استجداء الاهتمام عبر "السوشال ميديا".. هل يعكس اضطرابا نفسيا؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتشارك المشاعر، وقد تتنحى الخصوصية جانبا ويصبح من السهل معرفة حالة الشخص المزاجية، وبعض القصص التي لا تعني أحد سواه، ولكن عندما يتحول ذلك إلى استجداء مستمر للاهتمام فقد يكون الأمر مقلقا ويستدعي الانتباه. اضافة اعلان
استجداء الاهتمام هو محاولة متعمدة لجذب انتباه الآخرين عبر منشورات أو تعليقات تتسم أحيانا بالمبالغة أو الدراما أو الغموض، وقد يتضمن ذلك نشر رسائل غامضة تدعو الآخرين للسؤال كمشاركة مشاعر الحزن أو الإحباط بشكل متكرر أو حتى تزييف مواقف معينة بهدف جذب التفاعل والتعاطف. 
ويخرج الموضوع من كونه تفاعلا إلى حالة مقلقة قد تنم في كثير من الأحيان عن مشكلات نفسية عميقة تدفع الشخص المستجدي للبحث عن الاهتمام في العالم الافتراضي بالذات، لكونه يفتقده في الحقيقة، ويتضح ذلك من خلال الاعتماد الكامل على التفاعل الرقمي والمبالغة في مشاركة المشاعر السلبية واللجوء للتلاعب العاطفي والانجرار خلف الحياة الرقمية بدلا من الواقعية. 
البحث عن الاهتمام
تبالغ ليان (27 عاما) في مشاركة أمورها الشخصية عبر صفحاتها الخاصة على مواقع التواصل، وتتعمد في ذلك إثارة الشفقة واستخدام عبارات غامضة محملة بالعاطفة، وذلك لكونها تشعر بالوحدة دائما فهي لم تنجح في تكوين صداقات حقيقية تقول كل الأشخاص في حياتها كانوا عابرين، وهذا جعلها تهرب إلى السوشال ميديا لعلها تجد الاهتمام حتى لو كان وهميا. تبين أنها تجد نفسها في العالم الرقمي بين الإعجابات والتعليقات فلا تتردد أبدا في إثارة الغموض من خلال صورة تنشرها أو عبارة تحتمل أكثر من تفسير. ليان تحاول أن تبني حياة كاملة فيها كل ما تفتقده حتى لو من خلف الشاشات غير مكترثة بهشاشة تلك العلاقات وسطحيتها بالغالب. 
وتعاني سنا ذات المشكلة مع إحدى صديقاتها، تقول إن احتياجها الدائم للتقدير هو ما يجعلها تتخذ من السوشال ميديا مساحة تبث فيها كل مشاعرها حتى وإن اضطرت أحيانا لتزييفها، المهم بالنسبة لها أن تحصل على دعم الآخرين، وأن يؤكدوا لها أنها تستحق أن تكون سعيدة وأن الحزن لا يليق بها أبدا لدرجة أنه قد يصل بها الحال إلى ادعاء المرض ونشر كل ما من شأنه أن يثير البلبلة فقط من أجل أن تحظى بجرعات إضافية من الاهتمام.
 وتنوه سنا إلى أنها لم تعد تصدقها أو حتى تتأثر بما تنشره، فقد أصبحت مكشوفة وخاصة أنها مؤخرا بدأت تستخدم أسلوبا آخرا لجذب الانتباه وهو التلميح بإيذاء نفسها، وذلك بوضع منشورات طوال الوقت تتحدث عن رغبتها في مغادرة الحياة، وبأن الحياة لم تعد تتسع لها معتقدة أن بأسلوبها هذا ستربح أكبر عدد ممكن من الناس حولها، وستلمس المحبة التي لطالما بحثت عنها. أما سنا فقناعتها عكس ذلك تماما، هي تؤمن بأن الاهتمام الحقيقي لا يكون بالاستجداء بل بالعلاقات الأصيلة. 
سلوكيات تعكس حاجات غير مشبعة
 وتبين الاختصاصية النفسية سارة ملحس أن استجداء الاهتمام عبر مواقع التواصل هو سلوك يعكس حاجات نفسية غير مشبعة، وقد يكون له عدة أسباب وأبعاد نفسية. الأسباب المحتملة لاستجداء الاهتمام تشمل انخفاض تقدير الذات، حيث قد يبحث الشخص الذي يعاني من تدني تقدير الذات عن التقدير الخارجي لتعويض النقص الداخلي. كما يمكن أن يكون نقص الدعم العاطفي دافعا لهذا السلوك، حيث يلجأ الشخص لوسائل التواصل لسد الفراغ العاطفي الذي يعاني منه في حياته الواقعية.
 الشعور بالوحدة أيضا يلعب دورا رئيسا، وفق ملحس، فالبعض يستخدم الإنترنت كوسيلة للتخفيف من الوحدة والشعور بالتواصل مع الآخرين. من الممكن أن يكون هذا السلوك مرتبطا باضطرابات نفسية مثل اضطراب الشخصية الحدية، الذي يتميز بتقلبات عاطفية شديدة وحاجة ماسة للاهتمام خوفا من الهجر، أو اضطراب الشخصية الهستيرية، الذي يتميز بالسعي المستمر لجذب الانتباه والدراما العاطفية. 
كما قد يكون الشخص في حالة اكتئاب خفي، ويحاول التعبير عن ألمه بشكل غير مباشر. إضافة إلى ذلك، قد يكون الإدمان على التفاعل الإلكتروني سببا رئيسا، حيث يصبح الشخص مدمنا على الاهتمام الرقمي كرد فعل على التفاعل المستمر مع منصات التواصل. وأخيرا، يمكن أن يكون نمط التربية غير الصحي عاملا مؤثرا، حيث إن الشخص الذي نشأ في بيئة لم تقدم له اهتماما كافيا أو بالغت في الاهتمام به قد يصبح بحاجة دائمة للانتباه.
 اللجوء لتعزيز المشاعر الإيجابية 
ومن المهم تعزيز الوعي الذاتي حتى يدرك الشخص الأسباب العميقة وراء حاجته المستمرة للاهتمام. يمكن أيضا بناء مصادر داخلية للثقة بالنفس، مثل تطوير المهارات، ممارسة الهوايات، وتحديد أهداف ذاتية. تعزيز العلاقات الحقيقية مع العائلة والأصدقاء بدلا من الاعتماد على التواصل الافتراضي فقط يعد أمرا ضروريا. إذا كان السلوك يؤثر على جودة الحياة أو يرتبط باضطرابات نفسية، فقد يكون العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، مفيدا جدا، بحسب ملحس.
يمكن تقليل الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تقليل الوقت المستغرق على هذه المنصات واستبداله بأنشطة أكثر إشباعا نفسيا. كما أن تعزيز المشاعر الإيجابية داخليا من خلال ممارسة الامتنان، التأمل، أو تمارين الثقة بالنفس قد يساعد في تحسين الوضع. هذا السلوك لا يشير بالضرورة إلى اضطرابات نفسية، لكنه قد يكون مرتبطا ببعض الحالات مثل اضطرابات الشخصية الهستيرية أو الحدية، بالإضافة إلى الاكتئاب والقلق الاجتماعي وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي. 
العلاج متاح سواء عبر العلاج النفسي أو تطوير إستراتيجيات لتعزيز الاستقلال العاطفي، كما تقول ملحس، والأضرار الناتجة عن استجداء الاهتمام تشمل الإرهاق النفسي المستمر، حيث إن الاعتماد على تفاعل الآخرين كمصدر للراحة النفسية قد يجعل الشخص في حالة تقلب عاطفي دائم. كما قد يؤثر ذلك سلبيا على العلاقات، حيث يمكن أن ينفر الناس من الشخص إذا شعروا بأنه يطلب اهتمامهم بشكل زائد.
وتبين ملحس أن هناك أيضا خطر التعلق المرضي بالتكنولوجيا، حيث يصبح الشخص معتمدا على الإنترنت كمصدر أساسي للإشباع العاطفي. يمكن أن يعزز هذا السلوك التفكير السلبي، فإذا لم يحصل الشخص على التفاعل الذي يريده، قد يؤدي ذلك إلى الإحباط والاكتئاب. وأخيرا، قد يؤدي الاعتماد على اهتمام الآخرين إلى ضعف النمو الشخصي، حيث يمنع الشخص من تطوير ذاته والاعتماد على مصادر داخلية لتعزيز الثقة بالنفس.
محاولة الظهور ولفت الانتباه 
وتقول خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن بعض الشخصيات تتميز على مواقع التواصل بنمط من السلوكيات المبالغ فيها الساعية إلى الاهتمام، والتي تبدأ عادة في مرحلة الطفولة المبكرة، وتشمل محاولة الظهور ولفت الانتباه والرغبة المفرطة في القبول. وغالبا هؤلاء الأشخاص مفعمون بالنشاط والدراما والحيوية والحماسة ومنفتحون على الآخرين. ولديهم رغبة كبيرة في جذب الانتباه، ويبالغون في سلوكياتهم وعواطفهم التي يظهرونها.
ووفق إبراهيم، تشمل الميزات المرتبطة بهم الأنانية، والانغماس في الذات، والتوق المستمر إلى التقدير، والسلوك المتلاعب المستمر لتحقيق رغباتهم الخاصة.
وتشمل الخصائص الإضافية لاستجداء الاهتمام منها، السلوك استعراضي، السعي الدائم للاطمئنان أو القبول، الحساسية المفرطة للنقد أو الرفض، الفخر بالشخصية وعدم الرغبة في التغيير، والنظر إلى أي تغيير على أنه تهديد. كذلك التحول السريع للحالات العاطفية التي قد تبدو للآخرين سطحية أو مبالغا فيها، إلقاء اللوم في الإخفاقات الشخصية أو خيبات الأمل على الآخرين، سهولة التأثر بالآخرين، خاصة الذين يعاملونهم باستحسان، الإفراط في الدراما والعاطفة.
أسباب مثل هذه الظاهرة حسب التحليل النفسي تفسره إبراهيم، بأنه افتقار هؤلاء الأشخاص للعاطفة الحقيقية، وتعرضهم للإهمال في الطفولة أو الاهتمام المفرط الذي يجعلهم أشخاص أنانيين، أو تعرضهم للحب المشروط أثناء طفولتهم، أو التعرض لصدمات عاطفية كالفشل في الحب أو الانفصال.
علاج مثل هذه الحالات يكون بالعلاج المعرفي السلوكي عن طريق مساعدة المختصين، والحصول على الدعم الحقيقي الغير مزيف من المقربين كالعائلة والأصدقاء، ومن الممكن التدخل الدوائي إذا صاحب هذه الظاهرة اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق والتوتر واضطرابات أخرى.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق