انقضى الشهر الأول من ولاية ترامب الثانية ويا له من شهر مثير..! شهدنا خلال هذا الشهر عشرات الأوامر التنفيذية التي تلغي سياسات سلفه بايدن وعشرات أخرى جاءت تحقيقاً لوعود قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية.
كما هدد في أربعة أسابيع أغلب حلفائه وتوعدهم بعقوبات جمركية أو وقف المساعدات المالية في حال لم يرضخوا لطلباته.
كندا والمكسيك والدنمارك ومصر والأردن تعرضوا لنيران صديقة من ترامب بعضها مازال مستمراً.
لكن ما يهمنا هو أن أبرز نيران ترامب التي أشعلها في الشهر الأول من ولايته في طريقها إلى الانطفاء وهي خطة تهجير الفلسطينيين من غزة والتي لم تعد فرضاً كما بدأت بل أصبحت مقترحاً غير إلزامي.
وقد تنفست المنطقة بأكملها الصعداء عندما خرج ترامب للإعلام ليتراجع عن إصراره توفير مناطق للفلسطينيين في مصر والأردن - وحتى دول الخليج حسب الكثير من التحليلات - للعيش فيها بدلاً من أرض غزة.
ويبدو أن دبلوماسية الأبواب المغلقة التي مارسها العرب وشملت وعوداً باستثمارات خليجية كبيرة في أمريكا نجحت في ثني ترامب عن موقفه تجاه الفلسطينيين في غزة.
على صعيد آخر، تحرك ترامب سريعاً للتقارب مع بوتين لوقف حرب أوكرانيا ولإخراج روسيا من العزلة التي وضعتها فيها واشنطن في زمن بايدن لمدة تقارب الثلاث سنوات وهو أمر تحدث عنه مراراً في حملته الانتخابية.
وهذه الخطوة إن أثمرت عن وقف الحرب فعلاً وأعادت روسيا إلى وضعها الطبيعي بدون عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية قاسية فإن ذلك سيكون بمثابة خدمة عظيمة لبوتين الذي يعاني جيشه من مقاومة أوكرانية شرسة جاءت بأسلحة أوروبية وأمريكية.
ولا يهدف التقارب بين ترامب وبوتين إلى وقف الحرب فقط وهو الأمر المعلن، بل وراء هذا التقارب تكمن رغبة ترامب في السيطرة على أسعار النفط ووضع حد لارتفاعها في المستقبل بحيث يتمكن من تحقيق النمو الاقتصادي المرجو لبلاده.
وكإشارة واضحة لهذا التوجه جاء اختيار الرياض مقراً لعقد الاجتماع الأول بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، فالسعودية وروسيا وبصفتهما أكبر الدول المصدرة للنفط تتحكمان في سعر البرميل الذي يهدف ترامب لجعله في حدود لا تتجاوز الستين دولاراً.
لذلك و من خلال تحسين علاقاته مع روسيا والسعودية يضمن ترامب سعراً مثالياً للنفط يساعده على تنفيذ وعوده الاقتصادية.
داخلياً، ينفذ ترامب حالياً أكبر خطة لتقليص حجم ونفقات الحكومة الفيدرالية وهو هدف طالما حرص على القيام به الرؤساء الجمهوريين الذين يؤمنون بالحكومة الصغيرة الرشيقة والفعالة عكس الديموقراطيين الذين يفضلون العمل من خلال جهاز تنفيذي ضخم.
وحتى الآن استغنى ترامب عن 75 ألف موظف بمساعدة مستشاره الملياردير إيلون ماسك الذي كلفه بمهمة التقليص في الجهاز الحكومي. و لم يجرؤ رئيس أمريكي سابق على الاستغناء عن هذا العدد المهول من الموظفين في بداية ولايته مما يجعل الأمر مفاجئاً للغاية.
كما يتجه ترامب بثبات نحو خفض تسلسل المهاجرين غير الشرعيين من حدود بلاده الجنوبية وأيضاً إلغاء جميع الإجراءات التي سمحت بتواجد المثليين في الحكومة والجيش والألعاب الرياضية غير مبالٍ بكل ما كان يروج له سابقاً حول حقوق الإنسان والحريات.
وهذا توجه مناسب لأغلب دول العالم العربي والإسلامي التي اضطرت في السنوات الأربع الأخيرة وقبل عودة ترامب لمواجهة تدفق غير مسبوق لسياسات تتعارض مع دينها وقيمها. ترامب، شخصية أكبر من الحزب الجمهوري نفسه، وهو رمز لتحدي التقاليد السياسية والتمرد عليها.
وقد نختلف مع بعض سياساته لكن لا يمكننا سوى أن نرفع له القبعة تقديراً لنجاحاته المتعددة سواء سياسية كانت أو اقتصادية وإصراره على فرض أجندته والتغلب على خصومه وهزيمتهم.
0 تعليق