صدر تقرير مستقبل الوظائف لعام 2025 عن المنتدى الاقتصادي العالمي في 7 يناير، حيث سلط الضوء على مجموعة من المحركات الرئيسية التي يُتوقع أن تؤثر بشكل كبير على سوق العمل العالمي بحلول عام 2030. وتشمل هذه المحركات التغيرات التقنية، والتشظي الجيو-اقتصادي، وعدم اليقين الاقتصادي، والتحولات الديموغرافية، والانتقال الأخضر، والتي من المتوقع أن تعمل منفردة أو مجتمعة على إعادة تشكيل سوق العمل العالمي.
ترتكز النتائج الرئيسية التي توصل إليها التقرير على استطلاع آراء أكثر من 1000 من كبار أرباب العمل العالميين، والذين يمثلون ما يزيد عن 14 مليون عامل في 22 مجموعة صناعية و55 اقتصادًا حول العالم. كان الهدف من هذا الاستطلاع هو تحليل كيفية تأثير هذه المحركات الرئيسية على الوظائف والمهارات، بالإضافة إلى استراتيجيات التحول في قوة العمل التي يخطط أرباب العمل لتنفيذها خلال الفترة الممتدة من 2025 إلى 2030.
من المتوقع أن يكون التوسع في إتاحة الخدمات الرقمية هو الاتجاه الأكثر تأثيرًا في هذا التحول، سواء ضمن الاتجاهات الفرعية المرتبطة بالتغير التقني أو بشكل عام، حيث يتوقع 60% من أرباب العمل أن يؤدي ذلك إلى تحولات جوهرية في أعمالهم بحلول عام 2030. كما أن الاتجاهات الفرعية الأخرى المتعلقة بالتقنية، مثل الاختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن تؤثر بشكل ملحوظ، إذ يرى 86% من أرباب العمل أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على أعمالهم، بينما يُتوقع أن يكون التأثير مماثلاً لمعالجة البيانات والروبوتات بنسبة 58%، وتوليد وتخزين وتوزيع الكهرباء بنسبة 41%. هذه التحولات ستؤثر على الأدوار الوظيفية، إذ ستسهم في ازدهار بعض الوظائف وتراجع أخرى، كما ستزيد من الطلب على المهارات المرتبطة بالتقنية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، وأمن الشبكات والإنترنت.
على صعيد آخر، أشار التقرير إلى أن ارتفاع تكلفة المعيشة يحتل المرتبة الثانية بين الاتجاهات الكلية المؤثرة في سوق العمل، كما أنه يُعتبر العامل الأول ضمن فئة عدم اليقين الاقتصادي، حيث يتوقع نصف أرباب العمل أن يؤدي إلى تحولات كبيرة في أعمالهم بحلول عام 2030، رغم التوقعات بانخفاض التضخم العالمي. أما التباطؤ الاقتصادي العام، فيظل عاملاً رئيسيًا ضمن فئة عدم اليقين الاقتصادي، حيث يتوقع 42% من أرباب العمل أن يؤثر على أعمال شركاتهم. كما يتوقع التقرير أن يكون للتضخم تأثير مزدوج على خلق الوظائف، إذ سيؤدي بطء النمو إلى فقدان 1.6 مليون وظيفة عالميًا. وبالتوازي، من المتوقع أن يزيد هذا التأثير من الطلب على مهارات التفكير الإبداعي، والمرونة، والقدرة على التكيف.
أما فيما يتعلق بالتحول الأخضر، فقد صنّف التقرير التخفيف من حدة التغير المناخي كثالث أهم اتجاه مؤثر في أعمال الشركات بشكل عام، بينما يحتل التكيف مع التغير المناخي المرتبة السادسة، حيث يتوقع 47% و41% من أرباب العمل، على التوالي، أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى تحولات كبيرة في أعمالهم خلال السنوات الخمس القادمة. ومن المتوقع أن يعزز هذا التحول الطلب على وظائف مثل مهندسي الطاقة المتجددة، ومهندسي البيئة، واختصاصيي الكهرباء، ومهندسي السيارات ذاتية القيادة، والتي تعد من بين الوظائف الأسرع نموًا في الفترة القادمة. كما يُتوقع أن تؤدي اتجاهات المناخ والتحول الأخضر إلى تركيز أكبر على الإشراف البيئي، والذي دخل لأول مرة قائمة المهارات العشر الأسرع نموًا في تقرير مستقبل الوظائف.
وفيما يخص التحولات الديموغرافية، فإن هناك عاملين رئيسيين يؤثران على الاقتصاد العالمي وسوق العمل. الأول هو شيخوخة السكان وتراجع أعداد السكان في سن العمل، وهو عامل سائد في البلدان ذات الدخل المرتفع. أما العامل الثاني، فهو تزايد أعداد السكان في سن العمل، وهو اتجاه رئيسي في البلدان ذات الدخل المنخفض. تؤدي هذه الاتجاهات إلى زيادة الطلب على المهارات في إدارة المواهب، والتدريس، والإشراف، والتحفيز، والوعي الذاتي. كما أن شيخوخة السكان ستؤدي إلى نمو وظائف الرعاية الصحية، مثل التمريض، بينما سيؤدي تزايد أعداد الشباب في سوق العمل إلى زيادة الطلب على وظائف التعليم، مثل أساتذة التعليم العالي.
من جهة أخرى، يُتوقع أن يؤدي التشظي الجيو-اقتصادي والتوترات الجيوسياسية إلى تحول في نماذج الأعمال لدى 34% من الشركات التي شملها الاستطلاع. كما أشار أكثر من 23% من أرباب العمل إلى أن القيود المتزايدة على التجارة والاستثمار، إلى جانب سياسات الدعم المالي والصناعي، ستكون من العوامل الرئيسية التي تشكل عملياتهم التجارية. كما أن الاقتصادات الأكثر تأثرًا بهذه الاتجاهات هي تلك التي تعتمد بشكل أساسي على التجارة مع الولايات المتحدة أو الصين أو كليهما معًا. ويؤدي هذا التشظي الجيو-اقتصادي إلى دفع بعض أرباب العمل إلى نقل عملياتهم الإنتاجية إلى الخارج، أو حتى إعادتها إلى بلدانهم الأصلية. كما أنه يعزز الطلب على الوظائف المرتبطة بالأمن السيبراني، إلى جانب المهارات البشرية مثل التكيف، والمرونة، والقيادة، والنفوذ الاجتماعي.
إيجاد وتدمير الوظائف
وفقًا للتوقعات المستخلصة من آراء المشاركين في الاستطلاع، فإن التحولات الهيكلية في سوق العمل ستؤدي إلى خلق وتدمير ما يقارب 22% من إجمالي الوظائف الحالية بحلول 2030. فمن المتوقع أن يتم إيجاد 170 مليون وظيفة جديدة، وهو ما يعادل 14% من إجمالي التوظيف، لكن في المقابل سيتم فقدان 92 مليون وظيفة، أي ما يعادل 8% من إجمالي الوظائف الحالية، ليكون صافي النمو في الوظائف حوالي 7%، أو 78 مليون وظيفة.
من المتوقع أن تشهد وظائف الخط الأمامي، مثل عمال المزارع، وسائقي التوصيل، وعمال البناء، وموظفي المبيعات، وعمال إعداد الطعام، أكبر زيادة في عدد الوظائف. كما أن وظائف اقتصاد الرعاية، مثل التمريض، والعمل الاجتماعي، والإرشاد النفسي، ستشهد نموًا ملحوظًا. ومن المتوقع أيضًا أن يزداد الطلب على الوظائف المرتبطة بالتعليم، مثل معلمي التعليم الثانوي والعالي. في المقابل، يُتوقع أن تتراجع الوظائف الإدارية التقليدية، مثل السكرتارية، وموظفي إدخال البيانات، والصرافين، وموظفي الحجز.
فجوة المهارات
من المتوقع أن تزداد أعداد الوظائف عالميًا بحلول 2030، لكن فجوة المهارات قد تتسع بسبب التباين بين الوظائف الناشئة والمتدهورة. ووفقًا للتقرير، فإن أبرز المهارات المطلوبة في المستقبل تشمل التكيف، والمرونة، والبرمجة، ومحو الأمية التقنية، وإدارة العمليات وضبط الجودة. كما أن التفكير التحليلي يظل أكثر المهارات المطلوبة، يليه التكيف والمرونة والقيادة.
يُعد تطوير المهارات وإعادة التدريب أولوية لدى 85% من أرباب العمل، حيث يخططون لتوظيف أفراد يتمتعون بمهارات جديدة، فيما يعتزم 40% من الشركات تحويل الموظفين من وظائف متدهورة إلى أخرى صاعدة. كما يتزايد التركيز على الصحة النفسية للعاملين كوسيلة لاجتذاب المواهب.
بحلول عام 2030، يخطط نصف أرباب العمل لإعادة توجيه أعمالهم بهدف دمج الذكاء الاصطناعي، بينما يخطط 40% منهم لخفض قواهم العاملة مع تزايد الأتمتة. ومن المتوقع أن تلعب مبادرات إعادة التدريب والتنوع والمساواة دورًا أساسيًا في استراتيجيات الشركات.
• المصدر: تقرير مستقبل الوظائف الصادر في يناير 2025 عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
0 تعليق