
بات الكنيست الصهيوني معملا نشطا لتدمير كل ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون عن طريق المفاوضات والحلول السلمية التي أقرتها منظمة التحرير الفلسطينية حين ألغت الكفاح المسلح من ميثاقها الوطني، وهو الطريق الذي أقرته كذلك الدول العربية باعتبارها الطريق الوحيد للوصول على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
الكنيست أقر قانون القومية اليهودية ليحارب الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، وأقر قانون ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، كما أقر قانونا يلغي عمل وكالة الأونروا في المناطق التي يسيطر عليها الكيان.
وقبل أيام تقدم حزب الإرهابي المتطرف إيتمار بن غفير مشروع قانون يسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مدفوعا بتصريحات الرئيس الأمريكي الأهوج دونالد ترامب.
واليوم قدم ذات الحزب الإرهابي مشروع قانون لإلغاء اتفاقيات أوسلو.
من المعلوم أن اتفاقية أوسلو هي الأب الروحي للسلطة الفلسطينية، وقد تم التوصل إليها في عام 1994، حيث انفردت منظمة التحرير حينها بالتوصل لهذا الاتفاق عن طريق مفاوضات سرية قادها محمود عباس في العاصمة النرويجية أوسلو مع وزير الخارجية الصهيوني آنذاك شيمون بيريز.
وبموجب تلك الاتفاقية اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، وتنازلت بذلك عن ثلاثة أرباع فلسطين للصهاينة، كما ألغت من ميثاقها البند المتعلق بالكفاح المسلح وبحدود الدولة الفلسطينية وأي بند يتعارض مع وجود ما يسمى “دولة إسرائيل”.
في مقابل ذلك اعترف الكيان فقط بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين، ولم يشر لا من قريب أو بعيد للتطلعات والطموحات الفلسطينية بالدولة أو حق تقرير المصير، وكأن المنظمة كانت تقاتل حتى لا يأخذ أحد مكانها في التفاوض مع العد الصهيوني.
تبع اتفاقية أوسلو اتفاقيات أخرى أسفرت عن انسحاب الجيش الصهيوني من مراكز المدن بالضفة الغربية، وتقسيم الضفة إلى مناطق (أ و ب و ج)، والإفراج عن أسرى ورجوع فلسطينيين إلى الضفة، كما ربط الاتفاقيات ربطت السلطة الفلسطينية بالكيان الصهيوني اقتصاديا وأمنيا.
خلال تلك الفترة انتهك الكيان الاتفاقية واستباح المدن والقرى الفلسطينية، وحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله، واغتاله لاحقا، ناهيك عن اعتقال آلاف الفلسطينيين.
كما تضاعف الاستيطان خلال فترة أوسلو بشكل كبير جدا، كما تضاعف التهويد في القدس، وتصاعدت الانتهاكات في المسجد الأقصى.
تبدو الصورة اليوم قاتمة جدا، ويعترف كثير من السياسيين والمراقبين بأن اتفاقية أوسلو التي عول عليها عرفات للوصول إلى دولة فلسطينية قد ماتت، ولم يبق منها سوى التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وقوات أمن ليس من مهامها مواجهة الاعتداءات الصهيونية سواء الجيش أو المستوطنين، في المقابل يقع على كاهلها منع أي هجمات قد يقوم بها فلسطينيون ضد أهداف صهيونية سواء في الضفة أو الداخل، ومطاردة التنظيمات المسلحة التي قد تقوم بعمليات ضد الأهداف الصهيونية.
يزعم الإرهابي بن غفير أن اتفاق أوسلو أضر بأمن كيانه، وأدى إلى سقوط آلاف القتلى الصهاينة، وأسهم في تعزيز قوة التنظيمات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
والحقيقة أن أتفاق أوسلو قدم أكبر خدمة استراتيجية للكيان منذ إنشائه، فهو أهم من اتفاقية كامب ديفيد التي يعتبرها الصهاينة كنزا استراتيجيا، والتي أدت إلى خروج مصر من حلبة الصراع. فاتفاقية أوسلو أدت إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن، ولاحقا إلى ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين والمغرب، وكل الجهود للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية ومن ثم مع باقي الدول الإسلامية، إذا ما قدر لها النجاح، لم تكن لتحصل لولا اتفاق أوسلو.
لقد فتح اتفاق أوسلو الباب على مصراعيه للكيان للاندماج بالمنطقة دون التخلي عن الأراضي المحتلة عام 1967، مع بقاء سيطرته على المقدسات في القدس الشريف.
لقد كان اتفاق أوسلو بتلك الصيغة خطأ استراتيجي كبير وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بالرغم من أن الاتفاق حقق منجزات من قبيل رجوع آلاف المناضلين الفلسطينيين إلى الضفة الغربية، وتشكيل مؤسسات وإدارة فلسطينية. لكن تلك المنجزات لا تساوي شيئا مقابل الكارثة الاستراتيجية التي جلبها للقضية الفلسطينية.
ومع ذلك علينا أن نعترف أن الظروف الصعبة التي مرت بها منظمة التحرير في تلك المرحلة وضعف التضامن العربي، بل وعدم وجود مخططات عربية جادة وحقيقية لتحرير فلسطين ساهم في دفع المنظمة إلى أوسلو.
بقي أن ننتظر ماذا سيقول الكنيست الصهيوني.
0 تعليق