يُعد الصوم الكبير من أهم الفترات الدينية في التقويم المسيحي، حيث يستعد المسيحيون لاستقبال عيد الفصح عبر الصيام، الصلاة، وأعمال الخير، في إطار رحلة روحية تهدف إلى التأمل والتجدد الإيماني.
ويمتد الصوم الكبير لمدة 40 يومًا، مستذكرًا صيام المسيح في البرية، ويهدف إلى تعزيز التأمل الروحي والتجدد الداخلي.
وتختلف طقوس الصوم وممارساته بين الطوائف المسيحية، إلا أن جوهره يبقى ثابتًا باعتباره فترة استعداد ديني تتمحور حول التقشف والتفكير العميق في القيم الروحية.
رمزية أربعاء الرماد وبداية الصوم الكبير
يُعتبر أربعاء الرماد أول أيام الصوم الكبير لدى المسيحيين الكاثوليك، وهو فترة تستمر أربعين يومًا، تتخللها الصلاة والصيام، تحضيرًا لعيد الفصح الذي يحتفل بقيامة المسيح، وفقا للمعتقد المسيحي.
وتختلف بداية الصوم بين الكنائس، ففي الكنائس الغربية يبدأ في الأربعاء الموافق 5 مارس/آذار، بينما انطلق في الكنائس الشرقية يوم الاثنين 3 مارس / آذار.
وخلال هذه المناسبة، يقوم الكهنة برسم علامة الصليب باستخدام الرماد على جباه المصلين، كتعبير عن التوبة والانتماء إلى المسيح.
الصوم الكبير وأصوله التاريخية
يمتد الصوم الكبير أربعين يومًا، وهو عدد مستوحى من الأيام التي قضاها المسيح في الصحراء صائمًا ومتأملًا. يُحسب الصيام ابتداءً من أربعاء الرماد وحتى "خميس العهد"، الذي يوافق 17 أبريل / نيسان من هذا العام.
هذا التقليد الديني يعود إلى القرن السابع، حيث كان البابا غريغوريوس الأول عام 601 أول من وضع مدة رسمية للصوم، وفقًا لمتحف الكتاب المقدس.
وتبلغ مدة الصيام الفعلية 46 يومًا، يتم خلالها الصوم عن الطعام باستثناء وجبة واحدة يوميًا دون تناول اللحوم، مع تخصيص ستة أيام للاحتفالات الدينية. بينما يمتد الصوم لدى بعض الطوائف مثل الأقباط إلى 55 يومًا، حيث بدأ لديهم في 24 فبراير / شباط.
رماد النخيل ورمزيته في الطقوس الدينية
الرماد المستخدم في وضع علامة الصليب على جباه المصلين يُستخلص من أغصان النخيل التي جُمعت خلال أحد الشعانين في العام السابق، والذي يسبق عيد الفصح.
تُحرق هذه الأغصان حتى تصبح رمادًا ناعمًا، ويُخلط بالماء المقدس أو الزيت ليصبح عجينة تُستخدم في بعض الكنائس، بينما تكتفي كنائس أخرى برشه على الجباه.
لماذا يستمر الصوم الكبير 40 يومًا؟
يرتبط عدد أيام الصيام الأربعين بالمدة التي قضاها المسيح صائمًا ومتأملًا في البرية. ولهذا الصيام بُعد روحي يعكس التوبة والندم على الخطايا، مع إظهار الرغبة في التغيير والابتعاد عن الذنوب.
وتتنوع طقوس الصوم الكبير بين الطوائف المسيحية، فبعض الكنائس تفرض الامتناع عن الطعام لساعات محددة، بينما تفرض أخرى الامتناع عن اللحوم ومنتجات الألبان طوال فترة الصوم أو خلال أيام الجمعة والسبت فقط.
ويُنظر إلى الامتناع عن اللحوم كتكريم لتضحية المسيح بجسده يوم الجمعة العظيمة، وفقا للمعتقد المسيحي.
الصوم الكبير وعيد الفصح
يُعرف الأحد السابع من الصوم الكبير بـ"أحد الشعانين"، حيث يحتفل المسيحيون برفع السعف وأغصان النخيل، ومنه يبدأ "أسبوع الآلام"، وهو من أهم الفترات في الطقوس الكاثوليكية، حيث يتضمن العديد من المراسم الدينية.
خلال أسبوع الآلام، يقوم المسيحيون بالسير في "درب الصليب" في القدس، عبر الأزقة القديمة، محاكين مسيرة المسيح قبل صلبه، وفقًا لما ورد في الكتاب المقدس. وفي روما، تُقام منذ عام 1964 مراسم "درب الصليب" في المدرج الروماني الكولوسيوم.
يصل الصوم الكبير إلى محطته الأخيرة مع "خميس العهد"، أو "خميس الغسل"، وهو اليوم الذي قام فيه المسيح بغسل أقدام تلاميذه خلال العشاء الأخير، ليليه الجمعة العظيمة وسبت الفرح، حتى يحل عيد القيامة، الذي يُعدّ أقدس الأعياد المسيحية.تختلف تقاليد الصوم الكبير بين الكنائس
0 تعليق