب الله».
■ لماذا لم نتوصل حتى الآن إلى وقف لإطلاق النار فى غزة؟
- الإجابة عن هذا السؤال بسيطة للغاية، لم يكن هناك وقف جديد لإطلاق النار فى غزة لأن «حماس» لم ترد- طوال أشهر عديدة منذ الجزء الأخير من شهر أغسطس، وحتى وقت قريب جدًا- على اقتراح وقف إطلاق النار الذى تقدمت به الولايات المتحدة، بينما وافق الجانب الاسرائيلى، لكن فى الوقت الحاضر يبدو أن هناك مشاركة أكثر إيجابية من «حماس»، وسواء أدى هذا إلى اتفاق أم لا، فسوف يتعين علينا أن ننتظر.
■ ما توقعاتك لسيناريو اليوم التالى فى غزة؟
- عندما أُسأل عن سيناريو اليوم التالى أجيب دائمًا بنفس الطريقة؛ يجب أن يكون لديك يوم «قبل التالى» لكى نصل إلى التالى. ماذا يتطلب اليوم السابق. إنه يتطلب بالتأكيد وقف إطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن. إن لم نصل لوقف لإطلاق النار لن يكون هناك ما يسمى بـ«اليوم التالى».
أكدت الولايات المتحدة مرات عديدة ضرورة أن يكون هناك إطار وأفق سياسى، ولا بد من أن يكون هناك التزام من جانب إسرائيل بمسار ذى مصداقية للتوصل إلى حل للوضع الدائم عن طريق التفاوض. دون هذا الإطار السياسى من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، أن نرى جهود إعادة الاستقرار أو إعادة الإعمار فى اليوم التالى.
الآن، يمكن أن تكون هناك شروط ضرورية بالنسبة للطرفين، ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك إطار سياسى ومهام واضحة من السلطة الفلسطينية، سواء كانت التعامل مع معبر رفح أو ما يحدث فى غزة، لبدء عملية الإدارة الأساسية على الأقل، ناهيك عن الحكم الفعلى. لكنك لن تصل إلى هناك ما لم يكن هناك وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
■ كيف تشكل الأحداث الجارية فى الشرق الأوسط، بسوريا وغزة ولبنان، تهديدًا لأمن ومصالح الولايات المتحدة؟
- المصالح الأمريكية تتمثل فى شرق أوسط ينعم بالسلام والاستقرار والرخاء والأمن بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، هذا هو الأفق السياسى الذى يقدم للفلسطينيين رؤية إيجابية لمستقبلهم بدلًا من الرؤية السلبية للغاية والمظلمة والعنيفة لحماس، التى تجعل أمريكا تعمل لضمان رؤية إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديد الإرهابى، سواء من لبنان أو من غزة أو من التطورات المستقبلية فى سوريا.
من مصلحتنا أن نرى أصدقاءنا وشركاءنا، فى مصر والأردن وشبه الجزيرة والخليج والعراق قادرين على صياغة مستقبل لأنفسهم ولشعوبهم.
أمريكا تريد الأمن والاستقرار والازدهار، والإرهاب يقف فى طريق هذه المساعى، لذلك نحن نعمل بأفضل ما نستطيع مع جميع شركائنا.
وبشأن الأحداث الدرامية التى حدثت فى سوريا على مدار الأيام العشرة الماضية، أود أن أقول إن اهتمامنا ذو شقين، أولًا، أن تتاح للشعب السورى الفرصة أخيرًا ليقرر مستقبله فى سلام وازدهار، وهو مستقبل لم يحصل عليه طوال الخمسين سنة الماضية فى ظل الحكم السورى السابق، وهذا ما نريد رؤيته لسوريا، وثانيًا، أننا نريد أن نرى شركاءنا فى المنطقة، جيران سوريا، آمنين من احتمالات عدم الاستقرار أو العنف أو الإرهاب المنبعث من سوريا.
لذلك نريد أن نرى سوريا مختلفة، ولكننا نريد أيضًا أن نرى خلال هذه الفترة الانتقالية حماية لأصدقائنا وشركائنا.
■ ما تقييمك للدور المصرى فى جلب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة والوساطة فى مفاوضات وقف إطلاق النار؟
- كان لمصر، وسيكون لها دائمًا، دور حيوى، إن لم يكن الأكثر أهمية فى مستقبل غزة، ليس فقط فى توصيل المساعدات الإنسانية. إن الجزء الأكبر من المساعدات التى انتقلت إلى غزة قبل حملة رفح فى بداية شهر مايو جاءت بالطبع من مصر أو عبر معبرىّ رفح وكرم أبوسالم إلى غزة.
من مصلحة مصر أن يتحقق الأمن والاستقرار فى غزة، والحد من التهديد الآتى منها.. فقد خاضت مصر حملة صعبة للغاية ضد الإرهاب فى سيناء، ولقد كنت حاضرًا خلال تلك الفترة، وأدركت مدى وحشيتهم، وعدد المصريين الذين ماتوا على أيدى الإرهابيين فى شمال سيناء.
ولا يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى، لذا فإن اهتمام مصر بغزة نابع من أن تلك القضية مرتبطة بالأمن القومى المصرى. إن اهتمامنا بأن تكون مصر شريكًا حاسمًا فى تنمية غزة، وليس فقط معبر رفح، ولكن فى مستقبل غزة نفسها، هو جزء من سياستنا الوطنية، ودور مصر أساسى.
■ كيف تنظرون إلى مستقبل مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة بعد اغتيال يحيى السنوار زعيم حماس وأغلب قيادات حزب الله؟
- اهتمام حماس بالتفاوض حاليًا يعكس حقيقة إدراكها أن رهانها على إيران وحزب الله فاشل، فإيران وحزب الله يعانيان من انتكاسات خطيرة للغاية، ولن يساعدا حماس فى حربها ضد إسرائيل.
ما يحدث فى سوريا يؤثر على قدرة إيران وحزب الله على تعزيز ودعم الإرهاب والعنف الذى تمارسه حماس. آمل أن تكون حماس قد أصدرت حكمها بأنها ستضطر إلى التفاوض، وأنها لا تستطيع الاعتماد على الإرهاب والعنف من الخارج لدعم قضيتها.
■ هل تعتقد أن حل الدولتين لا يزال ممكنًا؟.. وكيف يمكننا إحلال السلام الشامل وتحقيقه فى هذا الصراع؟
- هذا الحل يصعب تطبيقه. أقول ذلك بعد أن شاركت فى عملية السلام هذه منذ ما يقرب من نصف قرن، لكن الحديث بشأن هذا الحل أمر مهم؛ للوصول إلى اتفاق يجعل شعبين يعيشان فى سلام وأمن دائمين لتوفير مستقبل دائم ومستقر وآمن، سواء للإسرائيليين أو للفلسطينيين أو للمنطقة ككل.
■ ما رأيك فى التقارير التى تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تريد تهجير الفلسطينيين سواء إلى أوروبا أو مصر؟
- منذ السابع من أكتوبر فصاعدًا أبلغتنا حكومة إسرائيل، وأبلغت المجتمع الدولى، بتلك النوايا، وكان ردنا نحن، حكومة الولايات المتحدة، بأنه يجب ألا يكون هناك تهجير للفلسطينيين من غزة. فهذا هو منزلهم، وهذا هو المكان الذى يجب عليهم البقاء فيه.
لقد أوضحنا منذ أكتوبر الماضى تفهمنا الكامل ودعمنا المطلق للموقف الوطنى المصرى القائل بأن الفلسطينيين يجب أن يعيشوا فى غزة، فى الضفة الغربية، وليس خارجها، وهو ما يعنى ليس فى مصر، وليس فى أى مكان آخر.
■ كيف ترى إعادة إسرائيل احتلال غزة؟
- إسرائيل لا ترغب، كما يقولون، فى إعادة احتلال غزة، لتحمل المسئولية عن ٢.٢ إلى ٢.٣ مليون من سكان غزة، خاصة فى ظل هذه الظروف. ونحن نقبل هذا البيان باعتباره حقيقيًا. ومع ذلك، إذا لم يجر اتخاذ إجراء عاجل، وعمل شامل ومستدام لتوفير المساعدة الإنسانية اللازمة للجزء الأكبر من سكان غزة، الذين يعتمدون بالكامل على تلك المساعدات الخارجية، فسوف تجد إسرائيل خلال الفترة القصيرة نفسها أمام مسئولية هؤلاء السكان فى ظل ظروف يائسة، وهذا ليس شيئًا تريده إسرائيل أو ترغب فيه.
ومن أجل تجنب مثل هذه النتيجة، يجب اتخاذ خطوات عاجلة لتسريع عملية التسليم والتوزيع الآمن والمستدام. وأشير إلى ضرورة تلك النقطة «توزيع المساعدات داخل غزة» لأنه على جميع سكان شمال ووسط غزة وجنوبها أن يحصلوا على المساعدة الكافية والمأوى والرعاية الطبية والوقود حتى يتمكنوا على الأقل من التخفيف من هذا الخطر الوشيك. وهناك خطر وشيك لحدوث مجاعة أو مجاعة محلية على الأقل.
■ من خلال عملك كمبعوث إدارة بايدن للشئون الإنسانية فى الشرق الأوسط.. كيف ترى الوضع الإنسانى فى غزة؟ وكم ستكون تكلفة إعادة الإعمار؟
- الوضع الإنسانى فى غزة بائس ويائس ويتدهور، خاصة مع حلول فصل الشتاء والطقس البارد وارتفاع مستوى البحار فى المنطقة الساحلية. وتجب معالجة هذا الوضع الآن.. نحن نرى الآن المجاعة، ويمكن تخفيفها ومعالجتها، ولكن يتطلب ذلك جهودًا مستدامة وعاجلة لجلب المزيد من المساعدات وتوزيعها بشكل آمن، سواء من المجتمع الإنسانى أو القطاع الخاص.
والخطوة الأساسية الآن، كما قلت سابقًا، هى الوصول إلى «اليوم الذى يسبق اليوم التالى»، وهذا يعنى وقف إطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن، ومن ثم يمكن للمرء أن يفكر فى إعادة الإعمار، ولكن كل هذا يتطلب إطارًا سياسيًا يتبنى المسار الجدير بالثقة نحو التوصل إلى حل للوضع الدائم عن طريق التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين.
■ هل منعت إسرائيل فعلًا المساعدات الإنسانية من دخول غزة؟
- كانت الظروف المحيطة بعملية التوزيع الآمن والمضمون للمساعدات داخل غزة منعدمة بشكل خطير منذ بداية شهر مايو، وعلينا أن ندرك حقيقة أنه، خاصة فى الشمال- فى بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا- هناك مواجهة نشطة وعنيفة بين حماس وجيش الدفاع الإسرائيلى، لا يمكن نسيان ذلك. حماس تضاءلت، لكنها لا تزال موجودة، لديها القدرة على القتال وتقاتل بقوة، إنها جيش إرهابى، إذا صح التعبير، وهذا الجيش لا يزال يعمل، ويتضاءل، لكنه لا يزال يعمل. ولكن حتى فى ظل أصعب الظروف، والتى نتفهمها تمامًا، يجب بذل كل جهد ممكن لإنجاز هذا التوزيع الآمن والمأمون. وتجب زيادة هذه الجهود ومواصلتها، لا سيما فى الشمال، ولكن ليس فى الشمال فقط.
■ كيف سيتعامل الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب مع الوضع فى غزة؟
- يمكننى التعليق على الوضع الحالى، لكن لا يمكننى التكهن بما سيحدث، إذ سيتعين على الإدارة الجديدة التعامل مع جميع الديناميكيات الصعبة للغاية، ولكن أيضًا هناك ديناميكيات إيجابية فى المنطقة، مثل إضعاف حزب الله، وسقوط النظام فى سوريا. نأمل أن تكون هذه فرصة تستطيع الإدارة المقبلة اغتنامها.
0 تعليق