تحليل بقلم ميك كريفر من شبكة CNN
(CNN)-- خلال معظم الأشهر الـ17 الماضية، بدت فكرة التسوية السياسية للحرب في غزة، ناهيك عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بعيدة كل البعد عن الواقع - حيث طغت عليها حملة عسكرية مدمرة قتلت عشرات الآلاف، وخطاب يحمل وجهة نظر واحدة لا يقبل الاختلاف.
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصف عناصر حركة "حماس" بأنهم "مريضون ومختلون"، وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن الخيار الوحيد لتحقيق "نصره الكامل" الذي يتباهى به كثيرا هو "القضاء" على الحركة.
ومع ذلك، ظهر الأربعاء أن الرئيس الأمريكي قد يكون على استعداد للاكتفاء بشيء أكثر عملية: حيث تنفصل حكومته عن سياستها القديمة المتمثلة في عدم التحدث مع الجماعات التي تعتبرها منظمات إرهابية.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن "المبعوث الخاص الذي يشارك في هذه المحادثات لديه السلطة للتحدث إلى أي شخص"، وأضافت أن تلك المحادثات "مستمرة".
وبعيدًا عن خطاب ترامب حول طرد الفلسطينيين من قطاع غزة والاستيلاء عليه، يبدو أن حكومة الولايات المتحدة تريد سماع ما قد تريده "حماس" في مقابل إطلاق سراح 59 رهينة لا تزال تحتجزهم. لا يزال هناك أمريكي واحد فقط يعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة، وهو عيدان ألكسندر، في غزة، كما تحتجز الحركة 4 أمريكيين قتلى.
وتم إجراء جميع المحادثات السابقة من خلال وسطاء قطر ومصر.
وتأسست "حماس"، التي نشأت من جماعة "الإخوان المسلمينط، في أواخر الثمانينيات وهي مكرسة لمقاومة الدولة الإسرائيلية، ودعت لفترة طويلة إلى تدميرها، لكنها قالت في عام 2017 إنها مستعدة لقبول دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية - داخل الحدود التي كانت موجودة قبل أن تستولي إسرائيل على مساحات كبيرة من الأراضي من الأردن ومصر وسوريا.
وبموجب القانون الدولي، تعتبر غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية مناطق محتلة عسكريا من قبل الدولة الإسرائيلية.
وكان الهدف المركزي للحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على غزة هو إزاحة "حماس" من السلطة والقضاء على قدرتها على تهديد إسرائيل.
وفي تلك النقطة الأولى على الأقل، كانت قيادة "حماس" في الخارج واضحة بشكل متزايد بأنها مستعدة للتنحي جانبا.
وقال المتحدث باسم "حماس" حازم قاسم لقناة "العربية" الشهر الماضي: "نقول بوضوح أنه ليس من الضروري أن تكون حماس جزءًا من الترتيبات السياسية أو الإدارية في المرحلة المقبلة".
وعندما اقترح الزعماء العرب، الذين كانوا يهرعون للرد على خطة ترامب بشأن غزة، هذا الأسبوع حكومة ائتلافية مؤقتة لغزة لن تشمل حماس، أيدت الحركة الخطة بسرعة.
وقال مخيمر أبو سعدة، أستاذ السياسة الفلسطيني الذي فر من غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لشبكة CNN، إن الحكم أصبح "عبئا على حماس".
وأضاف: "الحقائق الحياتية المتمثلة في توفير التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية لا تتوافق مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، منذ فوزهم في الانتخابات في 2006 واستيلائهم على قطاع غزة في صيف 2007، أصبح من الواضح لحماس أنهم لا يستطيعون القيام بالأمرين معا".
إن حقيقة أن العديد من القيادات السياسية لـ"حماس" التي تعيش منذ سنوات في الخارج في قطر وتركيا لم تكن على علم بخطة مهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تتحدث عن التفوق النسبي لـ"المقاومة" على الحكم داخل الحركة لكن القضية المركزية التي لم يتم حلها هي ما إذا كانت الحركة ستنزع سلاحها.
وقال غيرشون باسكي، المفاوض الإسرائيلي المخضرم الذي تحول إلى ناشط سلام وله تاريخ طويل في التفاوض مع "حماس"، مؤخرًا: "أنا أدرك أن المناقشات حول هذه المسألة جارية داخل قيادة حماس في الخارج، والآراء منقسمة".
وذكر لشبكة CNN الخميس: "لم يتبق أحد من القيادة السياسية لحماس في غزة اليوم، ونحن نعتمد على هؤلاء الشباب الذين يحتجزون الرهائن، وقد تم تسليمهم حتى الآن، ولكن قد ينشأ خلاف بين القيادة السياسية لحماس في الخارج والقيادة العسكرية لحماس داخل غزة اليوم، وهذا وضع خطير للغاية".
وكانت الحركة واضحة بشكل لا لبس فيه بشأن موقفها، ففي مقابلة أجريت مؤخراً، قال المتحدث باسم "حماس" سامي أبو زهري، إن فكرة إلقاء السلاح "خط أحمر ولا تخضع للمناقشة أو التفاوض".
قد يكون الواقع أكثر تعقيداً بعض الشيء.
وقال حمزة عطار، الصحفي الفلسطيني ومحلل من غزة الذي عاش في الخارج لأكثر من عقد: "حماس ليست مجنونة، إنهم يعرفون أن هناك نقطة حيث لا تعني الأسلحة شيئاً، وسوف تكون عقبة".
ولكن هذه النقطة، مع ذلك، سيكون من الصعب على نتنياهو أن يستوعبها: الدولة الفلسطينية.
وقال أبو سعدة: "بالنسبة لهم، من غير المعقول أن يطلبوا من حماس إلقاء أسلحتها قبل التوصل إلى تسوية سياسية ذات مغزى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالنسبة لهم، ووفقاً للقانون الدولي، فإن أي شعب محتل ــ مثل الأوكرانيين على سبيل المثال ــ له الحق في الدفاع عن نفسه".
كما أن الحركة تدرك تمام الإدراك، كما يقول المحللون، أن أي التزام بالدولة يجب أن يكون قوياً ومدعوماً من قبل جهات دولية مثل المملكة العربية السعودية، التي قالت إن العلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع إسرائيل مشروطة بإقامة دولة فلسطينية.
وحتى قبل هجوم 7 أكتوبر، لم يبد رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى القليل من الكلام عن حل الدولتين، ومنذ ذلك الحين، تعهد بثبات بأن الدولة ستكون "مكافأة للإرهاب". كما أيد خطة ترامب لتشجيع هجرة جميع الفلسطينيين البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة في غزة، ويستعد شركاؤه في الائتلاف اليميني المتشدد لخططهم لإعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في القطاع.
وكان ترامب أثبت مراراً وتكراراً أنه على استعداد لإجبار حلفاء أمريكا القدامى على مواقف غير مريحة إذا كان يعتقد أن ذلك سيفيده، وتفاوضت إدارته مع حركة "طالبان" لسحب القوات الغربية من أفغانستان، مما أدى في النهاية إلى الإطاحة بحكومة الرئيس أشرف غني المدعومة من أمريكا منذ فترة طويلة.
ومن الواضح أن قادة إسرائيل متوترون بشأن ما قد يتفاوض عليه ترامب مع "حماس".
وعندما تم الكشف عن أن الولايات المتحدة تتواصل مع "حماس"، أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا مقتضبا مفاده أن "إسرائيل أعربت للولايات المتحدة عن موقفها بشأن المحادثات المباشرة مع حماس"، دون أن يوضح ما هو هذا الموقف.
والسؤال الآن هو إلى أي مدى قد يذهب ترامب.
وقال باسكين: "الولايات المتحدة ليس لديها أي نفوذ تقريبا على حماس والتهديدات الأمريكية ضدها عديمة الفائدة تقريبا ومن غير المرجح أن تقصف الولايات المتحدة غزة أو أن يكون لديها جنود أمريكيون على الأرض".
والخطر الرئيسي، في رأيه، هو أن الولايات المتحدة قد تعطي الضوء الأخضر "لمزيد من الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، مثل قطع الإمدادات الإنسانية".
وتنفي إسرائيل انتهاك القانون الدولي في غزة.
وقد يخبر ترامب قيادة "حماس" بأن "الآن هو الوقت المناسب لمغادرة غزة"، لكن مستشاريه للأمن القومي سيخبرونه بالتأكيد أن أميركا تعتقد أن االحركة جندت أعضاء أكثر مما خسرته في قتال إسرائيل.
وقال عضو كبير في المكتب السياسي لحماس، أسامة حمدان، مؤخرًا إن الحركة لديها "فرصة للتوسع"، وأن أي جهة خارجية تأتي إلى غزة لتنفيذ أوامر إسرائيل "ستُعامل مثل إسرائيل".
وحذر رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد هذا الأسبوع من أن البلاد يجب أن تستعد لـ "حرب استنزاف طويلة الأمد ومتعددة الجبهات".
ولن يروق هذا لرئيس أمريكي يصور نفسه كصانع سلام.
وقال باسكين عن زملائه الإسرائيليين: "أتفهم أننا جميعًا ما زلنا في حالة من الصدمة العميقة، أفهم أن غالبية الإسرائيليين اليوم يرفضون فكرة الدولة الفلسطينية، ولكن حقيقة وجود أكثر من 7 ملايين يهودي إسرائيلي وأكثر من 7 ملايين عربي فلسطيني يعيشون على الأرض الواقعة بين النهر (الأردني) والبحر (المتوسطي) أقوى وأكثر إقناعاً من المزاج الحالي للرأي العام الإسرائيلي".
0 تعليق