وقعت معركة في الحرس الوطني القريب من بيتنا وأنا أفطر مع والدتي
خرجت عائلتي للسعودية وذهبت لأشارك في المقاومة فوقعت أسيراً
صدر قرار بإعدامي لكن اختلاف التوقيعات أنقذني من الموت
خرجت أنا وزملائي من السجن العراقي بدفع مبلغ 12 ألف دينار
إنصافاً للحق.. الكثير من جنود العراق تعاطفوا معنا
لن ننسى مواقف الشيخ عيسى رحمه الله بمراعاة أهل الكويت
أوامر بمعاملة الدينار الكويتي بمثله البحريني رغم ضبابية المستقبل
خلال مشاركته في مؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي الذي احتضنته مملكة البحرين مؤخراً، التقت «الوطن» مع مدير مركز تعزيز الوسطية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت الشقيقة عضو مجلس الحكماء التنسيقي الأوروبي «آمال» د. عبدالله الشريكة، ليسترجع ذكرياته خلال فترة غزو الكويت وخروجه من بلده إلى بلده الثاني البحرين التي وصفها بـ«الحبيبة» التي احتضنته خلال تلك المرحلة الحرجة في حياته وتاريخ دولة الكويت الشقيقة.
وبدأ الشريكة كلامه بالتأكيد على حبه لأرض المنامة الغالية التي استقبلته هو وإخوانه قائلاً: مملكة البحرين الشقيقة العزيزة على نفوس كل الكويتيين، وعلى نفسي أنا شخصياً، فأنا زرت البحرين كثيراً، وكانت أهم زيارة إبان فترة الغزو الصدامي للكويت، وفي تلك الفترة كنت أسيراً، ثم خرجت إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، ثم جئت ومكثت في البحرين قرابة ثلاثة أسابيع إلى 20 يوماً.
وأضاف: «في تلك الأيام، مع ما كنا نعانيه من خوف من المستقبل ومصير بلدنا المجهول، أشرقت الشمس حين قامت الدول بنصرة الكويت والكويتيين آنذاك، وخصوصاً دول الخليج العربي، وعلى رأسها البحرين والمملكة العربية السعودية، والإمارات وقطر وعمان، والكثير من الدول الإسلامية والعربية والدول الصديقة على مستوى العالم.
كيف لا أحتفظ بهذا الجميل والفضل للبحرين وللسعودية ولمصر والإمارات وقطر وعمان وغيرها من الدول التي وقفت معنا؟ لا يمكن أنسى مواقف القادة العرب جميعاً.. صاحب العظمة الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس المصري حسني مبارك، وقتها كنا نحتاج لمن ينصرنا بل نحتاج لأي كلمة تواسينا». وحول ذكريات الحرب والأسر والخروج والتحرير، كان لنا معه هذا اللقاء:
من هو د. عبدالله الشريكة؟
د. عبدالله الشريكة حاصل على الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة المنيا بجمهورية مصر العربية، وماجستير من كلية الدراسات العليا بجامعة الكويت، تخصص الحديث الشريف وعلومه، وخريج معهد إعداد الدعاة المتميزين بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية.
شغل منصب عضو الأمانة العامة لقضايا الزكاة المعاصرة، ونائب رئيس الهيئة الشرعية في بيت الزكاة، وعضو بمجلس حكماء المسلمين للمجلس التنسيقي الأوروبي «آمال»، وأمين سر اللجنة العليا لتعزيز الوسطية، بمجلس الوزراء الكويتي، ويشغل حاليا منصب مدير مركز تعزيز الوسطية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت.
حدثنا عن ذكريات بداية الغزو
- حدث الغزو الصدامي في سنة 1990، وكان يوم خميس، وهو يوم عمل رسمي في تلك الفترة، وأنا كنت أعمل في إدارة الجنسية والجوازات، كنت عسكرياً آنذاك، واستيقظت صباحاً حتى أذهب إلى العمل، ومن عادتي وقتها أن أتناول الإفطار مع والدتي رحمة الله عليها، بينما نسمع صوت قصف، فقالت لي: «ما تسمع، صوت الدب؟».. ولم نكن نعرف أن هناك معركة تدور في مقر الحرس الوطني الكويتي، والذي كان قريباً من بيتنا.
لكن لم يخطر على البال أبداً، أن يكون هناك احتلال للكويت، فذهبت بالسيارة إلى مقر العمل، وأثناء الطريق شاهدت آليات وجنوداً، لكنها آليات ليست تابعة لجيش الكويت، وعندما وصلت إلى العمل اتضحت الصورة بأن هناك غزواً، وكان أحد المسؤولين كبيراً في السن وذا خبرة، فأمرنا بأن ننزع القميص الذي توضع عليه الرتب العسكرية، وأن نعود إلى بيوتنا، وقال: ليس عندنا أوامر.. لا نعرف ما الذي حصل، ولكن اذهبوا إلى بيوتكم واحرصوا على ألا تدخلوا في أي صدام مع القوات حتى لو استفزوكم.
ومتى خرجت إلى المملكة العربية السعودية؟
- مكثنا في الكويت الخميس، والجمعة، والسبت، وكانت الأمور ضبابية، ولا أحد يعلم ما الذي حصل وماذا سيحصل، ثم قرر الوالد رحمه الله، يوم الأحد أن نخرج إلى السعودية، وكان قراره حكيماً، ولم يكن هناك من يقود السيارة سوى أنا ووالدي.
وعندما وصلنا إلى السعودية سكنا في منطقة المجمع، في قرية اسمها حرمة، ومكثت مع والدي ووالدتي فترة أسبوعين، ثم عدت إلى الكويت بعد تأمين إقامة الأهل للمشاركة في المقاومة، وحينها كنا نظن أنها ستنجح، لكن الواقع كان مختلفاً، ولذلك جاءت توجيهات فيما بعد من القيادة السياسية الكويتية في الخارج بتخفيف العمليات، لأن النتائج لن تكون حكيمة.
ففي مثل هذه الأوضاع لا تستطيع المقاومة إحداث ضرر كبير في العدو، بينما هو يقوم بتدمير البلد والمدن وقتل العوائل، ولذلك كانت الحكمة أن نتوقف عن المقاومة مع الأسف.
حدثنا عن فترة السجن وحكم الإعدام الذي صدر بحقك؟
- بعد قرار عائلتي الخروج إلى المملكة العربية السعودية، قررت العودة أنا وأصدقائي من الجنود إلى الكويت للمشاركة في المقاومة، لكن تم اعتقالنا بعد تعطل السيارة في الطريق، وكنا 7 من الشباب، منهم من توفي رحمهم الله، ومنهم من لا يزالون على قيد الحياة.
وتم اقتيادنا إلى مخفر الجهراء، وبقينا مسجونين فيه لفترة، ثم نقلنا إلى منطقة البصرة لتنفيذ حكم الإعدام، لكن عندما وصلنا إلى قائم مقام البصرة آنذاك، وجدوا أن هناك قصوراً في التوقيعات وبعض الأوراق، وقد ألهمه الله سبحانه وتعالى أن يرفض تنفيذ الحكم وطلب من الجنود العراقيين أن يعودوا بنا لاستكمال التوقيعات من السلطات التي كانت في الكويت آنذاك، حيث كانوا يعتبرون الكويت محافظة من محافظات العراق.
وهنا أود التنويه والتأكيد على أن الشعب العراقي بريء من هذه الجريمة، ونحن نحبهم ونجلهم ونقدرهم، والعلاقات اليوم بين العراق والكويت على مستوى المصاهرة والعلاقات العشائرية والقبلية كبيرة، ولقد عانى شعب العراق كثيراً من هذا الحزب أكثر من أي شعب آخر.
لكن كيف تمكنت من الخروج من السجن؟
- خرجنا برشوة ودفعنا وقتها 12 ألفاً، وحينها كانوا يعتبرون الدينار العراقي والكويتي والريال سعودي عملة ذات قيمة واحدة، بينما الحقيقة أن الدينار الكويتي يعادل 12 ريالاً سعودياً.
وساعدنا في هذا المحامي العراقي، الذي أمرنا بعدم ذكر أي شيء عن دخول البلاد خلسة، وإنما الادعاء بأننا رعاة من البدو ضللنا الطريق عندما كنا نبحث عن أغنامنا التي ضاعت في الصحراء!
وبالفعل ذهبوا بنا إلى القاضي في اليوم التالي، ورأينا المحامي يجلس بجوار القاضي فأبلغناه برواية المحامي، فتم الإفراج عنا في نفس اليوم وعدنا إلى الكويت عبر الحدود مع العراق، سيراً على الأقدام تارة وتوصيلة تارة أخرى حتى إننا ركبنا سيارة بيك أب لفترة ثم حافلة واكتشفنا أن جميع من فيها جنود عراقيون، لكن وإنصافاً للحق، فقد كان الكثير من جنود العراق يتعاطفون معنا، إلى أن وصلنا الجهراء، وهي أول منطقة تقابلك وأنت قادم من العراق.
وكان لا بد أن نخرج من الكويت فأخذنا سيارة أصدقائي، وبدأنا رحلة في الظلام وأطفأنا الأنوار الأمامية والخلفية حتى لا يتابعنا أحد من جنود صدام، لكن اكتشفنا أننا تهنا في الصحراء، وفي لحظة يأس قررنا العودة مرة أخرى إلى الكويت حتى لا نهلك في الصحراء، لكن فجأة، ظهرت أمامنا كشافات إضاءة كبيرة، وظننا أنها لأحد المعسكرات العراقية، ولم يكن لدينا خيار سوى تسليم أنفسنا إليهم مرة أخرى، لكن، ومن فضل الله، وجدنا نفسنا أمام حرس الحدود السعودي.
حتى العاملين في المركز الحدودي السعودي أصابهم الشك فينا، وقالوا: مو معقول تكونوا كويتيين.. من قبل شهر ما خرج أحد ولا سيارة، أنتم كيف خرجتم؟ لكن تحققوا من هوياتنا، ودخلنا السعودية مرة أخرى.
لكن لماذا قررت الذهاب إلى البحرين رغم وجود أهلك في السعودية؟
- كنت أحتاج إلى استخراج بعض الوثائق مثل جواز السفر ورخصة القيادة، وكان الضغط كبيراً على سفارة الكويت في الرياض، بينما في البحرين الأمر أكثر سهولة، ولذلك قررت المجيء إلى البحرين، واكتشفت أن الأوضاع مناسبة جداً، والتعاون كبير جزاهم الله خيراً.
كيف كنت تعيش في تلك الفترة؟
- كانت الأمور قاسية جداً، فلك أن تتخيل إنساناً يعيش في مثل هذه المشاعر، له أقارب لا يعرف عنهم شيئاً، ولم تكن هناك وسائل اتصال إلا القليل، وكنا نعرف الأخبار من خلال الاستماع لإذاعة البحرين أو قطر أو الإمارات، والسعودية، ونستمع لبعض النداءات من الكويتيين، فقد سمحت تلك الإذاعات للأشخاص بالتواصل عبرها، فيأتي شخص ويقول: أنا فلان الفلاني، وأنا أكلمكم من الطائف، أو من المنامة، أو من مدينة حمد، وأبحث عن أخوي فلان. وأبحث عن أختي فلانة فقد انقطعت أخبارهم، وأطمئنكم أنني بخير.
كم كان عمرك في ذاك الوقت؟
- كنت أيامها تقريبا 19 سنة، وأعمل عسكرياً في الكويت، وحديث التخرج من العسكرية، وحين بدأ الغزو أصدر الأمير المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أوامره بمراعاة أهل الكويت، وتجسد ذلك عندما احتضنت البحرين - أعزها الله - قوات البحرية الكويتية والأسطول الحربي الكويتي، ومنحتهم مساكن خاصة في مدينة حمد، وكان من بينهم أحد الأقارب، ولذلك جئت لأزوره، واستأجرت غرفة في فندق بمنطقة باب البحرين.
وماذا وجدت في البحرين خلال بقائك فيها؟
- انطلاقاً من توجيهات الأمير الراحل، فقد فتحت البحرين أبوابها لكل كويتي، ووفرت لنا الرعاية التامة، وصدرت أوامر بأن يعامل الدينار الكويتي بمثله من البحريني، خاصة بعدما انهارت العملة الكويتية، وأعتبر هذه اللفتة من أهم القرارات التي اتخذت لتحفظ لنا كرامتنا، على الرغم من ضبابية المعاملات المالية من بعض الدول الأخرى، لكن البحرين حرصت على أن يظل الدينار الكويتي محتفظاً بقيمته. فقد استغل بعض الأشخاص الظروف، وكانوا يشترون الألف دينار كويتي بما قيمته 10 دنانير فقط، لكن البحرين حفظت كرامتنا وقيمة عملتنا، ولا ننسى لهم هذا الجميل.
كثير من أهل الكويت توجهوا إلى دول عربية أخرى في تلك المرحلة فكيف كانت الأوضاع؟
- فتحت الدول الخليجية والعربية أبوابها لكل كويتي بترحاب كبير سواء في السعودية، الإمارات، قطر، عمان، مصر، وغيرها من الدول، وكان الكويتيون يشعرون أنهم يعيشون في بلدهم الثاني دون أي شعور بالغربة، حتى إن الشعوب كانت متعاطفة معنا، ويعرفون أن أي كلمة يمكن أن تجرح إحساسنا، ولذلك كانوا حريصين في تقديم كل الدعم والمساعدة، فنحن في النهاية إخوان العروبة والدين والتاريخ.
ما هي الأمور التي كانت قد تتسبب لكم في حرج؟
- على سبيل المثال، فلو سمعت أحدهم يصفك بأنك «لاجئ» فلن تستطيع أن تنام الليل، بعد ما كنت معززاً مكرماً، وأنا أريدك أن تعيش معي هذه اللحظات العصيبة والمشاعر الخطيرة، التي كان يشعر بها الكويتي، ولكن كان الموقف البحريني متميزاً جداً وليس بمستغرب، رغم أنه كان يشكل خطراً على البحرين، إلا أنهم وقفوا موقف الأبطال، حكومة وشيوخاً وشعباً مع الشعب الكويتي، جزاهم الله خير الجزاء.
وماذا حدث بعد فترة بقائك في البحرين؟
- رجعت مرة أخرى إلى أهلي في السعودية، وبقيت هناك إلى أن بدأت حرب التحرير وعاصفة الصحراء، وعندما اقترب موعد الدخول البري وتم توجيه النداء لرجال الداخلية والجيش الكويتي، طلب مني الوالد -رحمه الله- أن ألتحق بالقوات العسكرية، ورغم اعتراض بعض إخوتي لأني كنت أسيراً لدى العراقيين، إلا أن والدي أصر على موقفه، وأن أذهب لأشارك في تحرير الكويت، بل وقام بتوصيلي بنفسه إلى الرياض، رغم شدة حاجته لوجودي عنده، فأنا أكبر إخوتي والأصغر مني بيني وبينه، تقريباً 6 سنوات.
كيف تغيرت حياتك بعد تحرير الكويت؟
- عدنا جميعاً إلى بيوتنا والحمد لله، وحصلت على وسام التحرير من سمو الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، وتم تكريمنا في أكثر من مناسبة، وحصلنا على زيادات في الرواتب والبدلات.
0 تعليق