عاملات منازل "قيد الهروب في 90 يوما" (فيديو)

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على مدار شهرين.. تتبع "الغد" شبكات ومافيات قد تبدو منظمة لتشغيل العاملات الهاربات


جولة استقصائية لـ"الغد" تكشف النقاب عن أماكن تواجد العاملات الهاربات

اضافة اعلان


عاملات ينتظرن لحظة الصفر للهروب.. من يكفل حق المواطن؟


"على عينك يا تاجر".. عاملات هاربات وفوضى مكاتب غير مرخصة


تعتيم رقابي وحكومي.. من يحمي حق المواطن الأردني؟


"الاتجار بالبشر": بعض العاملات يقمن بالهروب من منزل صاحب العمل بطوع إرادتهن بسبب الدافع المادي فيلجأن للهروب للعمل بنظام المياومة

 

الزيود: مشكلة الهروب لا يمكن إنكارها.. وخوف المواطن مبرر


الفاعوري: نفتقد للتشاركية مع وزارة العمل و"أماكن الهاربات" على مرأى من الجهات المعنية


متضررون: صمت رقابي.. فمن يكفل حقوقنا؟

 

على مرأى من الجميع، تحولت أحياء عمّانية إلى مدن غانية وبنغالية وأخرى إثيوبية استوطنتها عمالة خارجة عن القانون عبر شبكات وسماسرة، فيما يشبه عملا قد يبدو منظما لتهريب عاملات المنازل، يستدرجون "فرائسهم" عبر "فيسبوك" ويدفعون بهن للسوق السوداء بصفة "الفري لانس".


عاملات ينتظرن لحظة الصفر للهروب، بحثا عن راتب أعلى، يتواصلن مع مجموعات عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي قد تبدو "عصابات تهريب"، تحدد الموعد المناسب للهروب من دون أن تضطر الواحدة منهن لأن تحمل من منزل كفيلها إلا ما خف وزنه.


وبعد "ساعة الصفر"، يُفتح "باب الفرج" في وجه "العاملة الهاربة" التي ستحظى بخدمة "خمس نجوم"، فهنالك من سيتولى نقلها من عتبة منزل الكفيل وآخر سيؤمنها بمكان الإقامة الجديد وغيره سيدبر لها أمر فرصة عمل جديدة براتب أعلى، فيما يشبه عمل مافيات وعصابات.


لكن، في المقابل، أحداث القصة الصعبة ستبدأ لدى "الحلقة الأضعف".. ذلك الكفيل الذي ظل ينتظر أسابيع وربما أشهرا قبل أن تصبح العاملة في منزله، وقد تكبد كلف استقدامها التي تصل إلى أكثر من 3 آلاف دولار.. وفجأة في لحظة واحدة يجد نفسه قد خسر العاملة والمال معاً وذهبت أسابيع الانتظار هباء منثورا.


تحقيق ميداني استغرق من معديه أكثر من 70 يوما للبحث في تفاصيل الملف الشائك "هروب العاملات من المنازل"؛ إذ تكشف "الغد" من خلاله معلومات وأحداثا مثيرة عن سوق سوداء تديرها مافيات متخصصة بتهريب العاملات بموافقتهن من منازل الأردنيين ونقلهن للعيش في أحياء بعينها تعج بـ"الهاربات" في العاصمة عمان، لاستغلالهن بأعمال غير قانونية، في مشهد بات يشكل ظاهرة تجاوز عمرها أكثر من 5 سنوات، وقد خلفت أبعادا خطيرة تهدد السلم المجتمعي، وسط "عجز" حكومي زاد القصة تعقيدا.


تتبعت "الغد" رحلة هروب عاملات من منازل كفلائهن مع ساعات الفجر الأولى، تنتظرهن في الجهة المقابلة للمنزل سيارة لنقلهن إلى الأحياء التي يتجمعن بها، يستيقظ بعدها الكفيل على خيبة أمل وحسرة "تحويشة العمر".


13 ألف عاملة هربن بعد مضي 90 يوما انتهى بهن الحال في سوق سوداء ومكاتب استقدام معتذرة "انتهت كفالة المكتب"، وخسائر مالية يتكبدها المواطن، عدا عن مهربين يتاجرون بعرق العاملات وقصور في التشريعات، ويبقى السؤال: من يكفل حق المواطن؟


مواطنون يقامرون بأموالهم "يا تصيب يا تخيب"، هكذا حال بيوت الأردنيين الذين تؤرقهم ظاهرة هروب العاملات التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة في ظل انتشار السماسرة وشبكات قد تبدو منظمة، يرافقها غياب رقابي وصمت حكومي زادا الطين بلة، وحلول ما تزال قيد الدراسة.


مكاتب استقدام تخلي مسؤوليتها بعد 90 يوما بحجة القانون، في حين تلقي نقابة مكاتب الاستقدام اللوم على وزارة العمل والجهات المختصة التي تصمت عن هذه الظاهرة، حسب وصفهم، في حين يتكبد مواطن جديد، كل يوم، خسائر مالية كبيرة بعد هروب العاملة التي تبقى في ذمة كفيلها حتى عودتها إلى بلادها، في حين أن المواطن لا كفيل لحقه.

سماسرة يتاجرون بعرق العاملات.. والمواطن هو الضحية

 


هربت عاملة السبعينية أم عدنان من منزلها بعد أن أنهت 90 يوما "كفالة المكتب"، فقد رجعت إلى منزلها لتجد العاملة قد جمعت أغراضها وتركت المنزل في وضح النهار.


"والله ما لزني عليهم إلا الموت، والله لولا الحاجة ما يدخلن إلي دار، بس والله ركبي ما بقدر أنقل حالي"، تبرر أم عدنان حاجتها لوجود عاملة في منزلها.


بدأت قصة أم عدنان بعد حصول أبنائها على إعفاء لاستقدام عاملة منزل لإعانتها على البيت ومساعدتها على التنقل، إلا أن فرحتهم بالإعفاء لم تكتمل، فلم تمض 90 يوما حتى تركت العاملة المنزل.


حفيد أم عدنان أضاف لـ"الغد": "هربت العاملة الأولى التي تحمل الجنسية الإثيوبية بعد ثلاثة أشهر، وكان ما النا أسبوع مخلصين المبلغ، حتى كنا مقسطينه وزعنا حلوان، وهي بعد أسبوع هربت وأعطتنا الحلوان".


ويتابع "الحجة وضعها صعب، واضطررنا لإحضار عاملة جديدة من الجنسية الأوغندية بالأقساط بعد أن خسرنا الإعفاء، وترتبت علينا أقساط استقدام عاملة جديدة للمكتب والراتب الشهري للعاملة الجديدة"، ما تسبب بأعباء مالية كبيرة وخسارتهم 3 آلاف دينار في غضون 90 يوما.


4 آلاف دينار أردني الخسائر التي تكبدتها عائلة أم عدنان خلال ستة أشهر، بحسب حفيد أم عدنان الذي تواصل مع "الغد" بعد هروب العاملة الأوغندية الجديدة بعد شهرين من استقدامها قبيل نشر التحقيق بأيام قليلة.


وكأي مواطن، توجهت أم عدنان إلى مكتب الاستقدام الذي أخبرها بإخلاء مسؤوليته بعد 90 يوما، توجهت حينها إلى المركز الأمني وقدمت بلاغا، وحتى لحظة نشر التحقيق، مضت خمسة أشهر على هروب العاملة الإثيوبية، ولا يوجد أي معلومات عنها.


بسبب أوضاعها الصحية، أجبرت السبعينية زهرة حطاب على استقدام عاملة من بنغلادش من خلال أحد المكاتب في عمان بمبلغ 2000 دينار أردني، إلا أنها هربت بعد مضي ستة أشهر ولم تجدها حتى اليوم. تقول "فرحت لما اجت عندي وكنت بعاملها متل بنتي وبيتي صغير وما عندي شغل، وبقيت عندي 6 أشهر وبعدين هربت.. وأنت يا الكفيل دبر حالك".


"بعد ستة أشهر هربت العاملة من منزلي، استيقظت ولم أجدها"، بحسب حطاب، فقد بقيت في منزلها من 24/2/2024 وحتى 24/8/2024 حين استيقظت تبحث عنها في كل مكان ولم تجدها، حينها أدركت أنها هربت من المنزل.


لجأت حطاب إلى الجيران بعد أن فقدت الأمل من عودة "عاملتها"، ومن خلال كاميرات منزلهم تأكدت من خروج عاملتها من المنزل عند تمام الساعة السادسة والربع، حاملة كيسا أسود فيه بعض أغراضها وهاتفها وأوراق بسيطة.

خسارات مالية.. من يعوض المواطن؟

 


لم يكن أمام حطاب سوى اللجوء إلى مكتب الاستقدام الذي اعتذر منها "لقد انتهت فترة الكفالة"، مكتفيا بإخبارها بالتوجه إلى أقرب مركز أمني للتبليغ عنها، وهناك قال لها ضابط المركز الأمني، إن لديه الكثير من البلاغات على الخادمات الهاربات.


وتستهجن حطاب خروج عاملتها "بعد ستة أشهر تماما"، كأنها مدربة على ذلك، لم يكن في منزلها ضغط عمل، فهي تنام وتستيقظ براحتها، ولم تبد أي اعتراض على أي شيء.


وتتابع "أنا لا أتهم أحدا، ولكن يمكن أن يكون للمكاتب أو أناس آخرون دور في ذلك، ولكنها لم تكن تختلط بأحد وكانت فقط تتواصل مع أهلها، ولم أحرمها من الهاتف".


ما يثير استغراب حطاب عدم وجود أي تصرفات غريبة على عاملتها، فقد كانت طبيعية جدا، ما جعلها تعتقد أن هناك جهة خططت معها مسبقا في بلدها "اشتغلي 6 أشهر لحد ما تتعلمي وبعدين إحنا بناخدك لأي جهة.. الله أعلم".
في حين ألحت عاملة أم عدنان الأوغندية على أخذ راتبها قبل موعده بأسبوع، وفي اليوم نفسه هربت، كانت بانتظارها سيارتان من طراز حديث، بحسب ما وثقته كاميرات المنزل.


تروي حطاب، من خلال تجارب أقاربها أيضا، قيام "سماسرة التهريب" بتشغيل العاملات الهاربات بنظام المياومة، وغالبا لا يحصلن على نصف أجرهن أو حتى 40 % منه. تقول "بتاجروا بعرق العاملات لأنهم بنات صغار كلهم، اللي عندي كان عمرها 20 سنة"، إذ يتم استغلالهن لأنهن بلا خبرة.


"خسارتي تجاوزت الـ3 آلاف دينار أردني، والله أعلم كيف جمعتهم، ولكن يا ريت أنها وقفت على هيك"، تقول حطاب، مضيفة "العاملات أيضا ضحايا للمافيات بالبلد سواء كانوا من أصحاب المكاتب أو أناسا آخرين". وتقول مجبرة "أنا كبيرة وصاحبة مرض وبدي حد يخدمني وما راح أستغني عن وجود وحدة بالبيت".


"الظاهرة غريبة ومنتشرة"، بحسب ما وصفتها حطاب، مستغربة غض الجهات المعنية الطرف عنها، لا سيما أنها تضر المواطن والعاملة والمجتمع الذي تنهار أخلاقه، "ولما يخلصوا منها اللي هربوها بتروح تسلم حالها وبحكيلك المركز الأمني تعال سفرها أنت الكفيل".


Image1_2202517155121431080983.jpg

"عصابات" تستدرج العاملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي

 


كذلك، لم تكن تعلم أم عدنان ما الذي دفع عاملتها للهروب، فلم يكن هناك عمل كثير في المنزل ومعظم الوقت كانتا وحدهما في المنزل، تقول "غلطنا انه كنا معطيينها الصلاحيات كافة".


حفيد أم عدنان عاد بعد هروب العاملة إلى هاتفه للتشييك على برنامج "إيمو"، وهو أحد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي الذي يتيح المكالمات بالصوت والصورة والمحادثات، بحثا عن أي شيء يمكنه من الوصول إلى مكان العاملة.


"لما شيكت على الإيمو لأنه مربوط على رقمي اكتشفت أنها مشتركة بغروبات لإثيوبيين في الأردن وطلعوا شبكة"، كما أكدت حطاب بقاء عاملتها على اتصال دائم بالإنترنت للتواصل مع "أقاربها"، على حد قول العاملة، عبر "فيسبوك"، واشتراكها بمجموعات دردشة مع أبناء وبنات جنسيتها.


قابل قسم التحقيقات طالبا غانيا يعمل سمسارا في تهريب العاملات، أوضح كيفية تواصل السماسرة مع العاملات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يقومون بعملية البحث عن عمال وعاملات من الجنسية الإفريقية للتواصل معهم، مؤكدا "من الممكن أن تبقى العاملة 3 أشهر وهي تبحث عن شخص يهربها".


كما يقوم بعض السماسرة، بحسب الطالب الغاني، بالتعرف على العاملات في الطائرة والحصول على أرقامهن، وفي أغلب الأحيان يكون لدى تلك العاملة أقارب أو معارف في الأردن، وبالتالي يعملون في التهريب من خلال إعطائهن أرقام هواتف المهربين قبل وصولهن إلى الأردن.


وحول طريقة التهريب، يوضح الطالب الغاني وجود مجموعة من الأشخاص من الجنسيات الإفريقية الذين يقومون بتهريب العاملات مقابل مبالغ مالية، ليس بهدف مساعدتهن وإنما للحصول على المال والتلاعب بهن، وتصل المبالغ التي يحصل عليها السمسار إلى 400 دينار، وفي بعض الأحيان 300 أو 350 دينارا أردنيا.


ويقول "يتم إغراء العاملات بمبالغ مالية في حال هروبهن، ليصل راتب الواحدة منهن إلى 350 دينارا، ويتم تحديد ساعات عملهن وإعطاؤهن حريتهن في الإقامة والتنقل".


هذا ما فعلته "رحمة"، وهي إحدى العاملات الهاربات التي التقاها فريق التحقيق؛ حيث تواصل معها سمسار يدعى "سلطان" من الجنسية الإثيوبية عن طريق تطبيق "تيك توك"، عارضا عليها أن يساعدها في الهروب من منزل مخدوميها مقابل مبلغ من المال.


بدأ سلطان باستدراج رحمة بعد أن أوهمها بعمل مريح ومكسب كبير في ساعات قليلة يصل في اليوم إلى 350 دينارا أردنيا، وكانت النتيجة هروبها فجر يوم خميس بعد عملها بشكل قانوني لمدة عام كامل.


شادي عبده نائب القنصل الفخري لدولة إثيوبيا، أكد لـ"الغد" أن قسما من العاملات يهربن من منزل مخدومهن طمعا في الحصول على رواتب أعلى، يتعاملن مع عصابات من خلال حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، يهربونهن ويطعمنهن برواتب أعلى وحياة أفضل، وبمجرد هروبهن تنقطع أخبارهن "ولا نعرف عنهن شيئا وينخرطن في العمل في السوق السوداء".


ويقول عبده "العاملة أيضا يضيع حقها لما تهرب"، وهو ما أكده عمار كوكش صاحب أحد مكاتب استقدام العاملات في عمان.


Image1_2202517155257745437931.jpg

"راتب أكبر".. وهم يوقع العاملات الهاربات في مصيدة السماسرة

 


لم تكن الحياة وردية أمام رحمة والعديد من العاملات الهاربات؛ جوع وتعب وغرف مكتظة بالعاملات الهاربات، تقابلها ساعات عمل طويلة مقابل مبلغ لا يتجاوز 150 دينارا، ناهيك عن حجز جوازات سفرهن والتغرير بهن وإقامة علاقات خارج نطاق الزواج.


وتؤكد رحمة قيام سلطان بتهريب 25 عاملة من جنسيات أخرى خلال فترة تواجدهن في شقة بمخيم الحسين؛ حيث كان يضع كل 6 هاربات في غرفة واحدة ويقوم بتشغيلهن جميعهن واستغلالهن، فضلا عن عدم إعطائهن أجورهن اليومية.


لدى رحمة عشرات الصور التي تجمعها مع الكثير من العاملات الهاربات من بنات جلدتها ومن جنسيات أخرى، يوثقن تفاصيل حياتهن وإقامتهن جميعهن في بيت واحد في مخيم الحسين، والمضحك بتلك الصور فيديو شاركته رحمة مع "الغد" يوثق "حفلة وداع" لإحدى العاملات الهاربات قبل تسليم نفسها بيوم للمركز الأمني لأنها ترغب في العودة إلى بلدها وكأن شيئا لم يكن.


"مريم" عاملة أوغندية التقى بها فريق "الغد" خلال جولة ميدانية في مكان إقامتها في جبل النصر، هربت من منزل مخدوميها منذ أربع سنوات من خلال قريبتها التي هربت من قبل.


تبخرت أحلام مريم بعد أن وصلت إلى مخيم النصر، أجبرت على العمل كل يوم في منزل مختلف مقابل 12 دينارا أردنيا عكس ما أوهمها السمسار الذي وعدها بـ25 دينارا يوميا.


اضطرت مريم إلى البقاء في مخيم النصر تعمل لمدة تتجاوز 8 ساعات يوميا، لتتمكن من إرسال الراتب الشهري لعائلتها وسط ظروف معيشية صعبة وغير آمنة.

هروب بالجملة وأحياء "تنغل" بالعمالة الهاربة

 


يكشف دليل التحقيق أبو محمد (اسم مستعار) لـ"الغد"، وهو سائق تكسي يتعامل مع العاملات الهاربات وله تجارب عديدة معهن ويعلم أماكن تواجدهن بشكل دقيق، استخدام العاملات الهاربات التكاسي كوسيلة للتنقل وتحذير السائقين بالابتعاد عن دوريات الشرطة الميدانية خوفاً من ضبطهن.


الحيلة التي تقوم بها تلك العاملات، والتي أثبتها فريق تحقيق "الغد"، هي استخدام تلك العاملات جواز سفر لعاملة قانونية، إذ يتم توزيع صورة عنه على العاملات الهاربات لإبرازه للسلطات المعنية في حال تم التفتيش عنهن، بحسب دليل التحقيق.

 


Image1_2202517155332272805462.jpg
وكشف أبو محمد، من خلال جولة ميدانية مصورة قام بها فريق التحقيق على مدار 3 أيام، عن أماكن تواجد العاملات الهاربات في شوارع محددة بجبل عمان (حي الفلبينية، شارع المصريين، شارع خرفان) ومخيم جبل النصر ومخيم جبل الحسين، تم من خلالها توثيق أماكن سكن تلك العاملات بأرقام المباني والشقق والتأكد من وجود العشرات من العاملات الهاربات اللواتي يعشن في مجتمع خاص بهن.


ووثقت "الغد"، خلال جولتها، وجود أسواق خاصة بتلك العاملات الهاربات من خضار وفواكه وبيع الألبسة في مخيم جبل النصر، ليوضح أحد تجار المخيم لـ"الغد"، ارتفاع مبيعاتهم بنسبة 20 % نتيجة وجود عدد كبير من العاملات في المخيم.


لا ينتهي الأمر هنا، لتوثق "الغد"، أيضا، وجود عاملات هاربات في بيوت محددة ومستأجرة بأسعار لا تتجاوز الـ150 دينارا للشقة ويتواجد بها أكثر من 5 عاملات هاربات، يقمن بإعداد طعامهن وبيعه للعاملات الهاربات بشكل يومي، كما تم رصد وجود صالونات نسائية لهن في تلك الشقق.


"لهن كامل الحرية في التنقل والعمل والوصول إلى مبتغاهن حتى ولو عليهن تعاميم أمنية"، هذه جملة دليل التحقيق أثناء الجولة، لنثبت وجود شخص يحمل الجنسية الغانية ولديه مركبة تحمل لوحة سياحية يقوم بتشغيل العاملات الهاربات، وهو متزوج من عاملة هاربة تحمل نفس جنسيته في جبل النصر.


تجارب عديدة مر بها أبو محمد خلال عمله، ليروي لـ"الغد" تجربة هروب عاملة قام بتوصيلها بعد هروبها بمعاونة شخص يحمل الجنسية الافريقية، ليأخذ منها مبلغ 400 دينار وهاتفها المحمول، ووعدها بالزواج وتوفير عمل "بربح ممتاز"، إلا أن ذلك لم يحصل بعد حصوله على المال.


وروى تجربة كان شاهدا عليها تمثلت بحصول كفيل على مبلغ 1000 دينار بعد إلقاء القبض على عاملته التي هربت بغية التنازل عنها لكفيل آخر، من خلال سماسرة حينها تواصلوا مع الكفيل الذي استقدمها.


نقيب أصحاب مكاتب الاستقدام الدكتور أحمد الفاعوري، يشير إلى أن مشكلة هروب العاملات تحتاج إلى تكاتف جهود جميع الأطراف، مؤكدا افتقارهم للتشاركية مع وزارة العمل التي لم تحرك ساكنا لدى إبلاغهم بأماكن تواجد العاملات الهاربات وتحديد مواقعهن.


ويقول "نحن لدينا معلومات بأماكن تواجدهن، وللأسف على مرأى من وزارة العمل والأجهزة المختصة"، يتم نقلهن وتشغليهن بباصات نقل جماعي.


فيما رد الناطق الإعلامي بوزارة العمل محمد الزيود، بأنه ليس كل ما يدعيه البعض عن أماكن وجود العاملات "هو لعاملات منازل هاربات"، لافتا إلى أن هناك عاملات مصانع وشركات.


ويؤكد، بدوره، تنسيق وزارة العمل مع أصحاب المكاتب فيما يتعلق بهروب العاملات؛ حيث تعاملت الوزارة مع 1322 عاملة هاربة، وأعادت للمواطنين حقوقهم المالية بموجب القانون لمن هربن قبل مضي 90 يوما.
ويقول "خوف المواطن مبرر، ولا أحد يمكن أن ينكر هروب العاملات، وهذا موجود بكل الأسواق، وهناك من يتجاوز أحكام القانون، ولا بد من محاسبته".

"فري لانس".. مكاتب غير مرخصة تسوق العاملات الهاربات

 


تواصل قسم التحقيقات مع عشرين مكتبا غير مرخصة لتقديم خدمات استقدام العاملات، وثقت من خلال مكالمات هاتفية توظيفها عاملات هاربات وأخريات من دون إقامة مقابل راتب شهري للعاملة وعمولة للمكتب يدفعها المواطن.


تحت رخصة "خدمات عامة" التي لا تشمل استقدام عاملات منازل، يشغل أصحاب مكاتب عاملات هاربات من جنسيات مختلفة بأجر يومي يبلغ 25 دينارا أردنيا أو 350 دينارا أردنيا شهريا يدفعها صاحب الخدمة، فضلا عن عشرين دينارا عمولة للمكتب.


في مكالمة هاتفية موثقة، أكدت صاحبة أحد المكاتب توفر عاملات من جنسيات مختلفة يعملن بنظام يومي، أسبوعي وشهري من دون استقدام منذ أربع سنوات، حسب وصفها "إحنا ما بنشتغل على الاستقدام"، مبينة في تفاصيل عرضها امتلاك بعضهن إقامة سارية المفعول، في حين أن الغالبية العظمى من دون إقامة.


وعند سؤالها عن احتمالية حصول مساءلة قانونية، أجابت بدورها "ما حد بيجي على بيتك ويحكيلك ورجيني إقامة خدامتك"، متابعة "إنت جايبتيها تشتغل بالبيت مش تطلعي فيها برا".


وفي مكالمة أخرى، قدمت إحدى موظفات المكاتب "غير المرخصة" عرضا، مبينة أن أخذ عاملة بشكل شهري أقل تكلفة من أخذها بشكل يومي، وفي الوقت ذاته تبقى بشكل دائم في منزل مستخدميها.


وحول إمكانية هروبهن، أكدت بدورها أن "الفري لانس"؛ أي العاملة التي تعمل من غير استقدام رسمي، لا يمكنها الهروب، في الوقت الذي ترفض فيه العاملة الاستمرار بالعمل ترجع للمكتب ونعطي المستخدم واحدة أخرى.


عمار كوكش صاحب أحد مكاتب استقدام العاملات، يلقي باللوم على المكاتب غير المرخصة التي توظف العمالة الهاربة ولا تقوم بالتبليغ عنهن، لافتا إلى أن القوانين تطبق فقط على المكاتب المرخصة ولا توجد إجراءات بحق المكاتب غير المرخصة.


ويوضح كوكش استغلال المكاتب غير المرخصة للعاملة التي يعتبرها ضحية، يغررون بها وفي النهاية تسلم نفسها لأقرب مركز أمني، الذي بدوره يتواصل مع الكفيل طالبا منه تسفيرها.
ويقول "المشكلة لما تيجي العاملة تسلم حالها ما حد بسألها وين كنتي أو مين هربك بس بحطوا الحق على المكتب اللي استقدمها".


فيما يقدر نقيب أصحاب مكاتب الاستقدام الدكتور أحمد الفاعوري عدد المكاتب غير المرخصة بين 250-300 مكتب، معظمها في عمان، ويلقي بالمسؤولية على هذه المكاتب التي تقوم بتشغيل العاملات وعدم الإبلاغ عنهن.

من المسؤول؟

 


تبدأ المسؤولية، بحسب رئيس الجالية الغانية في الأردن ومفوض السفارة الغانية تاج الدين عثمان من البلد المصدر للعاملات، إلى مكاتب الاستقدام في الأردن التي تتلاعب بهن، حيث يسافرن بعقود عمل في فنادق وشركات ومصانع، وعند وصولهن للأردن يتفاجأن بأنهن عاملات منازل.


ويؤكد أن غالبية العاملات اللواتي يتم استقدامهن لا يعرفن طبيعة العمل ونوعيته، ولا يعرفن شيئا عن قانون العمل الأردني، ما يجعلهن ضحية سهلة بيد سماسرة التهريب، مقدرا عدد العاملات الهاربات من الجنسية الغانية اللواتي تواصلن معه بـ400 عاملة.


بينما تضع زهرة حطاب اللوم على الجهات المسؤولة والمشرع، قائلة "يجب أن تكون التشريعات واضحة وصارمة تحمي المواطن والعاملة والمجتمع". تؤيدها أم عدنان، قائلة "أضع اللوم على وزارة العمل والحكومة، هيهم متجمعين 4 و5 بغرفة وحدة وبشتغلوا بالساعة وبياخدوا على الساعة 5 دنانير". ويتابع حفيدها "الحكومة بتعرف أماكنهم وأوكارهم، تضيف لحملة البسطات حملة ضد العاملات الهاربات".


في حين أن الفاعوري يشدد على ضرورة قيام وزارة العمل والجهات المعنية بدورها لتكفل حق المواطن ومكاتب الاستقدام من خلال تغليظ العقوبات وفرضها على من يقوم بتشغيل عاملات هاربات أو تسكينهن، فضلا عمن يقوم بتسويقهن على مواقع التواصل الاجتماعي.


ناقشت وزارة العمل، بحسب الزيود، قضية هروب العاملات تحديدا، وخرجت بتوصيات عدة، منها التوعية الإعلامية بعدم تشغيل العاملات الهاربات وإيوائهن، وألا يتم التعامل إلا من خلال المكاتب المرخصة قانونيا وتنظيم حملة لضبط الأشخاص غير المرخصين الذين يقومون بتشغيل العاملات بشكل غير قانوني.

"الاتجار بالبشر": مجموعات تمتهن تهريب العاملات بقصد استغلالهن

 


مدير وحدة الاتجار بالبشر الرائد محمد خليفات، أكد لـ"الغد"، من خلال التعامل مع حالات عدة لهروب العاملات، أن أغلب العاملات يقمن بالهروب من منزل صاحب العمل بطوع إرادتهن بسبب الدافع المادي للعمل بنظام المياومة.


وأشارت المعلومات والمعطيات التي تتم متابعتها من قبل الوحدة في ملف العاملات الهاربات إلى وجود أفراد أو مجموعات يمتهنون تهريب العاملات بقصد استغلالهن وإجبارهن على العمل بنظام المياومة من دون دفع الأجور لهن، عدا عن استغلالهن جنسيا.


وتعاملت الوحدة مع قضايا عمل جبري/عمالة منزلية، إذ تم استغلال الضحايا من قبل مجموعة من الأشخاص بعد أن قاموا بتهريبهن، كما تعاملت مع 11 حالة اتجار بالبشر تخص عاملات المنازل.


تتعامل الوحدة، بحسب خليفات، مع ملف العاملات الهاربات من المنازل بناء على معلومات أو معطيات تتم متابعتها من شأنها أن تشير إلى وجود أفراد أو مجموعات يمتهنون تهريب العاملات بقصد استغلالهن وإجبارهن على العمل بنظام المياومة من دون دفع الأجور لهن أو استغلالهن جنسياً.


وتقوم الوحدة بالتسلسل باتخاذ إجراءات حماية الضحايا كافة بدءاً من تلقي الأخبار والمعلومات والتثبت من الواقعة، مروراً بإنقاذ الضحايا وتقديم كافة سبل الرعاية والإيواء اللازمة وضبط الأقوال، ومن ثم ملاحقة الجناة والتحقيق معهم وتوديعهم القضاء.


وتتبع وحدة الاتجار بالبشر، بحسب خليفات، مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم عمل دوريات إلكترونية مختصة من قبل وحدة الجرائم الإلكترونية وبالتنسيق مع وحدة مكافحة الاتجار بالبشر؛ حيث تتم مراقبة الصفحات الإلكترونية التي قد تتضمن إعلانات توظيف أو تقديم خدمات بنظام الساعة أو المياومة.


ويتابع خليفات، أنه وفي حال وجود أي شبهات اتجار بالبشر على عاملات المنازل منظورة أمام وزارة العمل، يتم تحويلها إلى الوحدة، ليتم مباشرة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة كافة، حيث قامت وزارة العمل بإحالة 8 قضايا تتعلق باستغلال عاملات منازل للوحدة خلال العام 2024.


كما اطلعت "الغد" على خمسة عشر قرارا من محاكم أردنية لقضايا هروب عاملات واتجار بالبشر وهروب مقرون بالسرقة.

تفعيل "تأمين" العاملة ينصف المواطن

 


متضررون وعاملون في القطاع، أكدوا، بدورهم، أن تفعيل نظام التأمين على العاملة من خلال تقديم تعويض مالي للكفيل عند هروب العاملة بعد كفالة 90 يوما من شأنه أن ينصف المواطن ويقلل أيضا من ظاهرة الهروب.


الزيود، من جهته، يؤكد أن تفعيل التأمين على العاملات هو الحل الأمثل لضمان حق المواطن وحمايته من الخسارات التي يتعرض لها نتيجة الهروب، ولكن الموضوع قيد الدراسة.


ويؤكد أن إقرار نظام التأمين يحتاج إلى دراسة لأنها تحتاج إلى شركات تأمين تقبل بالتأمين على القطاع، وكانت هناك محاولات، ولكن لم تصل وزارة العمل لصيغة كاملة حتى تكون الإجراءات كاملة ترضي أصحاب المنازل وأصحاب القطاع وتحدث توازنا.


إلى حين إقرار نظام يضبط بوصلة عمالة المنازل.. هل يبقى المواطن الأردني قلقا من لحظة الصفر التي تهرب بها عاملة منزله متكبدا خسائر مادية ومعنوية، في الوقت الذي يتحكم سماسرة ومهربون بمصائر العاملات وكفلائهن؟!.

" width="400" height="300" frameborder="0" allowfullscreen="">

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق