"خمسون عاما في فلسطين": مذكرات فرنسس أملي نيوتن

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- في "مذكرات نيوتن"، التي أصدرتها وزارة الثقافة بعنوان "خمسون عامًا في فلسطين- وهو مذكرات صديقة العرب"، تتجسد صورة واضحة للمقاومة الفلسطينية، في مواجهة السلطة الاستعمارية، والصهيونية المدعومة من قوى عالمية، فتكون هذه الشهادة بمثابة إضافة مهمة لفهم التاريخ الفلسطيني، واستمرار الصراع الذي طالما شهد على تضحيات شعبه، كما تكشف لنا عن دور المؤلفين والمفكرين الأجانب الذين وقفوا إلى جانب الحق الفلسطيني في أوقات عصيبة.اضافة اعلان
وجاء الكتاب الذي قام بترجمته من الإنجليزية إلى اللغة العربية وديع البستاني، في إطار مشروع مكتبة الأسرة "القراءة للجميع"، حيث تعد القضية الفلسطينية من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ الشرق الأوسط، وهي معركة مستمرة من أجل الأرض والحقوق والسيادة. وتكتسب المذكرات والشهادات التاريخية، مثل كتاب "خمسون عامًا في فلسطين" للكاتبة فرنسس أملي نيوتن، أهمية خاصة في توثيق هذه القضية من زاوية أخرى، بعين غير عربية، لكنها مليئة بالإنصاف والتعاطف مع الشعب الفلسطيني.
عاشت فرنسس أملي نيوتن، "صديقة العرب"، في فلسطين خلال فترة الحكم البريطاني، لم تكن مجرد شاهدة على الأحداث، بل كانت صوتًا مناهضًا للظلم، حيث أضاءت من خلال كتاباتها جوانب غفل عنها الكثيرون في وقتها. في هذا الكتاب، تأخذنا نيوتن في رحلة عبر خمسين عامًا من الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال البريطاني، مسلطة الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته، توضح القضايا السياسية والإنسانية التي كانت تؤرق المنطقة في ذلك الوقت.
الكاتب جاء في 32 فصلًا قصيرًا، مقسمة إلى عناوين جانبية، حيث تداخلت الأفكار وتكاملت لتُكوِّن صورة واضحة المعالم للقضايا التي تناولتها، كما عرضت رأيها فيها. تناول الكتاب قضايا رئيسية عدة، من بينها الظروف التي دفعتها لترك وطنها إنجلترا، وإقامتها في فلسطين التي اعتبرتها وطنها الثاني. كما تطرقت إلى مشاهداتها وانطباعاتها عن فلسطين وأهلها وأرضها. فقد عاشت فرنسس أملي نيوتن في فلسطين من العام 1889 حتى العام 1938، وشهدت الأعوام الثمانية عشر الأخيرة من فترة الحكم البريطاني هناك.
في كلمة لها، تقول مؤلفة الكتاب، فرنسس أملي نيوتن: "مثل الجرة في إبريق محال به"، وهو تشبيه لما يدعيه الصهيونيون من أن فلسطين تتسع لاستيعاب أهل الوطن القومي، فضلاً عن العرب الذين يسكنونها، رغم ضيقها عن استيعاب هؤلاء وحدهم. لقد نفى وعد بلفور وجود العرب في فلسطين، فأنكروا هذا الوجود، وكذلك أنكروا الانتداب الذي أقيم عليه، بينما ثبت العرب وجودهم. وما تزال الصهيونية تتستر وتتخفى، حتى ظهر الكتاب الأبيض العام 1939، حينما قالت الوكالة اليهودية التي طالبت بشكل علناً بتأسيس حكومة يهودية.
وتضيف المؤلفة "هذه المشكلة المستعصية على الحل، نحن من أوجدناها، ونحن الذين نعيش في معاناتها. بدلاً من أن نهتدي بنجم القطب الساطع في العهد الجديد، نظرنا إلى الماضي، وأصيبت أبصارنا بالغشاوة، وامتلأت قلوبنا بالمرض، وواصلنا السير بسفينتنا وفقاً لتصريح بلفور والانتداب الذي أسس عليه، وكلاهما من صنعنا، في مواجهة مقاومة العرب الحقيقية والصادقة. وما تزال السفينة ترتطم بالصخور، والسياسة في الشرق الأدنى تهزها العواصف والزعازع، مهددة بحرب أخرى".
تبين المؤلفة أن علة العلل هي إخراج فلسطين عن نطاق الاستقلال العربي، ومبعث الفتنة يكمن في النزاع بين حق وحق، وشقاق بين قوميتين: عربية قائمة موجودة، ويهودية بائدة عائدة إلى الوجود من جديد. "فلِتُقسم فلسطين!"، هكذا قال سليمان الحكيم عندما ادعت الطفل امرأتان، عسى أن ترضى إحداهما فيثبت الطفل للأخرى. ولكن لو كان الطفل يملك القول، لنسفه سليمان وحكمته. لكن هناك وجه ثالث للمسألة، تم تجاهله من قبل المسيحيين في الغرب، وفي العالم الجديد، بينما لم تتحول عنه كرامة النصرانية العربية في وطنها الأكرم. فقد عرف المسيحي العربي مصير المسيحية في مهدها على يد الصهيونيين السياسيين. وقد أصبح من الواجب على العالم المسيحي أن ينظر بهلع إلى فكرة تسليم البلاد المقدسة إلى قوم ليسوا فقط بمنكرين للمسيحية والمسيح، بل لألوهيته، ورسالته، ونبوته جميعًا. بينما المسلمون يولون اسم سيدنا الكريم كل تشريف وتكريم.
وتخلص المؤلفة إلى أن الحق هو للعرب، وذلك عندما ننظر إلى مستقبل هذه البلاد الحبيبة. فقد عاشت بينهم طويلاً، وتعلمت احترام وتقدير سجاياهم الفطرية من إباء، وعزة، ووفاء، وحب للأوطان. وما أرادت من هذا الكتاب إلا أن تقدمهم للعالم كما عرفتهم. وحسبهم من صلاحهم أنهم قد ندبوا أنفسهم للقيام بمكانة مرموقة في عالم العصر، بتأليف دول عربية مستقلة، متحدة في جامعة هي جامعة لهم وحدهم، يكفل لها دستورها تبادل كل ما هو رقي وعمران مع أرقى الدول وأعمر البلدان. لقد خطا العرب خطوة جديرة بإعجابنا وعطفنا وتأييدنا. وحسب نصيبنا من السير بالإنسانية إلى الأمام أن نصدق العرب العون لاستعادة عظمتهم، عبر توليهم شؤونهم، واستيلائهم على مرافقهم ومواردهم، واستقلالهم في وطنهم.
يقول المترجم وديع البستاني، إن لقب "صديقة العرب" يكاد أن يغلب على اسم فرنسس أملي نيوتن. وقد عرفت بهذا اللقب منذ نحو ربع قرن، وذلك لمرافقتها الوفد العربي الفلسطيني الأول برئاسة المغفور له موسى كاظم باشا الحسيني في العام 1922. وقد تعززت شهرتها بهذا اللقب بشكل كبير حين رفعت صوتها عاليًا ضد السياسة البريطانية في فلسطين، حيث أطلقت شكواها الصارخة في العدد الخاص الذي أصدرته جريدة "فلسطين" في 25 آذار 1935، بمناسبة قدوم اللورد بلفور، الذي أطلق الوعد المشؤوم المشهور، لشهود تدشين الجامعة العبرية على الطور: وقد دأبت نيوتن على توجيه اللوم للحكومة البريطانية، موجهةً إليها الاتهام بأنها قد رضيت أن تصبح آلة في يد اليهود، مسخرةً لمآربهم القومية في فلسطين.
يوضح المترجم أنه عندما اندلعت ثورة فلسطين الصغرى في ربيع 1936، كانت فرنسس أملي نيوتن آنذاك في وطنها الأول، بريطانيا. ورغم ذلك، نصرت مواطنيها العرب أبناء وطنها الثاني، فأنشأت جمعية لدعم قضيتهم العادلة. كانت هذه الجمعية في البداية تعرف بـ"المركز الفلسطيني"، ثم أصبحت تُسمى "المركز العربي". خلفها في إدارتها السيد أميل الفوري، ثم الدكتور عزت طنوس، من أبرز أعلام الوطنية الفلسطينية. وقدمت نيوتن هذا التغيير بنفسها للمفتي الحاج أمين الحسيني، رئيس اللجنة العربية العليا، عندما كان ما يزال في مقره -المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في ساحة الحرم الشريف.
ويشير البستاني إلى أنه في العام 1938، وفي خضم ثورة فلسطين الكبرى، التي كانت تعكس عزة وإباء شعبها، كانت السلطة العسكرية البريطانية تواصل إرهاق الشعب الفلسطيني الذي ثار دفاعًا عن حقه، في ظل ظروف بالغة الصعوبة. وفي تلك الأثناء، أصدرت الصديقة الكشاف كتيبًا بعنوان "The Searchlight on Palestine" (أضواء على فلسطين)، الذي كتبته ونشرته عبر المركز العربي. سرعان ما صدر أمر قانوني رسمي يمنع نيوتن من دخول فلسطين.
وكان هذا بمثابة كابوس لم ينقض إلا في أواخر العام 1943، حيث كان الوضع العسكري في ذروة الاضطراب، إلا وهي منصرفة إلى تدوين هذه المذكرات؛ في تلك الفترة، كانت هذه المذكرات التي كتبها لتكون بمثابة نور بعيد المدى، يضيء الطريق للمجتمع البريطاني ويبين له الحقيقة والكرامة، إن هو اختار السير على هدى الحق. وعندما بدأ ووقفت عن التدوين حيث عهدت قضية فلسطين في آخر العام 1945.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق