ماء النافورة!

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تمر الأيام على الإنسان وهو في مشاغله، منهمكا في عمله، معطيا عمله كل جهده، مركزا عليه، منغمسا فيه، لا هم له إلا عمله، وما إن يبدأ يومه حتى ينتظر نهايته، فإذا فرغ من عمله رجع إلى بيته، متعبا أرهقه العمل، منهكا أجهده الكدح في عمله، وأضناه التفكير فيما مر عليه فيه، وما سيمر عليه غدا، وينتظر آخر الشهر من بدايته، حتى يستلم راتبه، وإن كان صاحب تجارة فما إن يستلم ربحها، حتى ينتظر وقت توزيع الأرباح القادم.

ما يعيشه اليوم هو ما عاشه بالأمس، وهو ما سيعيشه غدا، باختلاف يسير في بعض التفاصيل، يعيش كالذي يدور في الساقية، يرجع للنقطة التي بدأ منها مرة بعد مرة، ويلفّ حول محوره عشرات المرات يوميا، يسير في حلقة مفرغة، بادئا مما انتهى منه، منتهيا بما بدأ به، لا ينتهي مشواره، ولا يُكتفى من عمله.
ولا ضرر في ذلك، إن كان يحقق منجزات في عمله، ويرتقي فيه من مستوى إلى أرفع منه، وإذا كان من فوائد يجنيها باستمرار، ومكتسبات تعود عليه وعلى أهل بيته بالنفع والفائدة.

لكن مهلا: ماذا قدمت لنفسك؟
فينبغي ألا يكون يومك مثل أمسك، وألا تتشابه العام الحالي مع نفسك العام الماضي، ففي مجال العمل الذي نحن بصدده، فالمفترض أنك ازددت خبرة، وتعمقت تمرسا، وتقدمت مهارة فيه، وتطورت لديك فنون تقديمه.

وعليك أن تسأل نفسك دائما: ماذا أضفت لنفسك هذا العام من خبرات ومعارف في عملك؟ وماذا أضفت لعملك؟ وإجابة هذا السؤال من أهم أدوات التقويم الحديثة التي يتم من خلالها تقويم الموظف.

ولو التزمنا كل مدة معينة بقراءة كتاب، والاطلاع على جديد العلم، وما يطرأ من الثقافة، لازدادت معارفنا، فالعلم معرفة تراكمية، يسير في خط متواصل، إضافة لما سبق، تتلوها إضافة، يتطور يوما بعد يوم.

ومن المهم أن نولي الجانب المهاري حقه من الازدهار والتطور، فتعلم مهارة، أو التقدم في مهارة لدينا نجيدها، ونهتم بها، يزيد في إتقانها، ويطور إمكاناتنا فيها، مما يجعلنا أكثر تمكنا في العمل، وأمهر قدرة في مجالنا.

وأولى المعارف والمهارات بالتطوير المجال الذي نعمل فيه، حتى نرتقي فيه، ونعلو شأنا، وتنمو خبراتنا وقدراتنا.

يروى عن أحد مديري الموارد البشرية، أنه أوصى بترقية أحد الموظفين لا تتجاوز خبرته خمسة أعوام، على حساب زميله ذي الخبرة في القسم، فلامَ هذا الخبير مديره على ذلك، متسائلا: كيف ترقي موظفا ناشئا على حسابي، وأنا لي خبرة عشرين سنة في العمل؟ فرد عليه: الحقيقة أن لك خبرة سنة واحدة كررتها عشرين سنة!

ربما كان في رد المدير بعض المبالغة، لكن من المشاهد في أحوال الموظفين والموارد البشرية، أن بعض الناس يمر عليه يومه وهو لم يتغير عن أمسه، بل عما كان قبل العام، وربما عما كان قبل سنين، لم يتطور، ولم يتقدم، التجربة نفسها يقدمها كل يوم، يكررها سنين عديدة، فلم يزدد علما ولا مهارة، ولم يكتسب خبرة جديدة تذكر.

فهو كماء النافورة تراه من الخارج فتستمتع به عينك، ولكنك إذا تعمقت فيه، وسبرت حقيقته، وجدته الماء نفسه يرتفع في الأعلى ثم ينزل ويعود ويرتفع تارة أخرى، أسن من بقائه في حوضه، وتكراره لدوره، لا يروي عطشا، ولا يسقي حرثا.

قبل النقطة: من لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتطور يتدهور.

Mabosaad@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق