تأثير التملُكّ

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عزيزي القارئ، يشير مفهوم تأثير التملك إلى أن الناس بشكل عام ينظرون إلى قيمة ما يمتلكونه على أنها مساوية على الأقل لما دفعوه سابقا، أو حتى أعلى من ذلك، مهما تدهورت الأوضاع الاقتصادية. ويشترك هذا المفهوم مع ظاهرة «خوف الخسارة» التي أوضحها العالمان دانيال كانيمان وآموس تفيرسكي؛ إذ يشعر الإنسان بألم الخسارة بدرجة أكبر بكثير من شعوره بالمتعة عند تحقيق مكسب مساوٍ بالقيمة. من هنا يصبح المالك متمسكا بما لديه، رافضا الاعتراف بانخفاض القيمة السوقية الحالية، وغالبا ما يحاول التسويف على أمل أن ترتفع الأسعار مجددا ما إذا انخفضت.

يمثل سوق العقارات أحد أبرز الأمثلة العملية لهذه الظاهرة. فشراء العقار بالنسبة لكثيرين ليس مجرد عملية استثمارية؛ بل هو قرار عاطفي عميق يختلط فيه الجانب الشخصي مع الجانب المالي. إذ يربط المالك منزله بالذكريات الأسرية، ويجري تعديلات أو تحسينات يظن أنها تضيف إلى قيمته، بينما قد تكون هذه الإضافات بلا وزن كبير في نظر المشتري. لذا حين تتغير الظروف الاقتصادية وتبدأ الأسعار بالهبوط، يصعب على المالك الاعتراف بأن العقار قد انخفضت قيمته الفعلية إلى أقل من المبلغ الذي دفعه أو من السعر الذي كان يتصور أنه «عادل».

نتيجة لهذه المعادلة النفسية، يتباطأ تصحيح الأسعار في السوق العقاري؛ فالمشتري الذي يراقب المؤشرات الاقتصادية ويقرأ الواقع المالي ويرى أن العقار يستحق سعرا أدنى، وفي المقابل المالك يصر على سعر أعلى كثيرا بسبب «تأثير التملك». هذه الفجوة بين العرض والطلب تتسبب في جمود التعاملات، إذ يقل عدد الصفقات وتطول فترة بقاء العقارات في السوق بلا مشترٍ. وبدلا من أن ينخفض السعر تدريجيا ويتكيف السوق بسرعة، يستمر وضع «الجمود» حتى تضطر مجموعة من المالكين، لأسباب قاهرة مثل الحاجة الماسة للنقد أو تغير الظروف العائلية، إلى خفض أسعارهم بنسب ملحوظة، فتنزل قيمة العقارات فجأة، وتؤثر على بقية الأسعار في المنطقة.

ولفهم الجذر النفسي لهذه الظاهرة عزيزي القارئ، يمكننا النظر إلى مجموعة من الانحيازات المصاحبة. من أبرزها «الانحياز التأكيدي» (Confirmation Bias)، حيث يبحث المالك دوما عن معلومات تعزز قناعاته السابقة بأن العقار لا بد أن يرتفع أو أنه «لا يمرض ولا يموت»، فيتجاهل المؤشرات السلبية أو يقلل من أهميتها.

كذلك هناك «انحياز الوضع الراهن» (Status Quo Bias) الذي يجعل الشخص يفضل البقاء على وضعه الحالي بدلا من مغامرته بتخفيض السعر. كما يشكل البعد العاطفي والمشاعر المرتبطة بالمنزل، من ذكريات وتصاميم شخصية، عاملا إضافيا يزيد من تمسك المالك بقناعاته السعرية.

على النقيض من ذلك، نجد في الأسواق المالية أن المتداولين المحترفين قد تعلموا كيفية التعامل مع الأصول من دون الارتباط العاطفي بها. فهم يستخدمون أوامر بيع آلية تسمى «وقف الخسارة» (Stop-Loss) إذا وصل السعر إلى نقطة محددة، فيبيعون بسرعة بلا تردد، ثم ينتقلون إلى فرصة أفضل بدلا من الاستمرار في خاسرة، أملا في أن تعود لسابق عهدها. وفي حين أن العقار مختلف عن الأسهم في جوانب عدة (كحجم الاستثمار وصعوبة البيع)، فإن مبادئ إدارة المخاطر والتحلي بواقعية الأرقام يمكنها تقليص تأثير التملك وتسهيل اتخاذ قرارات أفضل.

ختاما، تأثير التملك انحياز نفسي عميق قد يدفع أصحاب العقارات إلى التمسك بقيمة قديمة لا تتلاءم مع الوقائع الاقتصادية الراهنة، مما يؤثر سلبا على نشاط السوق ويؤخر التصحيح السعري. ومع ذلك يمكن الحد من هذا التأثير عبر الوعي به أولا، ثم اعتماد سياسات مالية وإجراءات تقييمية تضمن تقدير العقار بناء على معطيات السوق الفعلية. هكذا فقط يمكن التوفيق بين العوامل النفسية والعوائد المالية، والوصول إلى قرارات أكثر حكمة وموضوعية في واحد من أهم المجالات الاستثمارية في حياة كثير من الناس.

nabilalhakamy@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق