الأمن السيبراني والتهديدات الجيوسياسية يتصدران المخاطر المصرفية العالمية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- تواجه البنوك العالمية بيئة مخاطر متزايدة التعقيد والتقلب، حيث برزت تهديدات الأمن السيبراني وعدم الاستقرار الجيوسياسي والضغوط التنظيمية باعتبارها المخاوف الرئيسية، وفقا لأحدث استطلاع لإدارة المخاطر المصرفية العالمية الذي أجرته مؤسسة ايرنست آند يونغ ومعهد التمويل الدولي. (IIF) ويسلط التقرير الضوء على تحول جذري في كيفية تعامل كبار مسؤولي المخاطر (CROs) مع التهديدات الماثلة للتخفيف من المخاطر، مع التركيز على الرشاقة والإدارة الاستباقية للمخاطر في ظل تطورات تهدد استقرار المؤسسات المالية.اضافة اعلان
وخلال الأسبوع الماضي، عقد فريق الاستجابة للحوادث السيبرانية للقطاع المالي والمصرفي التابع للبنك المركزي الأردني (Jo-FinCERT)، بالتعاون مع شركة "Immersive Labs" العالمية، تمرينا عمليا تفاعليا لمحاكاة الهجمات السيبرانية على المؤسسات المالية في المملكة.
وأكد نائب المحافظ د. خلدون الوشاح على أن هذا التمرين يأتي ضمن سلسلة تمارين يعتزم البنك المركزي تنفيذها خلال هذا العام، كجزء من جهوده في تعزيز مرونة القطاع المصرفي واختبار قدرته على مواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة.
وأوضح وشاح، أن هذه الخطوات تمثل ركيزة لضمان استقرار الاقتصاد الوطني، حيث تُساهم حماية البنية التحتية المالية من الهجمات السيبرانية في تعزيز ثقة المستثمرين والمحافظة على بيئة آمنة تدعم النمو الاقتصادي، لا سيما في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده القطاع. كما كشف الوشاح عن خطة البنك لتكثيف التمارين الدورية وإدراج تقييمات مخصصة لمؤسسات القطاع، لتحقيق التكامل بين التشريعات السيبرانية والإجراءات العملية.
وبالعودة الى استطلاع إدارة المخاطر المصرفية العالمية، "إن تزايد التهديدات السيبرانية وحالة عدم اليقين الجيوسياسي والتدقيق التنظيمي، تشكل ملامح مشهد المخاطر اليوم"، حسبما ورد في التقرير. وذكر التقرير "يجب على مسؤولي المخاطر تحقيق توازن بين جهود التحول وتعزيز القدرة التشغيلية على الصمود والامتثال في بيئة تتسم بتزايد المخاطر الخارجية غير المتوقعة".
الأمن السيبراني: الخطر
 الأول بلا منازع
للسنة الثانية على التوالي، تظل التهديدات السيبرانية هي الأولوية الأولى لمسؤولي المخاطر. ومع استمرار البنوك في مسيرتها نحو التحول الرقمي، أصبحت الهجمات السيبرانية أكثر تكرارا وتعقيدا وأعلى تكلفة ماليا.
وذكر التقرير "إن توسع أسطح الهجوم وتعقيد التهديدات السيبرانية يزيد من قلق مديري المخاطر"، وفقًا للتقرير. "يجب على البنوك تعزيز استراتيجياتها للأمن السيبراني لمواجهة التهديدات المتزايدة من مجرمي الإنترنت".
ووفقًا للاستطلاع، صنَّف 73 % من مسؤولي المخاطر الأمن السيبراني كأعلى أولوية، مع مخاوف بشأن أمن البيانات وهجمات للمطالبة بفدية والتكاليف المتزايدة لتدابير الدفاع السيبراني. وأصبح تعزيز أطر حوكمة المخاطر والاستثمار في أنظمة الكشف عن التهديدات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أكثر أهمية من أي وقت مضى.
"يتوقع مسؤولو المخاطر أن يستمر التركيز على الأمن السيبراني خلال السنوات الثلاث المقبلة"، حسبما أورد التقرير، مضيفا: "ترتبط المخاطر التكنولوجية—مثل سلامة البيانات وعيوب الذكاء الاصطناعي—بشكل وثيق بمخاوف الأمن السيبراني".
كما كشف الاستطلاع عن تباين متزايد بين البنوك الكبيرة، التي تتمتع بقدرات متقدمة على الأمن السيبراني مدعومة بالذكاء الاصطناعي، والبنوك الأصغر التي تواجه صعوبات في تحمل الأعباء المالية للاستثمار في الأمن السيبراني.

 المخاطر الجيوسياسية: تهديد متزايد للاستقرار
إحدى أكثر النتائج اللافتة في التقرير هي الصعود الحاد لمخاطر الجغرافيا السياسية كأحد أكبر المخاطر، حيث ارتفعت من المركز الثاني عشر العام الماضي إلى المركز الثالث في عام 2024. ويعكس هذا التحول حالة عدم الاستقرار الناجمة عن النزاعات العالمية والتوترات التجارية وعدم اليقين السياسي.
"قفزت المخاطر الجيوسياسية إلى صدارة جدول الأعمال هذا العام، حيث احتلت المركز الثالث بالنسبة لمسؤولي المخاطر والمركز الثاني لمجالس الإدارة"، وفقا للتقرير. "إن النزاعات المسلحة في أوروبا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى التوترات التجارية العالمية، لها تأثيرات كبيرة على البنوك".
وكشف الاستطلاع أن 38 % من المشاركين صنّفوا المخاطر الجيوسياسية كأولوية ضمن الخمسة الأوائل، مقارنة بـ 16 % فقط العام الماضي. ويُعزى هذا الارتفاع الكبير إلى المخاوف من اضطرابات سلاسل التوريد، وتقلب أسعار الطاقة، ومخاطر الامتثال للعقوبات.
"يجب على البنوك العاملة في عدة ولايات قضائية أن تتكيف مع بيئة تنظيمية مجزأة بشكل متزايد"، كما يشير التقرير. "تضيف حالة عدم اليقين السياسي وتحولات السياسات الحكومية—خصوصًا بعد الانتخابات الأخيرة (في الولايات المتحدة) —طبقة إضافية من التعقيد في إدارة المخاطر".
تستجيب المؤسسات المالية لهذه المخاطر من خلال تعزيز تقييماتها للمخاطر السياسية وجهود التخطيط للسيناريوهات. صرّح أكثر من 56 % من مسؤولي المخاطر بأنهم يعطون الأولوية لتقييم المخاطر الجيوسياسية كجزء من استراتيجيتهم العامة لإدارة المخاطر، بينما يقوم 57 % بتعزيز إجراءات الأمن السيبراني استجابة للتهديدات السيبرانية المدعومة من الدول.
ويحذر التقرير من أن مسؤولي المخاطر "لا يتوقعون عودة قريبة إلى الاستقرار الدولي والتكامل الاقتصادي الذي كان سائدا منذ التسعينيات".
الضغوط التنظيمية ومتطلبات الامتثال المتزايدة
ويتمثل الاستنتاج الرئيسي الثالث في التقرير في تزايد الضغوط التنظيمية ومتطلبات الامتثال، حيث تصاعدت القوانين الجديدة ومتطلبات الرقابة إلى قمة المخاوف المصرفية.
"تزايد المتطلبات التنظيمية وتوقعات الجهات الرقابية—لا سيما فيما يتعلق بالإفصاحات عن الاستدامة—يؤرق مسؤولي المخاطر"، كما يؤكد التقرير، مضيفا: "التحدي الذي يواجه البنوك ليس فقط الامتثال، بل أيضًا الحفاظ على القدرة التنافسية".
يشكّل تنفيذ متطلبات رأس المال وفقًا لاتفاقية بازل الثالثة مصدر قلق خاص، حيث وجد الاستطلاع أن أقل من 40 % فقط من البنوك مستعدة بالكامل أو قريبة من إتمام الامتثال للاتفاقية. وتؤدي الفروقات في التطبيق بين المناطق إلى مخاوف بشأن التنافسية وتوزيع رأس المال.
"يعد التفاوت في المتطلبات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطورًا يجب مراقبته عن كثب"، حسبما جاء في التقرير. "تركز البنوك الكبرى بشكل خاص على التأثيرات التنافسية لمتطلبات رأس المال المرتفعة وتكاليف الامتثال".
علاوة على ذلك، أصبحت المخاطر التنظيمية المتعلقة بالبيئة والحوكمة والمجتمع (ESG) ذات أهمية متزايدة. وقد وجد الاستطلاع أن %53 من مسؤولي المخاطر يرون أن الإفصاحات الإلزامية عن الاستدامة تشكل خطرا كبيرا، بينما يتوقع 63 % أن يكون للمخاطر المناخية – أي تأثيرات تغير المناخ والسياسات البيئية على الاستقرار المالي، مثل الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وتغيرات اللوائح التنظيمية، والمخاطر المرتبطة بسمعة المؤسسات المالية التي لا تعتمد سياسات ممتثلة بيئيا- تأثيرات كبيرة على المخاطر الائتمانية وسمعة البنوك خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويحث التقرير البنوك على "دمج المخاطر المناخية في أطرها الإدارية لضمان التوافق مع التوقعات التنظيمية الناشئة". "وبالنسبة للمؤسسات العالمية، يكمن التحدي في تلبية متطلبات الإفصاح المتنوعة عبر الولايات القضائية المختلفة".
مستقبل إدارة المخاطر: استباقي، مرن، وقائم على البيانات
يؤكد التقرير على الحاجة الملحة لاعتماد نهج استباقي ومرن في إدارة المخاطر، بحيث تعتمد البنوك بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأتمتة لتعزيز مراقبة المخاطر واتخاذ القرارات.
وحسب التقرير، "يتطور مشهد المخاطر بسرعة، ويجب على مسؤولي المخاطر تبني عقلية التعلم المستمر". "من خلال الاستفادة من التحليلات المتقدمة ونماذج السيناريوهات، يمكن للبنوك تعزيز قدرتها على التنبؤ بالمخاطر الناشئة والاستجابة لها بفعالية".
توضح نتائج التقرير بجلاء: المؤسسات التي ستنجح في التكيف مع بيئة المخاطر المتغيرة ستكون الأفضل تموضعا للاستقرار والنمو على المدى الطويل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق