إخراج الشريك.. بين نص القانون وتحديات الواقع

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

علياء الملا وأحمد عبدالغني

تعد ‏مسألة إخراج الشريك من الشركة ‏بموجب حكم قضائي من المسائل الشائكة في قانون الشركات بسبب تداخل ‏عوامل حرية الشريك مع مصلحة الشركة والشركاء. فالشريك الذي يعطل قرارات الشركة أو يسبب مشاكل داخلية فيها دون وجود آلية قانونية لإخراجه يمكن أن يتسبب في تعثر أعمال الشركة ويلحق بها أضراراً جسيمة. لذا، فإن الموازنة بين مصلحة الشريك في الاستمرار ومصلحة الشركة العامة في الحفاظ على نشاطها أمر تحتمه مصلحة الشركة والشركاء. والواقع العملي يثبت أن الخلافات بين الشركاء تؤثر بشكل كبير في استمرارية الشركة ونجاحها، حيث قد تؤدي إلى تعطيل القرارات المالية والإدارية المهمة، ما يؤثر سلباً في أداء الشركة بشكل عام.
ولقد سكت قانون الشركات التجارية الاتحادي في دولة الإمارات عن تنظيم هذه المسألة، الأمر الذي يجب معه الرجوع إلى قانون المعاملات المدنية لبحث هذه المسألة، باعتبار أن قانون المعاملات المدنية هو الأصل المتضمن للقواعد العامة للعقود، ومنها عقد الشراكة.
وبالبحث في قانون المعاملات المدنية الاتحادي، نجد أنه قد نظم هذه المسألة ضمن أحكامه العامة للشركات، فأجاز لأغلبية الشركاء التقدم بطلب للقضاء لإخراج الشريك من الشركة، ولكن هنا يثور التساؤل عن جواز تطبيق هذا النص العام في حالة غياب نص خاص يعالج هذه الحالة في قانون الشركات؟ أم أنه توجد اعتبارات أخرى تمنع من ذلك التطبيق؟
تعرضت المحكمة الاتحادية العليا لهذه المسألة وطبقت عليها نصوص قانون المعاملات المدنية، فأجازت لأغلبية الشركاء التقدم بطلب إلى القضاء لإخراج شريك من الشركة ذات المسؤولية المحدودة. وأكدت المحكمة هذا المبدأ في الطعن رقم 108 لسنة 2024 تجاري، حيث قررت المحكمة أن الرجوع للقانون العام هو الطريق الصحيح في حال غياب نص خاص في قانون الشركات التجارية.
أما محكمة التمييز في دبي، فقد قضت في الطعن رقم 68 لسنة 2023 تجاري بعدم جواز إخراج الشريك من الشركة ذات المسؤولية المحدودة. واستندت المحكمة في قرارها إلى أن العلاقة بين الشركاء لا تقوم على اعتبارات شخصية، بل تعتمد على الإطار القانوني المتعلق بالشركة نفسها. كما تبنت محكمة النقض في أبوظبي هذا التوجه في الطعن رقم 375 لسنة 2024 تجاري، مؤكدة أن قانون المعاملات المدنية ينطبق فقط على الشركات المدنية دون الشركات التجارية.
من الواضح إذاً، أن هناك توجهين مختلفين في كيفية التعامل مع قضية إخراج الشريك في الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي تعد واحدة من أكثر الكيانات التجارية شيوعاً في الإمارات.
وبالرجوع إلى نصوص قانون المعاملات المدنية، نجد أنها تتناول موضوع الشركات بشكل عام دون تخصيص أو تحديد لنوع الشركة، سواء أكانت شركة مدنية أو تجارية، إذ إن نص المادة (654) من قانون المعاملات المدنية، يعرف الشركة بأنها «عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاستثمار ذلك المشروع واقتسام ما قد ينشأ عنه من ربح أو خسارة». هذا النص، الذي يعد أساساً عاماً لتعريف الشركات، يتناول الشركات بصفة عامة، سواء كانت شركات تجارية أو مدنية، وهو ما يوضح أن المشرع لم يقم بتخصيص هذا النص لنوع معين من الشركات.
وبالعودة إلى قانون الشركات نفسه، نجد أن المادة (8/1) تقدم تعريفاً مشابهاً للشركة، حيث عرّفت الشركة بأنها «عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يشارك كل منهم في مشروع اقتصادي يستهدف تحقيق الربح، وذلك بتقديم حصة من مال أو عمل، واقتسام ما ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة». وجاءت الفقرة (2) من نفس المادة لتوضح أن المشروع الاقتصادي يشمل «كل نشاط تجاري أو مالي أو صناعي أو زراعي أو عقاري أو غير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي».
من هذا التعريف، يتضح لنا أن المشرّع لم يفرق بين أنواع الشركات في هذه الأحكام، ما يعني أن قواعد الشركات الواردة في قانون المعاملات المدنية تنطبق على جميع أنواع الشركات، بما في ذلك الشركات التجارية. ومن هنا نجد أن النصوص القانونية التي تتناول الشركات في قانون المعاملات المدنية قد جاءت شاملة وعامة، ولم تتخصص في نوع معين من الشركات.
والقاعدة أنه في حال غياب نص محدد في قانون خاص، يتعين الرجوع إلى القانون العام، وهو ما قضت به المحكمة الاتحادية العليا في عدة مناسبات. هذا التوجه يتماشى مع المبادئ القانونية الراسخة التي تقتضي بضرورة الرجوع إلى النصوص العامة لتغطية الحالات التي لم يتم تنظيمها بنصوص خاصة، ويؤدي هذا إلى حماية حقوق الشركاء، وتوفير إطار قانوني يحكم العلاقات بينهم في حالات النزاع.
في ضوء ما تقدم، يمكن القول بأن ما قضت به المحكمة الاتحادية العليا في تطبيق نصوص قانون المعاملات المدنية على الشركات ذات المسؤولية المحدودة يوجد حلاً لهذه المسألة الشائكة، خاصة أن النصوص القانونية جاءت شاملة ولم تميز بين أنواع الشركات، وبالتالي يجب أن تطبق على جميع الشركات دون استثناء. علاوة على ذلك، فإن توافر إطار قانوني يسمح للشركاء بإخراج ‏شريك في حالة نشوب خلافات بين الشركاء أو تعطل إدارة الشركة، من شأنه ضمان استمرارية الشركات وتحقيق أهدافها الاقتصادية.
‏وربما يطرح الأمر قريباً على هيئة توحيد المبادئ القانونية للوقوف على رأي موحد بشأن هذه المسألة. وهذا سيكون خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار القانوني والاقتصادي، وتشجيع الاستثمار في دولة الإمارات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق