وسط عصفة من الأوامر التنفيذية والتعيينات والرسوم الجمركية والتهديدات والمبادرات الأخرى خلال الأسابيع القليلة الماضية، لا يزال دونالد ترامب يعد بالتفاوض على إنهاء سريع للحرب في أوكرانيا، وأعلن يوم الجمعة أنه تحدث بالفعل مع فلاديمير بوتين بشأن ذلك، وهذا ما يجب فعله. لدى ترامب استراتيجية قابلة للتطبيق، لكن تحقيق ذلك سيكون صعبا. المخاطر هنا كبيرة، وإذا فشلت الجهود، ستزداد الحرب دموية، لا سيما إذا تبنّى ترامب استراتيجية الإهمال المتعمد تجاه أوكرانيا، أو- لا قدر الله- هاجم القوات الروسية مباشرة.
لقد دمرت الحرب اقتصاد كلا البلدين، وأضعفت جيشيهما، وأثرت على سكانهما. وتشير التقديرات إلى أن عدد القتلى قد وصل إلى مئات الآلاف. كما انخفض عدد سكان أوكرانيا بمقدار الربع، أي نحو 10 ملايين شخص، منذ الغزو الروسي. ووصف وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الوضع مؤخرًا بأنه «مأزق وصراع طويل ودموي ثم يجب أن ينتهي».
يحتاج ترامب إلى إقناع الأطراف الرئيسية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ثم التوصل إلى اتفاق. الوضع المأساوي الذي تعيشه أوكرانيا يجعل كييف أكثر انفتاحا على المفاوضات مقارنة بأي وقت مضى منذ فشل آخر محاولة في ربيع عام 2022. لكن إقناع الأطراف الأخرى سيكون أكثر صعوبة، بدءا من روسيا.
قال ترامب في 20 يناير، عندما سُئل عن خطته لإنهاء الحرب: «عليّ أن أتحدث مع الرئيس بوتين»، وهو محق. هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء إراقة الدماء. لكن لجلب موسكو إلى طاولة المفاوضات ودفعها نحو محادثات جادة، يحتاج ترامب إلى أوراق ضغط. ولهذا، هدد بفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة على روسيا، كما سعى إلى استنزاف خزينة بوتين الحربية عبر خفض أسعار النفط. وفي الوقت نفسه، قدم حوافز مثل تخفيف العقوبات مقابل التعاون في تحقيق السلام.
من اللافت أن ترامب يريد أن تؤدي الصين دورا في المفاوضات، وهو تحرك ذكي. فقد دعمت الصين مجهود روسيا الحربي وتمتلك نفوذا على الكرملين، كما أنها أعلنت رغبتها في إنهاء الحرب. لكن هذه الفكرة قد تتعارض مع الموقف المعادي للصين الذي يتبناه بعض المسؤولين في إدارة ترامب، بمن فيهم روبيو، أكبر دبلوماسي في فريقه، ما قد يؤدي إلى إفشال الخطة.
سيتعين على ترامب أيضا إقناع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا بدعم مبادرة السلام، وإلا فقد يعمل بعضهم على تقويض جهوده. تدرك العديد من العواصم الأوروبية أن التوصل إلى تسوية للصراع سيكون في مصلحتها، لكنها دعمت أوكرانيا بقوة لدرجة قد تجعلها غير قادرة على دعم أي دبلوماسية قد تؤدي إلى تسوية غير مرضية لكييف. وقد يكون بعض القادة الأوروبيين، مثل كايا كالاس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، متشككين في الفكرة، نظرا لمواقفهم السابقة تجاه الحرب.
وإذا نجح ترامب في جمع جميع هذه الأطراف إلى طاولة المفاوضات، فسيواجه مجموعة من القضايا الخلافية الشائكة. أحد أكبر هذه القضايا هو مستقبل التوجه الاستراتيجي لأوكرانيا. هل ستبقى محايدة، أم ستتوجه نحو الغرب، أم ستتبنى موقفًا وسطيًا؟ قد لا تقبل روسيا وقف إطلاق النار إذا كان يعني انجراف كييف نحو الغرب في المستقبل، في حين قد ترفض أوكرانيا أي اتفاق لا يمنحها هذا الأمل.
كما أن أوكرانيا سترفض على الأرجح أي اتفاق لا يتضمن ضمانات أمنية تمنع وقوع هجوم روسي جديد في المستقبل. هناك عدة خيارات لتقديم مثل هذه الضمانات، بدءا من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلى نشر قوة حماية متعددة الجنسيات، أو ببساطة تقديم وعود بزيادة المساعدات العسكرية لكييف في حال تعرضها لهجوم مجددا. لكن الاتفاق على الخيار الأفضل سيكون معقدا، نظرا لاختلاف مواقف أوروبا والولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا بشأن المسألة.
إلى جانب ذلك، هناك العديد من القضايا الشائكة الأخرى، مثل وضع الأوكرانيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة من قبل روسيا، ووضع تلك الأراضي نفسها، بالإضافة إلى مطالب روسيا المستمرة، ولكن غير الواقعية، بإعادة هيكلة أمنية شاملة لأوروبا. هذه القضايا ستتطلب من ترامب مهارات دبلوماسية كبيرة للوصول إلى اتفاق. وما إذا كان لديه الصبر الكافي لإنجاز هذه المهمة الدبلوماسية المعقدة للغاية أمر غير مؤكد.
قد ينتهي الأمر بترامب إلى تبني سياسة «الإهمال المتعمد» تجاه أوكرانيا، لا سيما إذا تبنت كييف موقفا تفاوضيا متشددا، أو إذا شعر بأن بوتين في طريقه للفوز في الحرب ولم يرغب في أن يكون في صف الطرف الخاسر. في هذه الحالة، قد يندد ترامب بروسيا لفظيا بسبب العنف، لكنه لن يفعل الكثير لوقف تدميرها لبقية أوكرانيا.
هناك تهديد أكبر إذا تفاوض ترامب ثم خسر المواجهة أمام بوتين، على سبيل المثال، إذا رفض بوتين علنا خطة السلام الخاصة به أو شنّ هجوما واسع النطاق أثناء المفاوضات. لم يتردد ترامب في السابق في إصدار أوامر باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، عام 2020، وليس من المستبعد أن يستخدم القوة ضد الروس في أوكرانيا إذا كان ذلك ضروريا لحفظ ماء وجهه. مثل هذا التصعيد قد يؤدي إلى مواجهة غير خاضعة للسيطرة بين قوتين نوويتين.
خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، سيتحدد ما إذا كانت الحرب ستتجه نحو المفاوضات. ترامب يطمح إلى وقف إطلاق نار خلال تلك الفترة، لكن هذا يبدو غير مرجح. ومع ذلك، يجب أن يتضح قريبا ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة جادة في بدء العمل الدبلوماسي المضني الذي ستتطلبه أي محاولة ناجحة للسلام.
علينا جميعا أن نأمل ذلك. لقد آن الأوان لإنهاء هذه الحرب، من أجل مصلحة الولايات المتحدة، وأوكرانيا، والعالم بأسره.
كريستوفر إس تشيفيس هو زميل بارز ومدير برنامج السياسة الأمريكية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.
عن الجارديان البريطانية
0 تعليق