م. صبا العصفور
«العقل السليم في الجسم السليم» عبارة تعلمناها منذ نعومة أظفارنا في المدرسة، كي نحرص على تنمية مهاراتنا الذهنية بالتفوق الدراسي، بالإضافة إلى المهارات البدنية بالتمارين الرياضية والغذاء الجيّد.وإن اتفقنا من حيث العموم بمحتوى العبارة إلا أن الحياة علّمتنا ما هو أكثر عمقاً، فكم من عليل البدن بالمرض أو الإعاقة فجّر لنا إبداعات علمية وأدبية أو إنجازات تاريخية، وعلى النقيض كم من صحيح البدن مفتول العضلات ما زادنا إلا مصائب وأسقاماً.
فالحرص على بناء جسم سليم بممارسة الرياضة واتباع حمية غذائية متوازنة أمر في غاية الأهمية، ولكن الأهم هو الغاية من هذا البناء، فنرى عدداً من الشباب ذكوراً وإناثاً يحرصون على حضور مواعيد التدريبات في الأندية الرياضية أكثر من مواعيد العمل أو الدراسة أو الصلاة، ويدفعون مقابلها مبالغ طائلة، ويجتهدون لساعات طويلة في التدريبات الشاقّة للحصول على جسم متناسق وبمواصفات عالية، ولكن ليس من أجل حياة مديدة بصحة جيدة، وإنما للأسف لأسباب أخرى.
فبعض الفتيات صرن مهووسات بأجسام عارضات الأزياء، فيقضين جلّ أوقاتهن في صالة التمرين للتأكد من عدم اكتساب 100 غرام زيادة عن أوزانهن، لرغبتهن بأن يكون مظهرهن في موقع مقارنة مع الفاشينستا فلانة أو الممثلة علانة، والأسوأ ممن تسعى بهذا الجسم إلى إثارة غيرة صديقاتها.
وكذلك بعض الشباب، ليسوا باستثناء، مجاهدون ومحاربون لبناء جسم مفتول العضلات ليكونوا أكثر هيبة في وسط أقرانهم، وأحياناً بهدف لفت انتباه الجنس الآخر، أو للتنمّر على من هم أكثر ضعفاً وقلّة حيلة في مواقع التجمعات الشبابية.
فالبناء الجسماني الذي لا يرافقه بناء عقلاني أو أخلاقي لا خير فيه، فقد قال رسولنا الكريم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف» فالشخص القوي بإيمانه يستطيع ممارسة دوره الإنساني بلا خوف فيبني ويعمّر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان ضعيفاً بدنياً، ولا خير في المفتول عضلياً والسقيم عقلياً وأخلاقياً وإيمانياً.ولكن الأَولى والأجدى أن يتساوى بناء الإنسان من الداخل بالخُلق والفكر والخارج بالصحة والعضل كي يزيد الأمة جمالاً لا وبالاً.
0 تعليق