هل يعود حزب الله من رماد البيجر واغتيال العديد من قادته؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لبنان - "تراجع حزب الله، لكنه لم يُهزم بالكامل". هذا ما قاله عساف أوريون، رئيس قسم التخطيط الإستراتيجي سابقا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقولة تعكس تقييم عساف أوريون لواقع حزب الله، وتعكس جانبا من نظرة كيان الاحتلال للنتيجة التي انتهت إليها الحرب الأخيرة على لبنان.اضافة اعلان
وما زالت تداعيات تلك النظرة تتفاعل سياسيا ومجتمعيا وأمنيا رغم انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني باستثناء خمسة مواقع احتفظ بها بعمق يتراوح من 300 متر في تلة اللبونة وصولا إلى عمق كيلومترين اثنين في تلة العزية.
وبين الحين والآخر، تشن طائرات الاحتلال غارات تستهدف كوادر ومخازن ومقدرات حزب الله جنوب نهر الليطاني وصولا إلى الهرمل، بينما اكتمل هيكل الدولة في لبنان بانتخاب مجلس النواب قائد الجيش الجنرال جوزيف عون رئيسا للبلاد، مع تشديده على أن قرار السلم والحرب بيد الدولة فقط، وتعيين القاضي نواف سلام رئيسا جديدا للحكومة التي خلت من الثلث الوزاري المعطل لحزب الله وحلفائه.
كما أصدرت الحكومة للمرة الأولى منذ قرابة عقدين بيانا وزاريا يخلو من الإشارة إلى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي تشرعن سلاح حزب الله، ولتؤكد بدلا من ذلك حق الدولة باحتكار حمل السلاح.
وتتزامن تلك التطورات مع تغيرات دولية وإقليمية تلقي بظلالها على حزب الله، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب وقع الشهر الماضي قرارا تنفيذيا يعيد فرض سياسات "الضغط القصوى" على إيران، وهو ما يشمل تقييد مبيعات نفطها.
وفي شرق لبنان، أضاف سقوط نظام الأسد ليضيف تحديا جوهريا لجملة تحديات يواجهها حزب الله، فسقوطه يعني فقدان خط الإمدادات البري القادم من إيران عبر العراق، فضلا عن تداعيات تغير نظام الحكم في دمشق على ديناميكيات السياسة داخل لبنان، الذي يتأثر بهوية وسياسات مَن يحكم سورية.
إن محصلة العوامل المذكورة تطرح تساؤلا عن مستقبل حزب الله الذي فقد أمينه العام الأبرز حسن نصر الله والآلاف من قادته وكوادره في الحرب مع الاحتلال، وبات يُبحر في بيئة محلية وإقليمية ودولية غير مواتية، ما يلقي عليه تحديات إضافية، ويثقل كاهل قيادته الجديدة، التي تجد نفسها بمواجهة أخطار جمة تجعل الإبحار عبر أمواجها عرضة لتهديدات وجودية.
إن التطرق لتحدي البيئة الداخلية للحزب له أولوية في ظل حالة الصدمة التي تعيشها حاضنته مما حدث خلال الحرب. فالصدمة لم تكن نتاج حدث واحد، بل سلسلة من الأحداث كلٌّ منها يشبه الزلزال، فبداية من تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي التي طالت عدة آلاف من كوادر وعناصر الحزب، ما كشف نجاح الاحتلال في تحقيق خرق أمني غير مسبوق في تاريخ صراعه مع حزب الله، بما يشمله ذلك من رصد الأفراد والمقرات ومخازن السلاح وحركة الأفراد طوال سنوات، وصولا إلى تصفية أغلب الهيكل القيادي الفاعل للحزب، وبالأخص قادته العسكريين والأمنيين، فضلا عن حسن نصر الله أمين عام الحزب، وبعده بالقيادة وقريبه هاشم صفي الدين، وسبقهما اغتيال نخبة من قادة الحزب، منهم الشيخ نبيل قاووق، وعلي كركي، وفؤاد شكر، وإبراهيم عقيل وغيرهم الكثير، ما أحدث فراغا قياديا يصعب ملؤه بأشهر أو سنوات معدودة، فالأمر سيتطلب إعادة بناء للهيكل التنظيمي وفق دروس مستفادة من الحرب الأخيرة، وهو ما يتطلب نوعا جديدا من القادة بعد تنظيف الصفوف من الاختراقات الأمنية.
وتستثمر تل أبيب الضوء الأخضر الأميركي والتطورات الدولية والإقليمية لفرض معادلات جديدة في لبنان، فقد أوغلت قبل انسحابها من قرى الجنوب اللبناني في تدمير المنازل والمنشآت والبنية التحتية، مما يجعل إعادة بناء حياة طبيعية قرب خطوط التماس أمرا صعبا، وهو ما يهدف إلى حرمان حزب الله من البيئة السكانية التي يوجد تحت مظلتها في الجنوب.
وتسعى حكومة الاحتلال راهنا لتفكيك شبكات حزب الله المالية واللوجستية، والضغط لمنعه من إعادة التزود بالسلاح، فهددوا بحسب الحكومة اللبنانية بقصف مطار بيروت في حال السماح للطائرات المدنية الإيرانية بنقل الأموال إلى حزب الله، كما شن طيران الإحتلال غارات متكررة على المعابر غير الرسمية على الحدود اللبنانية السورية لمنع تهريب السلاح إلى لبنان.
وفضلا عن التحديات الداخلية، يواجه حزب الله تحديات خارجية، فهو يترقب ما ستؤول إليه الأمور في سورية، فبعد أن فقد الحزب شريان إمداده الرئيسي بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة فصائل الثورة السورية على الحكم، أصبح يتابع عن كثب سياسات الإدارة الجديدة بدمشق، وتهديدات الإحتلال تجاه الدولة السورية الجديدة. ففي حال تحوُّل سورية إلى ساحة صراع مع الاحتلال فسيجد الحزب موقعا له للتموضع ضمن المعادلة الجديدة، بل وسيستفيد من فتح جبهة في الجنوب السوري والجولان رفض بشار الأسد أن يفتحها طوال حكمه.
ولكن في حال ثبات واستقرار الوضع في الجولان، فسيصبح وضع الحزب حرجا، حيث سيرى نفسه محاصرا من جهتين، ولذا يرجح أن يعمل آنذاك على تجميد الجبهة مع الاحتلال.
ويترقب حزب الله أيضا تطورات العلاقات الأميركية الإيرانية، وتداعيات سياسة الضغط القصوى التي اعتمدها ترامب على نفوذ طهران وقدرتها على مواصلة تمويل وتسليح الحزب، فالإدارة الأميركية لا تعرض التفاوض فقط على الملف النووي الإيراني مثل إدارة أوباما، إنما تريد أن تضيف للتفاوض ملفات الصواريخ البالستية الإيرانية والطائرات المسيرة والدعم الإيراني لشبكة الحلفاء في الإقليم، وهو ما يمس حزب الله بالدرجة الأولى.
إن التحديات داخليا وإقليميا ودوليا ستحدد بمجموعها مستقبل حزب الله، فهو حاليا يحاول التكيف مع المستجدات، ويعطي الأولوية لإعادة بناء هيكله العسكري والأمني مع تنظيفه من الاختراقات التي كشفتها الحرب، كما يحاول إعادة تعويض مخزونه العسكري، وكذلك يسعى لنزع فتيل التوترات داخل لبنان عبر تقديم تنازلات تهدف إلى تلافي المخاطر الأبرز التي يرى أنها تمثل تهديدا وجوديا له.
كما يترقب الحزب التطورات الإقليمية والدولية، ومدى حدوث تسويات أو اندلاع حروب بالمنطقة، فمواصلة الاحتلال لاعتداءاته في سورية وغزة، وطرح مخططات التهجير الأميركية قد يؤدي إلى توترات إقليمية بين دول عربية وإسلامية متضررة مع الاحتلال، مثل مصر والأردن وتركيا، مما سيعزز بيئة مواتية لخيار المقاومة يجد فيها حزب الله متنفسا ومساحة لإعادة البناء وتعويض الخسائر.-(وكالات)
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق