مع حلول شهر رمضان المبارك، تتجدّد في قلوبنا مشاعر الشوق والرغبة في تقوية صلتنا بالله عز وجل، واستثمار أيامه ولياليه في كل ما يقرّبنا منه ويرتقي بأرواحنا، بينما تتسارع وتيرة حياتنا وتتفاقم ارتباطاتنا الإلكترونية. لقد تحوّلت الهواتف الذكية – بفضل كثرة التطبيقات ووسائل التواصل – من مجرد وسيلة اتصال إلى «جليس» ملازم، نجده بقربنا أكثر مما نجلس مع عائلاتنا وأصدقائنا. فكيف نحوّل هذا الارتباط الرقمي إلى ميزة تعيننا على استثمار الشهر الفضيل بدلاً من أن تسرق أوقاتنا؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (رواه أبو داود والترمذي). ومن هنا ندرك كيف أن للصاحب أثرًا كبيرًا على حياتنا وتصرفاتنا، فالرفيق يؤثر دون أن نشعر، والصحبة الصالحة ترتقي بنا نحو الأفضل دائماً. كذلك في عالم التكنولوجيا، علينا أن ننتبه ونختار بعناية من يرافقنا في أجهزتنا من تطبيقات ومحتويات رقمية، لأن تأثيرها كبير، قد يرفعنا أو يشتّت انتباهنا ويؤخّرنا عن أهدافنا.
في عالمنا الرقمي اليوم، نلاحظ تنوّعاً كبيراً في التطبيقات ذات الطابع الديني والثقافي، والتي باتت متاحةً للجميع بسهولة. فإلى جانب تطبيقات القرآن الكريم المعروفة، هناك تطبيقات تقدم تلاوات بأصوات عدة، وتوفّر شروحاً مبسطة وتفسيراً تفاعلياً. كما نجد برامج لإدارة الوقت الرمضاني، وتطبيقات لتذكيرنا بمواعيد الأذكار أو قراءة ورد يومي من القرآن. وإلى جانب المحتوى الإسلامي الموجّه للكبار، ظهرت تطبيقات إبداعية مُخصَّصة للأطفال، تجمع ما بين الترفيه والتثقيف الديني، حتى يتعرّفوا إلى مبادئ الإسلام بأسلوب قصصي مرح.
غير أنّ هذه الوفرة التقنية تقودنا إلى مسؤولية الاختيار؛ فمثلما يمكن لهذه التطبيقات أن ترتقي بنا روحياً ومعنوياً، هناك كذلك برامج ومحتويات تستنزف أعمارنا فيما لا ينفع. لذا، فإن «الجليس الرقمي» قد يكون باباً من أبواب الخير إذا حرصنا على انتقاء ما يفيد، وقد يتحوّل إلى عقبة تعرقل تقدّمنا إذا وقعنا في فخ الإدمان على منصات التواصل والمحتويات الترفيهية المشتّتة للذهن.
التكنولوجيا في نهاية المطاف أداة، ونحن الذين نحدّد أوجه استخدامها. ومن هذا المنطلق، يمكن لشهر رمضان أن يصبح تجربة مختلفة تماماً: شهرٌ نعيد فيه ترتيب هواتفنا وحساباتنا الإلكترونية، ونمسح ما لا نحتاجه، ونضيف تطبيقات مبتكرة تساعدنا على التركيز على العبادات وأداء الطاعات. ومع ذلك، ينبغي أن ندرك أنّ التكنولوجيا مهما بلغت من تطوّر، لن تكفي وحدها لإتمام مسيرتنا الروحية دون مجهود شخصيّ ومداومة على الالتزام.
دعونا نجعل من رمضان فرصة لتجديد النوايا، ونتعامل مع أجهزتنا بحكمة واستفادة حقيقية. فكل إشعار يصلنا إما أن يدعم علاقتنا بالله ويضيف إلى رصيدنا المعرفيّ والروحانيّ، أو يصرفنا عن أهدافنا ويشتّت انتباهنا. وما أحوجنا إلى جليس صالح في زمن التكنولوجيا، يربطنا بعالم الآخرة، ويجعلنا أكثر وعياً بقيمة كل لحظة في حياتنا.* خبير تقني
0 تعليق