لا يمكن لأمة أن تنهار وفيها قائد يدرك حجم التحديات وجيش يحميها وشعب يدرك قيمتها
على مدار السنوات العشر الماضية، وقفت مصر على حافة هاوية سحيقة، حيث أحاطت بها نيران الإرهاب من الداخل وأطواق الفوضى من الخارج، في سيناء كانت الجماعات التكفيرية تحلم بتحويلها إلى إمارة دموية، وعلى حدودها كانت النيران تشتعل شرقًا وغربًا وجنوبًا، لكن رغم كل العواصف وقفت مصر شامخة مدافعة عن أرضها، وحافظت على كيانها وسط عالم يتهاوى. فكيف نجت مصر من هذا الطوق الملتهب؟ وما الدور الذي لعبه الجيش والشعب في هذه الملحمة؟ وكيف كان يمكن أن يصبح المشهد لو انتصر الإرهاب؟ وهل نمتلك الشجاعة ونقول بصوت عال إن سيناء الأرض المقدسة التي رفضت السقوط؟ الإجابة هي نعم نستطيع.
تعالوا نسترجع معاً الأحداث التاريخية التي شاهدناها بأعيننا، منذ عام 2013 ومع نجاح ثورة الشعب فى إسقاط حكم جماعة الإخوان اندفعت قوى الظلام لتحاول أن تنتزع سيناء من جسد الوطن، مستغلة الفراغ الأمني في سنوات الاضطراب.. تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي تحول لاحقًا إلى "ولاية سيناء" عقب مبايعته لتنظيم داعش في 2014 بدأ بشن عمليات وحشية، مستهدفًا الجنود والمواطنين على حد سواء.
لم يكن الإرهاب في سيناء مجرد عمليات متفرقة بل كان مخططًا مكتمل الأركان، يراد له أن يحول الأرض الطاهرة إلى وكر للمتطرفين، ويفرض على المصريين أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره، وفي 2015 بلغت ذروة الهجمات مداها، عندما استهدفت الجماعات الإرهابية مقر الكتيبة 101 في العريش، في واحدة من أشرس العمليات التي شهدتها سيناء، راح ضحيتها العشرات.
لكن مصر لم تنتظر أن تُفرض عليها المعركة، بل أخذت زمام المبادرة وأطلق القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى عملية "حق الشهيد"، التي لم تكن مجرد حملة عسكرية، بل كانت إعلانًا بأن الدولة لن تتهاون في حماية أرضها، وجاءت العملية على أربع مراحل من 2015 حتى 2018، توّجت لاحقًا بعملية "سيناء 2018"، التي كانت الضربة القاضية للجماعات التكفيرية، حيث تم تمشيط البؤر الإرهابية، وتدمير مخازن الأسلحة، والقضاء على قيادات التنظيمات المسلحة.
لم تكن حربنا ضد الإرهاب على عاتق الجيش وحده ولكن الشعب المصري كان في قلب المعركة وكان هو الحصن الذي لم ينكسر.. لم تكن حربنا سلاحًا وحيدًا فقط، بل كانت إرادةً وصمودًا، وكان للشعب دوره الذي لا يقل أهمية عن دور الجيش، لم يكن المصريون متفرجين على المعركة بل كانوا شركاء فيها. في سيناء دفعت القبائل ثمناً غالياً من دماء أبنائها، حيث انخرطت في مواجهات مباشرة مع الإرهاب، ورفضت أن تكون بيئتها حاضنة للتطرف.
في المدن، لم تنجح التنظيمات المتطرفة في كسب أي تعاطف، رغم محاولاتها المستميتة لإحداث فتنة بين الشعب والدولة، لعب الإعلام دورًا في كشف زيف دعاوى الإرهابيين، بينما ظل المواطن البسيط، الذي فقد قريبًا أو صديقًا في هجمات الغدر، مدركًا أن عدوه الحقيقي هو من يرفع السلاح في وجه وطنه.
وحتى نعرف طعم حلاوة النصر علينا أن نتخيل لا قدر الله لو سقطت سيناء كيف كان سيبدو المشهد؟ ماذا لو نجح الإرهابيون في بسط سيطرتهم على سيناء؟
المؤكد هو أن خريطة مصر كانت ستتغير إلى الأبد. كان الملايين سينزحون من مدنهم وقراهم، وسيتحول جزء من التراب المصري إلى معسكر مفتوح للموت والتدمير. كان يمكن للإرهاب أن يتمدد، متحالفًا مع جماعات أخرى في غزة وليبيا، ليشكل تهديدًا يتجاوز مصر إلى المنطقة بأسرها.
كانت قناة السويس هذا الشريان التجاري العالمي ستصبح تحت رحمة جماعات لا تعرف سوى لغة السلاح، وهو ما يهدد حركة التجارة العالمية، كانت الاستثمارات ستهرب، والسياحة ستنهار، وستدخل مصر في نفق اقتصادي لا يعلم أحد مداه.
لكن هذا السيناريو الكارثي لم يحدث، لأن هناك من دافعوا عن الأرض، ومن رفضوا أن يُسرق الوطن أمام أعينهم.
وما بين الحروب والحصار.. كيف نجت مصر من الطوق الملتهب؟ لأننا نعرف أن سيناء لم تكن وحدها ساحة المعركة، ففي كل الاتجاهات، كانت النيران تقترب من الحدود جنوبًا، كانت الحرب الأهلية السودانية تشتد، وتحول السودان إلى ساحة دمار ونزوح، لكن مصر استطاعت الحفاظ على حدودها، واستيعاب اللاجئين دون السماح بتسلل الفوضى إليها، غربًا، كانت ليبيا تغرق في مستنقع الميليشيات والصراعات القبلية، لكن مصر تعاملت بحزم، فأغلقت حدودها أمام تهريب السلاح، ودعمت استقرار ليبيا دون التورط في فوضاها.
شمالًا شرقًا، كانت غزة تعيش في أتون حرب طاحنة، ومع ذلك، تمكنت مصر من أن تحافظ على توازن دقيق، فدعمت الفلسطينيين إنسانيًا، دون أن تسمح بامتداد الحرب إلى أراضيها.
الدرس الأكبر هو أن مصر التي لا تسقط هي مصر المتماسكة جيشاً وشعباً، عشر سنوات من النار، لكن مصر لم تحترق. دفعت الثمن غاليًا، فقدمت مئات الشهداء، لكنها كسبت معركة البقاء. لم تسمح للإرهاب بأن يتمدد، ولم تترك للفوضى ثغرة تنفذ منها.
اليوم، وقد بدأت سيناء في استعادة نبض الحياة، يبقى الدرس الأهم لا يمكن لأمة أن تنهار وفيها جيش يحميها، وشعب يدرك قيمتها، وقائد يدرك حجم التحديات.
مصر لم تخرج من هذا العقد كما دخلته، بل خرجت أكثر قوةً وصلابة، وأثبتت للعالم أن من يُراهن على سقوطها، يخسر الرهان دائمًا.
0 تعليق