رمضان شهر الرحمة والمغفرة، وهو كذلك شهر اختبار الصبر على ما يمكن أن تراه طوال اليوم، والذي للأسف الشديد يتكرر كل عام، وتكتب فيه مئات المقالات، ولكنه في النهاية مسلسل معاد ومكرر.
أول محطة في اختبار الصبر تبدأ عند باب البيت، حيث تخرج بروح متسامحة ووجه بشوش، لكنك تكتشف أن جارك قرر أن يتعلم «فن الرجوع للخلف» بالسيارة لأول مرة في حياته! ربع ساعة حتى يخرج من موقفه، وأنت تردد؛ اللهم إني صائم.. اللهم إني صائم!
تنطلق إلى العمل، فتكتشف أن جميع أهل البحرين قرروا الخروج في نفس اللحظة، وكأن هناك نداءً جماعياً غير معلن؛ شوارع مزدحمة، سيارات تتسرب من كل اتجاه، وسائق يعتقد أن مسار الطوارئ تم تصميمه ليستخدمه هو شخصياً، تشعر أنك في سباق فورمولا، لكن دون كؤوس وجوائز في النهاية، سوى وصولك متأخراً إلى العمل.
في المكتب تجد الزملاء نصف نائمين؛ الكل صامت، الوجوه شاحبة، والعيون تنطق بكلمات غير مرئية، والمسؤول أكثر شخص يبدو عليه التأثر، عيناه محمرتان، صوته مرتفع، وأي طلب بسيط منك يمكن أن يتحول إلى قضية رأي عام! تطلب توقيعاً بسيطاً، فيرد «هل هذا وقت التواقيع؟»، فتتذكر أنك صائم وتبتلع كلماتك.
بعد يوم من المشقة، تقرر شراء بعض الحاجيات، فتجد أن أسعار الطماطم والموز واللحم تضاعفت وكأن هناك قانوناً غير مكتوب «رمضان = أسعار في المريخ»، وتتذكر تصريحات كل رمضان بأن التجار وقعوا وثيقة عدم رفع الأسعار في رمضان، فتضحك بحسرة وتردد؛ اللهم إني صائم!
المعركة الحقيقية للكثيرين في البحرين خلال نهار رمضان تكون عن بائع السمبوسة، حيث ترى طابوراً طويلاً وكأنهم ينتظرون تأشيرة للهجرة إلى كوكب المريخ؛ الزبائن متوترون، البعض يحاول القفز فوق الطابور متجاهلاً كل من حوله، والسيدة التي تقف أمامك قررت شراء 200 حبة دفعة واحدة، تقف في المنتصف، حائراً بين أن تثور أو تصبر، فتختار الصبر.. لأنك تعلم أنك ستحتاجه لاحقاً عند إيجاد موقف لسيارتك عند العودة إلى البيت.
بعد كل هذا العناء؛ تدخل في أصعب اللحظات، وهي الدقائق القليلة قبل موعد الإفطار، حيث تتسرب كل روائح الأطعمة والحلويات من مطابخ الجيران، فيما يبدأ التلفزيون في بث مجموعة من الإعلانات المخصصة لكل أنواع الأطعمة والمشروبات وحتى المطاعم في بلاد الواق واق، وكأنه يعلن التحدي في كل لقطة من اللقطات.
رغم كل ذلك؛ حين تسمع الأذان وترتشف أول رشفة ماء، تنسى كل هذه المواقف، وتدرك أنك نجحت في اجتياز اختبار اليوم.. استعداداً ليوم جديد من مسلسل «اللهم إني صائم!».
رمضان كريم.. وأعاننا الله على صيامه وقيامه.
0 تعليق