عندما قرأت لأول مرة كتاب "عبقرية محمد"، للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، ازددت إعجابًا به وبأسلوبه التحليلي وطريقته فى استنباط الأحكام من فعل أو موقف أو قول للنبى الكريم ليؤكد به على عبقرية سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم...
ولقد أعدت قراءة هذا الكتاب الرائع أكثر من مرة فى فترات متباعدة، وفى كل مرة أقرأ فيها هذا الكتاب، كنت أجد نفسى كأننى اقرأه لأول مرة وأيضا أجد فيه جديدًا لم التفت إليه...
الغريب انه بعد كل هذه القراءات كان يدور فى داخلى تساؤل لا أعرف سببا له، ولم أجد له إجابة، وهو هل استطاع المفكر العملاق عباس محمود العقاد أن يكتشف عبقرية النبى الكريم فعلا أم أنه أمسك ببعض ملامح عبقريته صلى الله عليه وسلم، والتى ما زالت محل إهتمام الفكر فى الشرق والغرب...
دائما أتذكر قول هذا المفكر العملاق فى أنه ظل __كما كتب__ ثلاثين عاما فى الفكر والثقافة يقرأ ويدرس ويحلل حتى يكتب عن عبقرية سيد الخلق أجمعين... فهل هذا بسبب أن عبقرية النبى أكبر بكثير من كتابه والذى لا تتجاوز صفحاته ثلاثمائة صفحة ؟
أستطيع أن أؤكد -عن اقتناع- أن عبقرية سيد الخلق أكبر من كل الكتابات التى تناولت شخصيته المتفردة فى كل الفترات...
وهذا التساؤل لا يقلل إطلاقا من الإبداع الفكرى للمفكر الكبير عباس محمود العقاد فهو بشهادة الكثير من المفكرين والأدباء يُعَدُّ واحدًا من أبرز الكتاب الذين كتبوا عن شخصية النبى الكريم وتكفيه إشادة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بقوله "إن العقاد لم يكتب عن النبي محمد ككاتب سيرة، بل كفيلسوف يحلل جوانب عبقريته الفذة، فجاء كتابه تحفة أدبية وفكرية في آن واحد."...
وأنا أؤمن أنه كلما قرأت في سيرة خير خلق الله أجمعين تجد ما يجعلك تقف منبهرا لعظمته فى كل قول أو فعل أو موقف له فالوحي جعله بشرا استثنائيا وليس بشرًا كالبشر...وصدق أمير الشعراء أحمد شوقى فى قوله:
يأَيُّها الأُمِيُّ حَسبُكَ رُتبَةً
في العِلمِ أَن دانَت بِكَ العُلَماءُ...
الأجمل أن شخصية النبى الكريم كانت _وما زالت _محل اعجاب وتقدير من كبار المفكرين فى الغرب قبل الشرق فمثلا بعد كتاب الأبطال للكاتب الاسكتلندي توماس كارليل، والذى نُشر لأول مرة في عام ١٨٤١ وتحدث فيه عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الكتاب شهادة منه على صدق رسالته، ألف المؤرخ والكاتب الأمريكي" مايكل هارت" كتابا ذاع صيته فى العالم كله وهو كتاب "الخالدون مائة" وقد صدر فى عام ١٩٧٨ وقد أعيد نشرة فى طبعات متعددة وما زال حتى الآن يعاد طبعه والمهم فى هذا الكتاب أنه صنِّف أكثر مائة شخصية تأثيرًا في تاريخ البشرية، وفقًا لرؤية المؤلف، بناءً على تأثيرهم طويل الأمد على العالم، وليس بناءً على شهرتهم أو أعمالهم الأخلاقية لكن أبرز ما جاء في هذا الكتاب هو أن جعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى المرتبة الأولى، حيث اعتبره المؤرخ الأمريكي مايكل هارت الشخصية الأكثر تأثيرًا في التاريخ، نظرًا لتأثيره الديني والسياسي العميق، وقد اعتبره كثير من المفكرين كتابًا فريدًا لأنه يجمع بين شخصيات من مختلف المجالات الدينية، والعلمية، و السياسية، والفكرية...وأتى اختياره لشخصية النبى الكريم على رأس أعظم مائة شخص تأثيرًا في تاريخ الإنسانية عن وَعْيٍ وإدراكٍ بحقيقةِ كلِّ شخصيةٍ عبر دراسةٍ منهجية وضع لها مقاييس وأُسس اختار بها شخصياته، وكان المعيار الأهمّ في مقياسه كما جاء في مقدمة الكتاب: "أنْ يكون للشخصية أثرٌ (شخصيٌّ) عميقٌ متجددٌ على شعبها، وعلى تاريخِ الإنسانية"...
الأسبوع القادم بإذن الله أكمل القراءة فى كتاب "عبقرية محمد" للمفكر عباس محمود العقاد
0 تعليق