يرتبط قطاع الصناعة بمختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى، ونستطيع القول إنه محركٌ رئيسي لعدد هائل من الأنشطة الاقتصادية، إذ لا يمكن أن تنمو أنشطة الاستيراد والتصدير أو أنشطة التجارة الداخلية أو الأنشطة المرتبطة بالخدمات اللوجستية وغيرها من الأنشطة الأخرى بمعزل عن القطاع الصناعي الذي يعتبر عاملًا مهمًا لنمو الأنشطة الأخرى وانتشارها بمختلف أنحاء البلاد.
وتشير البيانات المنشورة في عدد يناير من النشرة الإحصائية الشهرية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن الناتج المحلي للأنشطة الصناعية سجّل في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي نموا بنسبة 5.4%؛ من 5 مليارات و783 مليون ريال عُماني إلى أكثر من 6 مليارات و95 مليون ريال عُماني، والملفت في بيانات الناتج المحلي أن الصناعات التحويلية سجّلت في الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضيين نموا بنسبة 9% من 2.8 مليار ريال عُماني إلى 3.2 مليار ريال عُماني لتشكل بذلك 10.2% من إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية حتى سبتمبر والبالغ 30.6 مليار ريال عُماني، ومن الملاحظ أيضًا أن صناعة المنتجات النفطية المكررة سجّلت أعلى نسبة نمو بلغت 49.3% لترتفع من 296.5 مليون ريال عُماني إلى 442.8 مليون ريال عُماني، ولعل أحد أبرز أسباب هذا النمو هو تشغيل مصفاة الدقم بطاقة إنتاجية تبلغ 230 ألف برميل يوميا وهو ما يرفع إنتاج مصافي النفط العُمانية إلى نحو 500 ألف برميل يوميا، وهذا مؤشر على أهمية قطاع الصناعات التحويلية في الاقتصاد الوطني من خلال توظيف المواد الخام الأولية في إيجاد صناعات جديدة، كما أن التوسع في هذه الصناعات من شأنه توفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب العُماني وتعزيز إمكانيات الاقتصاد الوطني وتنشيط العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وإذا نظرنا إلى حجم الائتمان المصرفي الموجه لقطاع الصناعة نجد أنه تجاوز بنهاية يونيو الماضي حاجز الملياري ريال عُماني مستحوذا على 8% من إجمالي حجم الائتمان المصرفي الذي قدّمته البنوك العُمانية للقطاعات الاقتصادية والأفراد، وهذا مؤشرٌ آخر على مدى الاهتمام الذي يحظى به القطاع الصناعي وإمكانيات نموه والفرص العديدة المتاحة أمامه.
غير أنه على الرغم مما تبعثه هذه الأرقام من ارتياح بمستوى النمو الذي يحققه القطاع الصناعي، إلا أن سلطنة عُمان لديها إمكانيات أكثر لتطوير القطاع الصناعي لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب حتى الآن على الرغم من أن تطوير المناطق الصناعية بدأ في مرحلة مبكرة من مسيرة النهضة العُمانية الحديثة، ومع احتفال سلطنة عُمان بيوم الصناعة العُمانية الذي يوافق التاسع من فبراير من كل عام فإننا نجد أنها فرصة مناسبة لدراسة ما تم إنجازه لتطوير هذا القطاع الحيوي ليكون محفّزا لنمو الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ولعله من المناسب بذل مزيد من الجهود تجاه تشجيع الصناعيين على تأسيس مشروعات جديدة وبحث التحديات التي تواجههم، وكما يعلم الجميع فإن القطاع الصناعي بشكل عام وفي أي دولة يشهد تحديات أعلى من القطاعات الأخرى نظرًا للمنافسة العالمية للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من حجم السوق الصناعي العالمي ومن جهة أخرى تضع العديد من الدول قوانين وتشريعات للحد من الإغراق في الوقت الذي تشجع فيه صناعاتها المحلية بالعديد من الطرق والأساليب.
ومع الحوافز التي تقدّمها مختلف الجهات الحكومية معززة بالتمويل المصرفي وتوفر الموانئ والمناطق المجهّزة للاستثمار الصناعي سواء في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم أو المناطق الحرة في صحار وصلالة والمزيونة والمدن الصناعية المنتشرة في مختلف المحافظات، فإننا نتطلع إلى إقبال الشركات المحلية على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، ولعل ما أعلنته الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة عن بدء العمل في تطوير 8 مناطق صناعية جديدة من شأنه مواكبة تطلعات مزيد من الصناعيين للاستثمار في هذا القطاع واستغلال الميزات النسبية والتنافسية في المحافظات التي تحتضن المناطق الصناعية الجديدة.
إن تضافر جهود الجميع في القطاعين العام والخاص وقيام المجتمع بشراء المنتجات المحلية والتزام الشركات من جهتها بمعايير الجودة والترويج لمنتجاتها؛ من شأنه تعظيم مكاسب القطاع الصناعي بالشكل الذي ينعكس إيجابا على مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى بما في ذلك تنشيط الصادرات العُمانية وتوفير فرص العمل أمام الشباب سواء في قطاع الصناعة أو القطاعات الأخرى المرتبطة به وهو ما سينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني ويمكنه من تحقيق نمو حقيقي ومستدام.
0 تعليق