عمان - وفقاً لاستبيان أجراه معهد مؤسسة التمويل الدولي (IIF) بالتعاون مع شركة EY، احتلت إدارة مخاطر الأمن السيبراني المرتبة الأولى بين أولويات رؤساء إدارات المخاطر وأعضاء مجالس الإدارة في البنوك للعام المقبل، تليها المخاطر الجيوسياسية والمرونة، وكذلك مخاطر عدم التواؤم مع المتطلبات الرقابية، التي أصبحت محط اهتمام كبيرا نظراً لأهميتها في إدارة المخاطر التنظيمية. وقد تم مؤخراً مناقشة هذه الأولويات خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ حيث تم تأكيد أهمية التعاون الدولي لتنسيق الجهود الرقابية ومعالجة التعقيدات التنظيمية، وتالياً أهم التطورات الرقابية المتوقعة وتأثيرها على البنوك:اضافة اعلان
النسب الرقابية لكفاية رأس المال والسيولة
يتوقع تطبيق تعديلات مقررات بازل 3 ضمن أطر زمنية محددة لتحقيق التناسق الرقابي بين الدول وتحسين المقارنات بين الأنظمة المختلفة. من المتوقع أن تبدأ الولايات المتحدة تطبيق هذه المقررات على البنوك ذات الأصول التي تتجاوز 100 مليار دولار بدءاً من تموز (يوليو) 2025 على مدى ثلاث سنوات. على الجانب الآخر، دول مثل سويسرا، سنغافورة، قطر والسعودية بدأت تطبيق هذه المقررات في وقت سابق. وأجلت بريطانيا التنفيذ حتى 2026.
أظهرت الأزمات المصرفية في آذار (مارس) 2023 الحاجة إلى متطلبات إضافية تشمل تعزيز خطط التعافي واستمرارية العمليات، مع التركيز على أدوات مثل "دليل الاستجابة Resolution playbook" للتعامل مع الأزمات المالية. من المتوقع أن تركز لجنة بازل ومجلس الاستقرار المالي (FSB) على تطوير تعليمات جديدة تتعلق بتقييم مخاطر أسعار الفائدة، الأرباح غير المحققة، ومتطلبات السيولة مثل نسبة تغطية السيولة (LCR) وصافي التمويل المستقر (NSFR)، كما يتم العمل على تحديث الاختبارات الضاغطة لتشمل سيناريوهات تتعلق بسحب الودائع بسرعة باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل Online Banking، مع الأخذ بعين الاعتبار أثر وسائل التواصل الاجتماعي، أيضاً التعامل مع سندات الشريحة الأولى، خاصة بعد ما حدث مع بنك كريديت سويس، وقد قامت لجنة بازل مؤخراً بإصدار ورقة استشارية حول مخاطر الائتمان.
المخاطر الجيوسياسية
يعيش العالم حاليًا في حالة من عدم اليقين السياسي الناتج عن النزاعات في روسيا وأوكرانيا، والشرق الأوسط، إضافة إلى تأثير الانتخابات والتغيرات السياسية على التجارة الدولية والتشريعات. هذه المخاطر قد تختبر مدى المرونة في عمليات البنوك، خاصة إذا أجبرت على الخروج، مثلا، من بعض المناطق. كل هذا أدى الى أن يصبح رؤساء المخاطر خبراء في العلاقات الدولية، وبحيث لا بد أن يبقوا متابعين بشكل حثيث للشؤون الدولية بسبب حجم المخرجات والتأثيرات السلبية الناتجة عن الصراعات والاختلافات الحالية وتلك المتوقعة. وبالتالي، أصبح من الضروري أن يتم اتباع استراتيجيات محددة بهذا الخصوص، مثل تحديد مالك للتعامل مع المخاطر الجيوسياسية من حيث متابعتها، التعرف عليها، ووضع سيناريوهات وربطها مع الأحداث الجيوسياسية المتوقعة وما يسمى بمؤشرات الإنذار المبكر وحجم تأثيرها، وإيجاد سياسات وإجراءات واضحة للسيناريوهات المتوقعة ودرجة حصولها وأولوياتها، وبالتالي عمل الاختبارات الضاغطة ووضع الخطط الملائمة للتعامل معها، وما يتطلب ذلك من موارد بشرية خبيرة في هذه الأمور.
تشظي وتباين المعايير التنظيمية Fragmentation
أدى تطبيق معايير مختلفة من دولة لأخرى الى أن تتأثر عناصر رأس المال، السيولة والمخاطر في الأسواق المختلفة، وتقلل حجم الكفاءة التشغيلية والمالية لدى البنوك وزيادة التكاليف التشغيلية لديها، وبالتالي زيادة الكلفة على المتلقي النهائي للخدمة، وبالمحصلة تؤثر على قدرة البنوك على خدمة العملاء المحليين والدوليين، وضعف المرونة في النظام المالي العالمي، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على تقديم خدمات فعالة للعملاء محليًا ودوليًا، ومن المتوقع حصول مزيد من التنسيق دولياً بهذا الخصوص.
المؤسسات المالية غير البنكية
شهد العقد الماضي نموًا كبيرًا في التمويل الخاص والمؤسسات المالية غير المصرفية وغير المنظمة من غير البنوك وشركات التأمين ومديري الأصول، خاصة أنها تقدم تمويلاً للشركات ذات الرفع المالي المرتفع. يتطلب هذا تعزيز الرقابة عليها لضمان استقرار النظام المالي ككل، مع التركيز على ضمان عدم انتقال المخاطر إلى النظام المصرفي المنظم. علماً أن هناك جدلا حول دور البنوك المركزية في دعم هذه المؤسسات بالسيولة ومدى تكاملها مع النظام المصرفي التقليدي، ومن المهم هنا أنه في أي تغيرات رقابية أو تشريعات جديدة لتحسين الرقابة على هذه المؤسسات ألا ينتج عنها متطلبات رقابية إضافية على القطاعات المنظمة أصلا، مثل البنوك وشركات التأمين. وقد أصدر مجلس الاستقرار المالي في كانون الأول (ديسمبر) 2024 ورقة استشارية حول الرفع المالي في هذا النوع من المؤسسات.
الأمن السيبراني ومخاطر التكنولوجيا
ما تزال المخاطر السيبرانية تحتل الأولوية الأولى لدى رؤساء المخاطر ومجالس الإدارات بين التحديات التي تواجه البنوك، خاصة مع ارتباطها المتزايد بالمخاطر الجيوسياسية. تدعو الجهات الرقابية إلى تحسين الدفاعات السيبرانية وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات، وتشمل أيضاً المخاطر الناشئة لدى استخدام الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وكذلك التعاقدات مع الـThird party، ما يستدعي وضع لوائح لتنظيمها وحماية البيانات وخصوصيتها من الاختراقات. إضافة إلى سن تعليمات جديدة للإبلاغ عن الهجمات الإلكترونية وتحسين أنظمة الحماية السيبرانية ضد تهديدات الفدية والتجسس الإلكتروني. وقد أصدر مجلس الاستقرار المالي مسودة تعليمات حول الإبلاغ عن الأحداث السيبرانية، كما أصدر UK Home office مسودة للتعليمات الخاصة بتهديدات الفدية. إضافة الى قيام UK Prudential Regulatory Authority بإصدار مقترحات لوضع قواعد للإبلاغ عن الأحداث التشغيلية والعلاقات مع الـThird Party. كما أصدرت لجنة بازل في 1/2025 ورقة استشارية حول حوكمة التعامل مع الذكاء الاصطناعي لدى البنوك المركزية.
مكافحة الجرائم المالية والاحتيال
تستثمر البنوك عالميًا حوالي 60 مليار دولار لمكافحة الجرائم المالية، مثل غسيل الأموال والاحتيال. تعتمد استراتيجيات المكافحة على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والتنبؤ بالأنشطة المشتبه بها. يتطلب ذلك تعاوناً بين القطاعين العام والخاص وتحسين جودة البيانات لتحديد الأنشطة الاحتيالية ومنعها.
مخاطر المناخ والتمويل المستدام
يتوقع العمل على تشجيع البنوك على إدارة مخاطر المناخ لديها من خلال دمجها في استراتيجيات وسياسات وإجراءات إدارة المخاطر لديها، ويتركز الاهتمام على تمويل الانتقال سواء داخليا لدى البنوك أو لدى عملائها، وكذلك أن يتم العمل على المخاطر على مستوى النظام كاملا وتوفير خطط الانتقالTransition planning نحو اقتصاد مستدام وتحليل السيناريوهات المناخية، وتعد أدوات مثل تحليل سيناريوهات المناخ، الاختبارات الضاغطة الخاصة بالمناخ، من الأدوات الرئيسية لتوقع المخاطر المستقبلية forward looking risk assessment، ومن المتوقع العمل على وضع أطر لتمويل وتسهيل خطط انتقال الطاقة، وأن تكون هناك أساليب متوازنة، بحيث لا تكون ضعيفة وغير كافية، فلا تتحقق الأهداف المأمولة بالانتقال، وليست متشددة تثبط استثمارات الانتقال الضرورية، ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي مزيدا من الاستشارات لمزيد من التفاصيل والرغبة بالتبسيط.
من المتوقع أن تتم مراقبة التواؤم مع توصيات بازل حول المناخ التي صدرت في حزيران (يونيو) 2022، كما قامت العديد من المؤسسات والدول في إصدار تعليمات أو مسودات للتعامل مع مخاطر التغير المناخي والاستدامة، ومنها المفوضية الأوروبية، وكذلك أصدرت European Banking Authority(EBA) تعليمات حول المخاطر المتعلقة بالاستدامة تطبق اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2026، ومن ضمنها تم إدراج أهمية احتساب رأس المال اللازم لتغطية مخاطر الاستدامة، وكذلك أثرها ضمن التقييم الداخلي للسيولة ILAAP. وأصدر مجلس الاستقرار المالي FSB خلال شهر كانون الثاني (يناير) أوراقا حول خطط الانتقال والتغير المناخي، كما تم البدء بالالتزام بتطبيق معايير IFRSS1,2 وكذلك مراقبة إفصاحات Scope 1,2,3 لدى البنوك. كما يتم العمل من قبل السلطات الرقابية على ضمان عدم حصول تكرار أو إفصاحات مضللة أو ما يسمى الغسل الأخضر. وبالمحصلة، من المهم التأكيد في التعليمات أن القطاع المالي هو مساعد Enabler للوصول الى net zero، ولكن ليس الجهة المسؤولة والمحركة لذلك. ورغم الجهود المبذولة، ما تزال هناك فجوات بين المناطق في تطبيق التعليمات المناخية، ما يستدعي تعاونًا أكبر بين السلطات الرقابية.
العدالة وحماية العملاء
من المتوقع أن تركز التعليمات على تعزيز حماية العملاء من خلال تحسين التعامل مع شكاواهم وضمان الشفافية والعدالة في تقديم الخدمات المصرفية.
من المتوقع أن تؤكد التطورات الرقابية على المرونة سواء المالية أو التشغيلية Financial and Non financial Resiliency، ويلاحظ أن التعليمات تتعلق أكثر بالمخاطر غير المالية نظرا لتزايد أهميتها على حساب المخاطر المالية، وهذا ما تؤكده نتائج الاستبيان المذكور، حيث إن أهم عشرة مخاطر كانت غير مالية ليتبعها مخاطر ائتمان الشركات في المركز الحادي عشر. كما من المهم ألا تصدر تعليمات مشددة الى حد يكون هناك ابتعاد عن التعامل مع البنوك واللجوء الى القطاعات الأخرى غير المنظمة، علماً أن زيادة نطاق التعليمات المطبقة قد تتأثر بتوجهات الرئيس ترمب نحو تخفيض المتطلبات الرقابية deregulations، الأمر الذي سيحمل مديري المخاطر العبء الأكبر في التعامل مع التراجع في حجم المتطلبات الرقابية وزيادة حالة عدم اليقين.
*عضو منتدى خبراء إدارة المخاطر
0 تعليق