البحر الأحمر.. الأهمية والتطلعات

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تشكل البحار تاريخيا ضرورة للحياة وللوجود البشري على الأرض لأسباب تاريخية وآنية متنوعة كونها وسيلة مهمة للنقل والتنقل والتجارة بين قارات العالم، وتلعب دورا أساسيا وفاعلا في النمو الاقتصادي للدول، فضلا عن كونها تساهم بشكل مؤثر في تنظيم المناخ والطقس وتوفير الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، فالبحار حيوية للإنسان والمجتمعات والدول على حد سواء بالنواحي الغذائية والاقتصادية والبيئية والمناخية كافة.

وتظل المحيطات والبحار جزءا لا يتجزأ من حياة البشرية على الأرض، كونها تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض، وتحتوي على 97% من مياه الأرض، وتمثل 99% من المساحة الصالحة للحياة على الكوكب من حيث الحجم، فهي توفر الموارد الطبيعية الرئيسية بما في ذلك الغذاء والأدوية والوقود الحيوي وغيرها من المنتجات، وكما أنها تساعد في تفكيك وإزالة النفايات والتلوث؛ وتعمل نظمها الإيكولوجية الساحلية كحواجز للحد من الأضرار الناجمة عن الاضطرابات المناخية كالعواصف وغيرها من الظواهر الطبيعية، بالإضافة أنها تبتلع نسبا هائلة من الكربون على كوكب الأرض.

كما أن تنوع البحار والمحيطات وتمتعها بإمكانات هائلة من شأنها دعم وتلبية العديد من الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لسكان العالم، علاوة على ذلك، فإنها توفر من خلال المناشط البحرية المختلفة كالترفيه والنشاطات الرياضية والسياحة أو حركة الإبحار لأغراض متنوعة كمصائد الأسماك البحرية ملايين مصادر الرزق وفرص العمل على مستوى العالم.

ويتمتع البحر الأحمر بأهمية جيو استراتيجية متفردة، إذ يقع في قلب العالم لربطه بين القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويصل بين المحيط الهندي وبحر العرب جنوبا والبحر الأبيض المتوسط في الشمال، وله أهمية متنوعة سواء أكانت اقتصادية أو عسكرية وأمنية، إذ يمر عبره أحد أكثر طرق الملاحة البحرية حيوية في العالم، وتعتبر الدول المشاطئة له من أهم المراكز العالمية لإنتاج موارد الطاقة، كما تمثل مضائقه وجزره نقاطا استراتيجية أمنية، مما جعله محط نظر إقليمي ومحل تنافس عالمي بين القوى الدولية الكبرى، ومركزا لاحتشاد القواعد العسكرية الأجنبية.

ويعتبر العلماء أن محيط البحر الأحمر حتى يومنا ما يزال مستمرا في مرحلة التوسع، إلا أنه ومقارنة بعمر الأرض فإنه يعد من المسطحات المائية حديثة التكوين، كونه بدأ بالتشكل بسبب الحركة التكونية التباعدية التي حدثت في العصر الميوسيني منذ نحو 55 مليون سنة، والتي أدت إلى انفصال شبه جزيرة العرب عن قارة أفريقيا، وسأكتفي بإيراد إيجاز عن هذه الأهمية من عدة نقاط:

فمن ناحية الاقتصاد يحتوي البحر الأحمر على ثروة قيمة من الموارد المعدنية، تعمل على دعم اقتصاد الدول الشاطئية، وتتمثل هذه الموارد في الرواسب النفطية والرواسب المتبخرة وغيرها، ومن حيث الحياة البيولوجية يحتضن البحر الأحمر حياة بيولوجية مزدهرة، فهو موطن لأكثر من ألف نوع من اللافقاريات ومئات الأنواع من الشعاب المرجانية، وأكثر من ألف نوع من الأسماك، وتقدر نسبة الأسماك المستوطنة في البحر الأحمر بنحو 14,7% من أسماك العالم.

كما تعتبر الشعاب المرجانية في البحر الأحمر من أطول الشعاب المرجانية الحية المستمرة في العالم، وتمتد حوالي ألفي كيلومتر حول الساحل، وتتميز بقدرتها العالية على التكيف، ويبلغ عمرها ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف عام، إلى جانب ذلك يتوافر البحر على الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف.

ومن الناحية التاريخية فإن البحر الأحمر من أوائل المسطحات المائية المذكورة في التاريخ المسجل، وقد شكل أهمية في التجارة البحرية المصرية منذ عام 2000 قبل الميلاد، واستخدم طريقا مائيا إلى الهند حوالي سنة 1000 قبل الميلاد، وتذكر الكتب قصة هروب بني إسرائيل من مصر عبره في عصر النبي موسى عليه السلام، وقد سيطرت عليه دول عديدة كالإغريق والبطالمة والرومان، وخلال العصور الوسطى كان البحر الأحمر جزءا مهما من طريق تجارة التوابل بين مصر والهند، وشملت السلع الأخرى القماش والأخشاب العطرية والبخور والقهوة والشاي.

وتعد الإدارة الدقيقة والفاعلة لهذا المورد العالمي الأساسي سمة أساسية لمستقبل مستدام يشمل تلبية الحاجة الملحة لحماية وحسن استغلال هذا المورد الضخم والهام، من خلال تشجير التعاون وتنسيق العلاقات الإدارية وفتح آفاقها بالتنسيق مع مختلف مستويات الجهات الإدارية صاحبة الاختصاصات المتنوعة والمتداخلة في تنفيذ واجباتها الوظيفية والتنموية على البحار وبالذات مناطق المياه الإقليمية والجزر، سواء كانت كاملة ومستقلة أو أرخبيلية وفق التقسيم العالمي لمناطق البحار الوارد بقانون البحار عام 1982م.

ولأجل كل ما سبق أو بعضه مما ذكر أو لم يذكر فإنني قد سررت جدا بصدور قرار إنشاء الهيئة السعودية للبحر الأحمر المولودة عام 2021م، التي أسند إليها اتخاذ التدابير اللازمة لتوليد وتنظيم السياحة في البحر الأحمر كمنفذ اقتصادي ووطني هام، يحمل في طياته العديد من الآمال الاستراتيجية التي تتفق ورؤية المملكة، ولأن العمل في الهيئة يحمل الكثير من التقاطعات والتعقيدات العملية المتشعبة، لتقاطع أدوار هذه الهيئة مع أغلب وزارات الدولة ومختلف الهيئات العاملة في الميدان وهو ما يعني الحاجة للمزيد من الجهود من رئيس الهيئة وفرق العمل معه لتحقيق رؤيتهم ورسالتهم من جهة، ومن أخرى حاجة الهيئة لجهود مضاعفة في مجال قوننة مهامهم وحدود أعمالهم بإقرار التشريعات المؤطرة لواجباتهم المناطة بهم بأدواتها التشريعية الملزمة لتحقيق الآمال المعقودة عليهم.

كما أنني اطلعت على مقابلة للرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر كأحد قادة التحول الذي طرح العديد من النقاط، وألقى الضوء على زوايا متنوعة تتعلق بأداء وأدوار وأحلام الهيئة الوليدة، وهو ما يعني العودة له مجددا لقراءته من زاوية مختلفة في أقرب فرصة على ضوء المعطيات المطروحة بصدر المقال والربط بين الواقع والمأمول في كينونتهما وصيرورتهما في هذا الاتجاه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق