الغباء موهبة!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مما أتذكره من إعلانات التلفزيون في فترة التسعينات، إعلان عن مسرحية كان عبارة عن مقاطع قصيرة منها، يظهر فيها أحد الممثلين في مشاهد مختلفة، الرابط بينها أن المشهد ينتهي بقول الممثل لزميله: «الغباء موهبة» وذلك بعد سماع تعليق أو رأي يبيّن طريقة تفكير المقابل وعلاجه للأمور، وهي عبارة لم تأتِ من فراغ، فيبدو أن الغباء والتغابي مفاتح لكثير من الأبواب.يخطئ من يظن أن حدة ذكاء الإنسان ورجاحة عقله، ترفع من مقامه وتيسر حياته على الدوام بين عامة الناس، لأنها في واقع الأمر وفي كثير من الأحيان تصبح عبئاً ثقيلاً على صاحبها، فالذكي يرهق نفسه بالتفكير المستمر الذي يقوده إلى تساؤلات لا يريد كثير من الناس تلقيها، بل إن الذكاء ورجاحة العقل تدفع صاحبها إلى محاولة تعديل المعوج وإصلاح الأمور، فالذكي طالما يكشف المستور ويُظهر العيوب، ويشكك في القرارات، ويحلّل الأخبار قبل تصديقها، وهي أمور تتسبّب في إغلاق الأبواب في وجهه، فقليل من الناس يريدون سماع من يخالفهم الرأي، وينتقدهم ويضع يده على نقاط ضعفهم، ويحرجهم في سماع أسئلة لا يريدون الإجابة عنها، ويقدّم لهم تحليلاً دقيقاً لأوضاعهم، أو يغيّر اتجاههم حتى لو كان نحو الأحسن، بينما كثير من الناس يفضلون من يصدّق كل ما يقولون، ويؤيده ويردد الشائعات والأخبار المغلوطة التي فيها تفاؤل ووعود بأيام أحلى قادمة، فهؤلاء محبوبون، عادة ما تُفسح لهم المجالس ويكونون نجومها، يُقدّمون على غيرهم في الحديث، ويُنتظر سماع رأيهم، يعتبرهم الجميع خفيفي ظل، وخذ على ذلك أمثلة كثيرة أهمها نجوم التواصل الاجتماعي اليوم، هل فيهم من عالم في اختصاص معيّن؟ هل فيهم أدباء لهم وزنهم؟ الواقع أن أغلب نجوم التواصل الاجتماعي اليوم هم أشخاص لديهم موهبة وبراعة في ترويج ونشر التفاهة، بواسطة محتوى بسيط جداً خالٍ من الجوانب التقنية العالية لأي منتج مرئي، مع كثير من الحركات العشوائية، لا يصدعون رؤوسهم في التفكير، ولا يطرحون أسئلة عميقة، سياسة عملهم بسيطة جداً وقائمة على إحداث ضجة للحصول على جمهور واسع، وليت الأمر اقتصر على التواصل الاجتماعي، لأنه انتقل إلى عالم السياسة، بعد أن أدرك السياسيون أن الناخب لا يريد من يواجهه بالحقيقة ويكشف له الأرقام والخطط المستقبلية، إنما يريد من يعده بمستقبل قريب مشرق، ويمدّه بشعارات لا تتحقّق، ويبتسم في وجوههم.الغباء أو ربما التغابي ليس موهبة فقط، إنما هو ميزة اجتماعية، فمن لم يملك هذه الموهبة وكان ذكياً، عليه تعلّمها وتحديداً تعلّم الغباء الاجتماعي وهو ما يطلق على جزء كبير منه اليوم «الذكاء الاجتماعي» لتُفتح له الأبواب المغلقة، وليتجنب العزلة الاجتماعية، وليعش في راحة بدلاً من التفكير والإصابة بالإحباط.* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق