حوار الحضارات: أداة للتبادل المعرفي والتكامل بين الشعوب

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- رأى أستاذ علم اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة جورج تاون في واشنطن، والمحاضر في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية البروفيسور بول هيك، أن الحوار بين الثقافات يعد أحد الأسس التي تبني جسورًا من الفهم والتفاهم بين الشعوب المختلفة. اضافة اعلان
من خلال هذا الحوار، تتلاقى الفنون والعلوم وتتشابك الأفكار والتجارب، مما يساهم في تكامل الأمم وتبادل الخبرات التي تساهم في تقدم البشرية. ومن خلال هذا التلاقي، يمكن للإنسانية أن تكتشف الحكمة في تنوعها الثقافي، وتصل إلى حلول مشتركة لمختلف القضايا التي تواجهها.
وأشار المحاضر في الندوة التي أقيمت بعنوان "حوار الحضارات"، أول من أمس في صالون الدكتور مهدي العلمي الثقافي، وحضرها عدد من المهتمين بالحضارات. أن العديد من المفكرين يشيرون إلى أن الحوار بين الثقافات لا يقتصر فقط على التفاعل بين الشعوب بل يشمل أيضًا تفاعل الأفكار والعلوم، حيث يسهم في إغناء المعارف وتوسيع الأفق الفكري للجميع. لذلك، تعد دراسة الحوار بين الثقافات ضرورية لفهم كيفية تأثير التواصل بين الأمم في تقدم البشرية وبناء عالم يسوده التعاون والاحترام المتبادل.
في بداية المحاضرة، أشار الدكتور مهدي العلمي إلى أن البروفيسور بول هيك يقضي حالياً سنة التفرغ العلمي في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، مبيناً أن هيك قدّم العديد من المحاضرات حول موضوعي صراع الحضارات وحوار الحضارات.
من جانبه، قال المحاضر إن الحوار بين الثقافات هو حوار بين جميع الشعوب والأمم. فالحوار هو الوسيلة التي من خلالها نثبت وحدة الإنسانية. فالحوار هو السبيل الذي نؤكد من خلاله وحدة الإنسانية، فقد خلقنا الله من نفس واحدة. لذلك، ورغم اختلاف الثقافات والأديان، لسنا غرباء عن بعضنا البعض. بل إننا لا نعرف أنفسنا إلا من خلال اللقاء والحوار مع الثقافات الأخرى.
وأضاف هيك أن الحكمة المشهورة تقول: "يكتشف الإنسان ذاته في مرآة الآخر". لذا، لا يمكن للإنسانية أن تستغني عن الحوار للحفاظ على إنسانيتنا. ولذلك، أقول "إن اللقاء والحوار هما جزء مما قدر لنا من حيث إنسانيتنا"، لافتا إلى أن التاريخ يشهد على هذا الأمر بأمثلة لا تحصى، ومنها حديث جرى في القرن الرابع للهجرة بين الأديب أبي حيان التوحيدي والوزير ابن سعدان. وقد تم تسجيل هذا الحديث في كتاب "الإمتاع والمؤانسة" في "الليلة السادسة". حيث يبدأ الوزير بطرح سؤال: هل العرب أفضل أم العجم؟ فيجيب أبو حيان بكلام طويل، يمكن تلخيصه في قوله: "الأمم عند العلماء أربع: الروم، العرب، الفرس، والهند. ومن الصعب الجزم بأن إحداها أفضل من الأخرى".
ثم يوضح لكل طائفة من الناس ما لها من كمالات ونواقص في صناعتها، ويشير إلى أن الخيرات والفضائل والشرور والنقائص تتوزع بين جميع الأمم. فالفرس يتميزون بالسياسة والآداب، والروم (اليونان) بالعلم والحكمة، والهنود بالفكر والرؤية والخفة، والترك بالشجاعة والإقدام، والزنج بالصبر والفرح، والعرب بالنجدة والكرم والوفاء.
ويستمر أبو حيان قائلاً: إن هذه الفضائل التي تتميز بها الأمم ليست موجودة في كل فرد من أفرادها، بل هي صفات شائعة بين أفرادها. ومع ذلك، لا تخلو أي أمة من أشخاص يفتقرون إلى هذه الفضائل، بل قد يكونون موسومين بأضدادها. 
وقال المحاضر إننا نستخلص من كلام أبي حيان أن أهل الفضل من كل ثقافة، والحكماء من كل أمة، عندما يتلاقون ويتحاورون، يستفيد الجميع بعضهم من بعض. 
وقال هيك إنه دون الحوار بين الثقافات، سنكون جميعاً خاسرين. نحرم أنفسنا من معرفة الكمال والنقص لدى الشعوب. والحوار وفقاً لأبي حيان هو حوار بين الفنون والعلوم، بين الحكيم من هذه الأمة التي تتميز بميزاتها والحكيم من تلك الأمة التي تتميز بخصائصها، لصالح الجميع، هل حصل الأمر؟ هل تم الحوار بين الثقافات بهذا المعنى في ذلك العصر؟
وأوضح المحاضر أن كتاب "الفهرست" لابن النديم، الذي يعود للقرن الرابع الهجري، يسجل فيه عناوين جميع الكتب المكتوبة باللغة العربية في زمانه، سواء كانت مؤلفة بالعربية أو مترجمة من ثقافات أخرى، وذلك في مختلف الفنون والعلوم. وما يلفت النظر هو المزيج الغني من الفنون والعلوم في هذا الكتاب، مما يجعله بمثابة ثمرة حوار الثقافات في تلك الفترة. ويعتبر "الفهرست" تجسيداً لحوار تبنته اللغة العربية في ذلك الوقت.
وذكر المحاضر أيضاً مثالاً على ذلك، وهو أبو يزيد البلخي، الذي وُلد في خراسان وتجوّل بين العديد من البلدان. وسكن بغداد لفترة من الزمن، حيث اقتبس العلوم على يد علمائها، من بينهم أبو يوسف الكندي، المعروف بفيلسوف العرب. ويذكر ابن النديم في ترجمته لأبي يزيد أنه ألّف العديد من الكتب في علوم الدين والدنيا على حد سواء، ومن أبرز هذه الكتب: "كتاب شرائع الأديان"، "كتاب أقسام العلوم"، "كتاب السياسة"، "كتاب فضل صناعة الكتابة"، "كتاب مصالح الأبدان والأنفس"، "كتاب أسماء الله عز وجل وصفاته"، و"كتاب صناعة الشعر".
رأى المحاضر أن أبا يزيد البلخي استفاد من علوم جميع الأمم، مما يعكس استفادته من الحوار بين الثقافات ومن الخبرات والفضائل التي أفاضها الله على الجميع.
واضاف هيك إن حكماء العرب قبل الإسلام اشتهروا بالخبرة والمهارة في الحوار وحل النزاعات بين القبائل. وأذكر هنا مثالاً واحداً فقط، وهو "ناجية بنت ضمضم" من بني غطفان، التي كانت شاعرة من العرب قبل الإسلام. في أحد أشعارها، كانت ترثي والدها، وتشبّه أباها بلقمان الحكيم، لسان حاله كان يعكس الحكمة وفصل الخطاب بحكمة، بعد التجاذب والتدافع بين القبائل. كان والد "ناجية" حكيماً، والحكيم عند العرب آنذاك كان الذي يحكم بين خصوم بالحكمة، خصوم تشاجروا في الفضل والمجد. كان الحكيم في ذلك الظرف هو الذي يقلب الشجار إلى حوار.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق