لكن هناك أسبابا أخرى تجعلنا لا نحتفل بأيام ميلادنا. أولها أننا شعب لم يعتد على تقديم الهدايا، على الرغم من كوننا من ألطف الشعوب وأشدها عاطفة. نحن نعطي بسخاء حين نحب، لكن عندما يتعلق الأمر بهدية عيد ميلاد، نصبح في حيرة! فالعطور تتكرر عشرات المرات، وأزرار الأكمام تُهدى للرجال مئات المرات، والأقلام والمسابح أسرع الأشياء تهدى وأسرع الأشياء تضيع، أما النساء فغالبا ما يُفضلن الهدايا غالية الثمن ذات القيمة العالية، فإن فعلتها هذه السنة لن تفعلها تلك السنة، وإن تهورت بسنتين متتاليتين قطعت الهدايا عنوة خوفا من أن تعتاد فترهق جيبك ويرهق عقلك من هذا الهدر المالي، فتجري الحكمة على لسان الرجال بقصد التوفير لا الحكمة بعبارة "شوفوا الأجانب هداياهم رمزية، والعبرة إن الإنسان يتذكرك ولا ينساك، وبقيمة الهدية المعنوية لا بقيمتها المادية".
سبب آخر، وهو حجم العائلات الكبير؛ فمعظم الأسر تضم ما لا يقل عن اثني عشر فردا، بين والدين وجدين وأبناء وأحفاد، وقد يكون العدد أكثر من ذلك بكثير! ولا شيء أوضح على ذلك من صور الأعياد، حيث تعجز عدسة الكاميرا عن جمع الجميع في لقطة واحدة، إلا على صورتين أو ثلاث، أو أن يضطر المصور للابتعاد 100 قدم للخروج بصورة تشمل الجميع، وأشك أنه يمكن أن ترى الوجوه بوضوح! فإذا كانت العائلة بهذا الحجم، فإن متجر هدايا واحدا لن يكون كافيا لتلبية جميع المناسبات، خاصة مع بقاء الهاتف الجوال متصدرا المشهد كأفضل الهدايا وأكثرها تكرارا. ثم إن كانوا بهذا العدد الضخم - بارك الله في الأولاد والبنات - وبما أن السنة لا تقل عن 48 أسبوعا، صارت السنة كلها أيام ميلاد فلن يمر أسبوع إلا بحفلة ميلاد أحدهم "الله يحفظهم لأمهاتهم"، أما من عدد فإن من المحتمل أن يصل الأولاد والأحفاد إلى 365 يوما بعدد أيام السنة فيصير كل يوم حفلة!
أما الرجال، فلا يهتمون كثيرا بأعياد الميلاد، لأنهم إما مشغولون أو يعتبرونها نوعا من الإسراف والتبذير، إلا عندما يتعلق الأمر بتعدد الزوجات! كما أنهم لا يريدون لهذه العادة أن تتسلل إلى مؤسساتهم، فيُضطرون إلى الاحتفال بموظفيهم، إلا أن بعضهم قد يعيد النظر بعد أن أصبحت المرأة جزءا أساسيا من بيئة العمل.
وأما السيدات، فمن الظلم القول إنهن لا يحتفلن بأيام ميلادهن، لكنهن يفعلن ذلك بذكاء! فخلال الستة والعشرين عاما الأولى، يعلنّ أعمارهن بفخر، ثم يحتفلن بعد هذه السن دون الإشارة إلى العمر، ومع تقدم العمر قليلا، يتلاشى الاحتفال شيئا فشيئا، حتى يصلن إلى مشارف الستين، حيث تعود بعضهن للإعلان عن أعمارهن من جديد، وكأنهن تصالحن مع الزمن، أطال الله أعمارهن جميعا.
فهل نحن حقا لا نحتفل بأيام ميلادنا، أم أننا فقط نحتفل بها بطريقتنا الخاصة، متجنبين الأرقام، متحايلين على الوقت، محتفظين بروح الفرح دون أن نقيدها بتاريخ معين؟ لنقول كلمتنا الشهيرة: كل يوم عيد نحتفل فيه، بينما الآخرون يحتفلون في أحبائهم في يوم واحد فقط في العام!
Halemalbaarrak@
0 تعليق