أيام قليلة تفصلنا عن إقامة مؤتمر البحرين للحوار الإسلامي – الإسلامي، وشعاره "أمة واحدة ومصير مشترك"، برعاية ملكية كريمة تعكس حجم العناية والاهتمام بمكانة الأمة الإسلامية، والقرب من تطلعات علمائها ومفكريها، من منطلق واجب المحافظة على عظمة ديننا الإسلامي وإحياء نموذجه الإنساني الخالد في نفوس أتباعه.
المؤتمر، كما هو واضح، يقام في ظروف استثنائية، غاية في الصعوبة، إذا ما تلفتنا حولنا ونظرنا إلى أحوال المسلمين. فعلى الرغم من المحاولات، التي لا تعد ولا تحصى، لجعل أمة - سيد الخلق - خير أمة أخرجت للناس، تشتد الصراعات والنزاعات وتباح الدماء، وتبتعد الوحدة الإسلامية المرجوة عن طريق النجاة من شرور الفرقة والفتنة والتعصب المنبوذ والمكروه لأهل الدين الواحد.
والدعوة لفتح قنوات أكثر فعالية للحوار الإسلامي، من على أرض البحرين تحديداً، ومن قبل شيخ الأزهر الجليل، الإمام الطيب، هي مبادرة تمتاز بدقة توقيتها وبحكمة توجهاتها، ونجد بين ثناياها، ما يوجه الأنظار ويلفت الانتباه للدور المؤثر الذي تستطيع أن تتولاه هذه الحاضنة الحضارية على صعيد إعلاء وتوحيد كلمة المسلمين.
ولا عجب أن يتصدى رئيس مجلس حكماء المسلمين لمثل هذه القضية الجسيمة لوضع اليد على موطن المرض المنهك لجسد الأمة، والعمل مع رموزها ومرجعياتها للعودة بالوحدة الإسلامية إلى مكانتها المأمولة، امتثالاً للتوجيه الإلهي بالاعتصام بحبله الوثيق والابتعاد عن الخلاف المفضي إلى الفشل والهوان.
ولشيخ الأزهر جهاد متواصل في تسخير علمه النافع وفكره المستنير لهدف الارتقاء بالأخوة الإيمانية كمتطلب أول لسلامة وتعافي روح الأمة واستعادة سيرها الحضاري. وهذا، وفق قناعة الإمام الأكبر، لن يتحقق إلا بإعادة بناء جسور التقارب بين كافة مكونات المجتمع الإسلامي.
ولمن لا يعرف الإمام الطيب، فهو يرأس مجلس حكماء المسلمين المعني بإحياء دور العلماء في ترشيد حركة المجتمعات المسلمة، وتحقيق المصالحة والوئام بين مواطنيها، إلى جانب توليه لشؤون الأزهر الشريف منذ حوالي أحد عشر عاماً، الذي شهد خلال فترة ولايته المباركة نقلات نوعية تواكب مستجدات الواقع والتفاعل المتزن مع متطلبات العصر.
فنجد اهتماماً واستنفاراً للتصدي للتطرف الديني وضبط "فوضى الفتاوى"، وعنايةً خاصة بتطوير المناهج التعليمية وأصول تدريب الأئمة والوعاظ والمفتين، وإحياءً لنهج "البعثات الأزهرية" المعنية بتدريس ونشر الثقافة الإسلامية وتقديم الصورة الصحيحة لدين السلام والاعتدال، هذا إلى جانب تبني المؤسسة الدينية لقضية استقرار ووحدة (بيت العائلة المصرية)، لإشاعة ثقافة التعايش والآخاء وللامتثال بخُلق المودة والرحمة.
والذي لم أكن أعرفه عن الشيخ الطيب حتى وقت كتابة المقال، بأنه، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، بالإضافة إلى جهوده المخلصة في "خدمة الإنسانية" وفي سبيل ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، يتمسك بصفته كباحث وأستاذ أكاديمي متخصص في الفلسفة، ودارس لأصولها في فرنسا، ويتحدث، بطبيعة الحال، اللغة الفرنسية إلى جانب الإنجليزية.
وللإمام الكبير حوار مسجل قصير، وهو يتحدث الفرنسية بلكنته المصرية الجميلة، مع سياح حلوا ضيوفاً في ساحة أسرته العريقة التي أنشأتها عام 1900 في صعيد الأقصر على يد جد الشيخ الكريم، وتشتهر "ساحة الطيب" في مصر، بأنها مركز عريق لنشر الدعوة الإسلامية، ووجهة لفض النزاعات، وملاذ للفقراء لتلبية احتياجاتهم، ومقر لمكتبة إسلامية ضخمة.
هذا هو العالم الأزهري، أحمد محمد الطيب، الذي حاولت أن أوجز غيضاً من فيض مسيرته العامرة بالعطاء الروحي والإنساني، تكريماً وتقديراً لضيف البحرين، التي تحتل، كما يشعر أهلها، مكانة خاصة في قلبه وفكره، فهو من يجد فيهم القدرة على التوفيق بين ثنائية "الأصالة والمعاصرة"، ملتزمين في ذلك بـ "هدي الدين وحكمة الشرق".
فعلى الرحب والسعة بفضيلته وضيوف المؤتمر الأجلاء، مع تمنياتنا الخالصة لهم بتحقيق مقاصد هذا الاجتماع المبارك الذي نحن بأمس الحاجة إليه، انتصاراً للدين واستقامة اتباعه.. ولله عاقبة الأمور.
*عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة
0 تعليق