عمان- بعد 14 عاما على اندلاع الثورة في سورية، تبرز أسئلة عديدة، حول ما سيفضي إليه المشهد السوري، عقب انهيار نظام عائلة الأسد، وماهية الطريقة التي سجري فيها التعاطي مع الفصائل السورية المعارضة، التي قوضت حكم هذا النظام والترتيبات المقبلة في سورية الجديدة.اضافة اعلان
مراقبون تحدثوا لـ"الغد"، ان السيناريوهات المتعلقة باليوم التالي لسورية، تدور حول درجة التنسيق بين فصائل المعارضة السورية، التي ساعدت باسقاط النظام السابق، وفقا لخطة تؤشر الى وجود مرجعيات اقليمية ودولية خلفها، وداعمة ومساندة للعمليات العسكرية التي نفذتها هذه الفصائل.
ففي غمرة التساؤلات عن مستقبل سورية، قدمت تلك الفصائل خطابا براغماتيا، محشو برسائل هدفها طمأنة عموم السوريين بالمحافظة على سلمهم الأهلي بكل طوائفهم وإثنياتهم.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية د. أيمن البراسنة، "تستدعي تطورات المشهد السوري عقب انهيار نظام الاسد، طرح اسئلة عدة، أبرزها يتعلق بطريقة تعاطي الفصائل مع الترتيبات المقبلة في سورية الجديدة، وهل قياداتها تخلت عن "عباءة التنظيمات الإرهابية" التي انخرطت فيها لسنوات طويلة، كتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الارهابيين، أم ثمة تحول جوهري في تفكيرها وسلوكها لحكم سورية؟ وهل باتت القيادات الجديدة في سورية (من الفصائل)، وعلى رأسها احمد الشرع (أبو محمد الجولاني) زعيم "هيئة تحرير الشام"، تؤمن بوحدة الأراضي السورية وبمشروع الدولة الوطنية السورية ووحدة المؤسسات، بخاصة الجيش أم لها تصور آخر؟".
واضاف البراسنة، هناك مؤشرات إيجابية بخصوص سلوك الفصائل المسلحة، منها الاستعداد لإنضاج التجربة السياسية الجديدة، وسيطرة الخطاب الوحدوي المعتدل الذي يحترم الاقليات، ويبتعد عن الثأر والانتقام، كذلك فان تشكيل الحكومة الانتقالية بعد دخول المعارضة لدمشق، مؤشر إيجابي على قبول انتقال سلس للسلطة، في ظل وجود دعم إقليمي ودولي للقيادات الجديدة، أضف إلى ذلك أن الوضع الأمني السوري، لم ينفلت من عقاله بعد سيطرة المعارضة على التراب السوري، اذ جرى حفظ الأمن والمؤسسات والممتلكات.
وأتم: وبرغم هذه الإيجابيات، لكن هناك مخاوف تتعلق بأفكار الجماعات المسلحة التي تبنت افكارا ايديولوجية لمنظمات متطرفة كـ"داعش" و"القاعدة" الارهابيتين، فهل سيصبح الشرع رجل دولة، بحيث سيصبح مختلفا عما كان عليه في المرحلة السابقة؟ وهل هناك مجال لتغيير افكار القيادات الجديدة في مرحلة استلام مواقع متقدمة في السلطة، خصوصا في ظل ارتباط جماعات من المعارضة بقوى إقليمية تؤثر عليها بشكل او بآخر.
وقال البراسنة، ان هذه المخاوف مرهونة بقدرة الشرع وسواه، على اتباع سياسة متوازنة لتحقيق وحدة وطنية ووحدة الأراضي السورية، وفي ضوء ما تقدم، هناك عدة سيناريوهات متوقعة، أبرزها: هو القدرة على بناء سورية الجديدة، وفق أسس ديمقراطية وتعددية سياسية، بحيث يصاغ دستور جديد وتجرى انتخابات برلمانية ورئاسية.
واضاف "سيحظى هذا السيناريو، بدعم تركيا وروسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، فمن شأن هذا الخيار، الحفاظ على سلامة سورية. هذا السيناريو سيحافظ على وحدة الأراضي السورية، ولكن ستكون هناك صعوبات تقف في وجه تحقيقه في ظل المتغيرات الحالية، أما السيناريو التالي، فيتبلور بقيام دولة فدرالية يجري فيها، منح حقوق لكل مكونات الشعب السوري. وهناك سيناريو آخر، هو إعلان قيام "جمهورية سورية إسلامية" نواتها تنظيم "هيئة تحرير الشام"، وهو سيناريو يمتثل للتجربة الأفغانية التي حملها خطاب حركة طالبان هناك، ووفقه هنا ستحمله "هيئة تحرير الشام"، اما الاخير، فتمثل بالذهاب الى تقسيم سورية لدويلات صغيرة على غرار دول البلقان.
وبين "يمكن القول إن بناء سورية جديدة، يتطلب انشاء نظام سياسي قائم على مشاركة كل مكونات الشعب السوري، ونظام لا استحواذ فيه على الدولة ومفاصلها، كما كان في نظام الأسد، بل حكم ديمقراطي عادل، يعيش في كنفه السوريون بلا تقسيم ولا تمييز ولا استثناء".
من جهته، قال النائب الاسبق د. هايل الودعان الدعجة، من الواضح أن درجة التنسيق بين فصائل المعارضة السورية كبيرة، وهو ما ساعدها على اسقاط النظام السابق، وفقا لخطة موضوعة، تؤشر لوجود مرجعيات اقليمية ودولية خلفها، تدعمها وتساند عمليات المعارضة العسكرية، بالاضافة لتخلي ابرز الداعمين للرئيس السابق بشار الاسد عنه في هذه المواجهة، التي انتهت بسقوطه، كروسيا وايران وحزب الله، وذلك على خلفية ما تخوضه هذا الاطراف من تحديات وحروب انهكتها واضعفتها.
واوضح الدعجة، ان السيناريو المتوقع بعد الاسد، يتمثل بتطبيق المرجعية الدولية واساسها القرار 2254، والذي يطالب بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وصياغة دستور جديد، يضمن اجراء انتخابات عامة تبلور نظاما سياسيا سوريا جديدا، تشارك فيه كل المكونات السورية.
وتابع: مثل هذا السيناريو سيجد دعما وتأييدا دوليين، بخاصة وانه كان بمنزلة حل كانت تعول عليه الاسرة الدولية، لإنهاء الفوضى والحروب في سورية، وهو ما عارضه الاسد بقوة، بينما وافقت المعارضة التي باتت تسيطر على زمام الامور، بصورة ستجعل من تطبيقه مسألة محسومة.
وأتم: يتوقع بان تجد المعارضة، الرضا والقبول من الشارع السوري الذي عانى من القهر والغضب وكبت الحريات خلال حقبة حكم الاسد، ويساعد في ذلك، الرسائل التي بثتها اثناء اقتحامها للمدن السورية واحدة تلو الاخرى، وصولا الى دمشق، وقد أشارت للاهداف التي خاضت ثورتها لأجلها، متوخية فيها مصالح السوريين، وحرصها على حياة المدنيين وعدم استهداف المؤسسات والمنشآت التي هي ملك لسورية، إذ لم يصاحب عمليات الاقتحام اي دمار او تخريب للمؤسسات والمرافق والمساكن، بالاضافة لحالة الهدوء التي تلتها، بمجرد الاعلان عن تحقيقها لاهدافها، وهذا يعكس مظاهر الحياة الطبيعية التي ستشهدها سورية مع انتهاء المهمة.
بدوره، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال ابوزيد، ان سورية تخضع لمعادلة اللافوضى واللااستقرار على اقل تقدير في الايام الـ10 من عمر إسقاط النظام السابق، مشيرا الى انها وبرغم المؤشرات الاولية التي تدعم بتوجهها الى الاستقرار السياسي، لكن لا يمكن الحكم على الاستقرار الامني، اذا ما اخذنا بالاعتبار ان عوامل استقرارها، لم تتضح بعد في ظل متغيرات داخلية واقليمية تحدد رسم المشهد الجديد فيها.
واضاف ابوزيد الى ان سورية، تخضع لعدة سيناريوهات، والاكثر احتمالا ان يكون نجاح سورية بتجاوز المرحلة الانتقالية، بعيدا عن التدخلات الخارجية، وضبط الحالة الامنية، لكن في الوقت نفسه، يبقى هناك تحد كبير امام المرحلة الانتقالية، وهو اعادة تشكيل الجيش والاجهزة الامنية، وهذه نقطة تشكل محور مهم لرسم ملامح سورية الجديدة، تحت تساؤل هو الابرز والاعمق: هل ستتجه سورية الجديدة الى تحول في العقيدة القتالية السابقة لعقيدة قتالية جديدة، في ظل تدمير الاحتلال الصهيوني لـ85 % تقريبا من قدرات جيشها السابق.
وتابع ابوزيد: هنا؛ سيفرض على سورية الجديدة، تغيير في الهيكل التنظيمي، ليس فقط في الجيش والاجهزة الامنية، بل وفي الدولة السورية كاملة، ويتوقع ضمن هذا السيناريو، ان يجري التحول لتشكيل جيش خلال مدة تتراوح بين 5 الى 10 سنوات، بمعايير جديدة غير تقليدية، يجري التركيز فيها على قوات خفيفة، تعتمد على مواجهة التحديات الداخلية وضبط الامن ومكافحة الارهاب، بعيدا عن القوات الثقيلة والفيالق والفرق، التي كانت لدى جيش سورية السابق، ما يعني التحول الى العقيدة الغربية، او عقيدة الناتو القتالية، إن فرضت تركيا نفسها على الواقع العسكري والامني السوريين.
وأتم: يبقى السيناريو الاكثر خطورة في فشل التجرية السياسية السورية الجديدة الانشغال بالقضايا السياسية، ما يعني خلق فراغ امني، قد يجري اشغاله عن طريق فلول أفراد من النظام السابق، او من جماعات راديكالية، فتدخل في هذه الحقبة بعمليات اقتتال داخلي، تخلق فوضى، بيد ان دولا في الاقليم تحول بالا يرجح هذا السيناريو، فالفوضى السياسية والامنية لا تخدم دول جوار سورية، وقد تدفعها لان تتماهى مع النموذج العراقي، ما يعد أخطر سيناريو، لكنه يبقى الاقل احتمالا.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك د. محمد خير الجروان، كان يمكن للثورة السورية ان تنتهي أو تعلن انتصارها بسقوط نظام الأسد مع بداياتها، لكن التطورات اللاحقة حولتها لحرب أهلية، وصفت مع دخول جماعات إرهابية كـ"داعش" و"النصرة"، بأنها حرب الكل ضد الكل.
وتابع الجروان: لم يعد الثوار والنظام طرفان رئيسان في الصراع، بقدر ما أصبحوا أدوات لمشاريع دولية وإقليمية، ومجالا للتنافس والمصالح والنفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والكيان المحتل، اذ يحمل كل منهم مشروعا ورؤية خاصتين به لواقع الازمة السورية ومستقبلها، وبرغم ان سقوط النظام غير من موازين القوى في سورية والمنطقة، وله تبعات دولية تتعلق بالمنافسة المفتوحة بين الولايات والمتحدة وروسيا في عدة ملفات ومناطق، كالحرب في أوكرانيا، لكن ذلك لن يغير من واقع أن مشروع الدولة السورية، يرتبط بمصالح القوى الدولية والإقليمية التي تفوق بكثير قدرة فصائل المعارضة المسلحة، على إعادة بناء سورية حاليا.
وأتم: يظل المشهد في سورية على أقل تقدير، ولأسابيع أو لأشهر مقبلة، غامضا وضبابيا ،في ظل حكومة تسيير أعمال، لا تدرك حتى الآن بأن تحديات الحكم وإعادة بناء الدولة، يختلف عن إدارة مدينة ريفية بحجم ادلب، فهم في البداية بحاجة لعقد اجتماعي جديد للسوريين في كل سورية، يضمن العدالة والمساواة، ويكفل ان تظل الحكومة ومؤسساتها، الجهة المخولة بتطبيق القانون، فوحدتها واستقرارها ووحدة شعبها، متطلب رئيس ومفتاح لنجاح مشروع إعادة بناء الدولة، فهل تستطيع هيئة تحرير الشام وحكومتها المؤقتة، في ظل الظروف الحالية تحقيق ذلك؟ من ناحية لا تعتبر الهيئة وحدة مؤسسية، إنها لفيف من فصائل عديدة، يغلب عليها التطرف برغم اعتدال قيادتها، وما تزال مناطق عديدة من سورية خارج سيطرتها، وهناك قوات النظام السابق والميليشيات الداعمة التي اختفت في وقت قصير يدعو للشك، وبأنها تحولت لخلايا وعصابات، قد تهدد الاستقرار الفترة المقبلة، بخاصة مع عدم قدرة الهيئة على ضبط سلوك عناصرها في مناطق الساحل، والتي اعتبرت حاضنة للنظام السابق، الى جانب الانقسام والفجوة الكبيرين بين قيادات سورية الجديدة حاليا والمعارضة السورية المدنية الموجودة في الخارج.
واستكمل الجروان: سيزداد تعقيد المشهد الداخلي مع تحديات وجود وانتشار وعمليات قوى دولية وإقليمية في الأراضي السورية، فما تزال القوات الاميركية متوجودة في جنوب سورية، وتعيد القوات الروسية تمركزها وانتشارها في الساحل، وتشن القوات التركية هجمات في الشمال ضد الأكراد، وتتوغل قوات الاحتلال في الجولان ومناطقه المحاذية، اذ نفذت أكبر عملية عسكرية جوية للاحتلال الصهيوني منذ سقوط النظام لتدمير قدرات سورية العسكرية، فضلا عن نشاط بقايا "داعش" في البادية على الحدود السورية العراقية، وما تزال ايران وميليشياتها حاضرة على الحدود العراقية السورية.
مراقبون تحدثوا لـ"الغد"، ان السيناريوهات المتعلقة باليوم التالي لسورية، تدور حول درجة التنسيق بين فصائل المعارضة السورية، التي ساعدت باسقاط النظام السابق، وفقا لخطة تؤشر الى وجود مرجعيات اقليمية ودولية خلفها، وداعمة ومساندة للعمليات العسكرية التي نفذتها هذه الفصائل.
ففي غمرة التساؤلات عن مستقبل سورية، قدمت تلك الفصائل خطابا براغماتيا، محشو برسائل هدفها طمأنة عموم السوريين بالمحافظة على سلمهم الأهلي بكل طوائفهم وإثنياتهم.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية د. أيمن البراسنة، "تستدعي تطورات المشهد السوري عقب انهيار نظام الاسد، طرح اسئلة عدة، أبرزها يتعلق بطريقة تعاطي الفصائل مع الترتيبات المقبلة في سورية الجديدة، وهل قياداتها تخلت عن "عباءة التنظيمات الإرهابية" التي انخرطت فيها لسنوات طويلة، كتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الارهابيين، أم ثمة تحول جوهري في تفكيرها وسلوكها لحكم سورية؟ وهل باتت القيادات الجديدة في سورية (من الفصائل)، وعلى رأسها احمد الشرع (أبو محمد الجولاني) زعيم "هيئة تحرير الشام"، تؤمن بوحدة الأراضي السورية وبمشروع الدولة الوطنية السورية ووحدة المؤسسات، بخاصة الجيش أم لها تصور آخر؟".
واضاف البراسنة، هناك مؤشرات إيجابية بخصوص سلوك الفصائل المسلحة، منها الاستعداد لإنضاج التجربة السياسية الجديدة، وسيطرة الخطاب الوحدوي المعتدل الذي يحترم الاقليات، ويبتعد عن الثأر والانتقام، كذلك فان تشكيل الحكومة الانتقالية بعد دخول المعارضة لدمشق، مؤشر إيجابي على قبول انتقال سلس للسلطة، في ظل وجود دعم إقليمي ودولي للقيادات الجديدة، أضف إلى ذلك أن الوضع الأمني السوري، لم ينفلت من عقاله بعد سيطرة المعارضة على التراب السوري، اذ جرى حفظ الأمن والمؤسسات والممتلكات.
وأتم: وبرغم هذه الإيجابيات، لكن هناك مخاوف تتعلق بأفكار الجماعات المسلحة التي تبنت افكارا ايديولوجية لمنظمات متطرفة كـ"داعش" و"القاعدة" الارهابيتين، فهل سيصبح الشرع رجل دولة، بحيث سيصبح مختلفا عما كان عليه في المرحلة السابقة؟ وهل هناك مجال لتغيير افكار القيادات الجديدة في مرحلة استلام مواقع متقدمة في السلطة، خصوصا في ظل ارتباط جماعات من المعارضة بقوى إقليمية تؤثر عليها بشكل او بآخر.
وقال البراسنة، ان هذه المخاوف مرهونة بقدرة الشرع وسواه، على اتباع سياسة متوازنة لتحقيق وحدة وطنية ووحدة الأراضي السورية، وفي ضوء ما تقدم، هناك عدة سيناريوهات متوقعة، أبرزها: هو القدرة على بناء سورية الجديدة، وفق أسس ديمقراطية وتعددية سياسية، بحيث يصاغ دستور جديد وتجرى انتخابات برلمانية ورئاسية.
واضاف "سيحظى هذا السيناريو، بدعم تركيا وروسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، فمن شأن هذا الخيار، الحفاظ على سلامة سورية. هذا السيناريو سيحافظ على وحدة الأراضي السورية، ولكن ستكون هناك صعوبات تقف في وجه تحقيقه في ظل المتغيرات الحالية، أما السيناريو التالي، فيتبلور بقيام دولة فدرالية يجري فيها، منح حقوق لكل مكونات الشعب السوري. وهناك سيناريو آخر، هو إعلان قيام "جمهورية سورية إسلامية" نواتها تنظيم "هيئة تحرير الشام"، وهو سيناريو يمتثل للتجربة الأفغانية التي حملها خطاب حركة طالبان هناك، ووفقه هنا ستحمله "هيئة تحرير الشام"، اما الاخير، فتمثل بالذهاب الى تقسيم سورية لدويلات صغيرة على غرار دول البلقان.
وبين "يمكن القول إن بناء سورية جديدة، يتطلب انشاء نظام سياسي قائم على مشاركة كل مكونات الشعب السوري، ونظام لا استحواذ فيه على الدولة ومفاصلها، كما كان في نظام الأسد، بل حكم ديمقراطي عادل، يعيش في كنفه السوريون بلا تقسيم ولا تمييز ولا استثناء".
من جهته، قال النائب الاسبق د. هايل الودعان الدعجة، من الواضح أن درجة التنسيق بين فصائل المعارضة السورية كبيرة، وهو ما ساعدها على اسقاط النظام السابق، وفقا لخطة موضوعة، تؤشر لوجود مرجعيات اقليمية ودولية خلفها، تدعمها وتساند عمليات المعارضة العسكرية، بالاضافة لتخلي ابرز الداعمين للرئيس السابق بشار الاسد عنه في هذه المواجهة، التي انتهت بسقوطه، كروسيا وايران وحزب الله، وذلك على خلفية ما تخوضه هذا الاطراف من تحديات وحروب انهكتها واضعفتها.
واوضح الدعجة، ان السيناريو المتوقع بعد الاسد، يتمثل بتطبيق المرجعية الدولية واساسها القرار 2254، والذي يطالب بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وصياغة دستور جديد، يضمن اجراء انتخابات عامة تبلور نظاما سياسيا سوريا جديدا، تشارك فيه كل المكونات السورية.
وتابع: مثل هذا السيناريو سيجد دعما وتأييدا دوليين، بخاصة وانه كان بمنزلة حل كانت تعول عليه الاسرة الدولية، لإنهاء الفوضى والحروب في سورية، وهو ما عارضه الاسد بقوة، بينما وافقت المعارضة التي باتت تسيطر على زمام الامور، بصورة ستجعل من تطبيقه مسألة محسومة.
وأتم: يتوقع بان تجد المعارضة، الرضا والقبول من الشارع السوري الذي عانى من القهر والغضب وكبت الحريات خلال حقبة حكم الاسد، ويساعد في ذلك، الرسائل التي بثتها اثناء اقتحامها للمدن السورية واحدة تلو الاخرى، وصولا الى دمشق، وقد أشارت للاهداف التي خاضت ثورتها لأجلها، متوخية فيها مصالح السوريين، وحرصها على حياة المدنيين وعدم استهداف المؤسسات والمنشآت التي هي ملك لسورية، إذ لم يصاحب عمليات الاقتحام اي دمار او تخريب للمؤسسات والمرافق والمساكن، بالاضافة لحالة الهدوء التي تلتها، بمجرد الاعلان عن تحقيقها لاهدافها، وهذا يعكس مظاهر الحياة الطبيعية التي ستشهدها سورية مع انتهاء المهمة.
بدوره، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال ابوزيد، ان سورية تخضع لمعادلة اللافوضى واللااستقرار على اقل تقدير في الايام الـ10 من عمر إسقاط النظام السابق، مشيرا الى انها وبرغم المؤشرات الاولية التي تدعم بتوجهها الى الاستقرار السياسي، لكن لا يمكن الحكم على الاستقرار الامني، اذا ما اخذنا بالاعتبار ان عوامل استقرارها، لم تتضح بعد في ظل متغيرات داخلية واقليمية تحدد رسم المشهد الجديد فيها.
واضاف ابوزيد الى ان سورية، تخضع لعدة سيناريوهات، والاكثر احتمالا ان يكون نجاح سورية بتجاوز المرحلة الانتقالية، بعيدا عن التدخلات الخارجية، وضبط الحالة الامنية، لكن في الوقت نفسه، يبقى هناك تحد كبير امام المرحلة الانتقالية، وهو اعادة تشكيل الجيش والاجهزة الامنية، وهذه نقطة تشكل محور مهم لرسم ملامح سورية الجديدة، تحت تساؤل هو الابرز والاعمق: هل ستتجه سورية الجديدة الى تحول في العقيدة القتالية السابقة لعقيدة قتالية جديدة، في ظل تدمير الاحتلال الصهيوني لـ85 % تقريبا من قدرات جيشها السابق.
وتابع ابوزيد: هنا؛ سيفرض على سورية الجديدة، تغيير في الهيكل التنظيمي، ليس فقط في الجيش والاجهزة الامنية، بل وفي الدولة السورية كاملة، ويتوقع ضمن هذا السيناريو، ان يجري التحول لتشكيل جيش خلال مدة تتراوح بين 5 الى 10 سنوات، بمعايير جديدة غير تقليدية، يجري التركيز فيها على قوات خفيفة، تعتمد على مواجهة التحديات الداخلية وضبط الامن ومكافحة الارهاب، بعيدا عن القوات الثقيلة والفيالق والفرق، التي كانت لدى جيش سورية السابق، ما يعني التحول الى العقيدة الغربية، او عقيدة الناتو القتالية، إن فرضت تركيا نفسها على الواقع العسكري والامني السوريين.
وأتم: يبقى السيناريو الاكثر خطورة في فشل التجرية السياسية السورية الجديدة الانشغال بالقضايا السياسية، ما يعني خلق فراغ امني، قد يجري اشغاله عن طريق فلول أفراد من النظام السابق، او من جماعات راديكالية، فتدخل في هذه الحقبة بعمليات اقتتال داخلي، تخلق فوضى، بيد ان دولا في الاقليم تحول بالا يرجح هذا السيناريو، فالفوضى السياسية والامنية لا تخدم دول جوار سورية، وقد تدفعها لان تتماهى مع النموذج العراقي، ما يعد أخطر سيناريو، لكنه يبقى الاقل احتمالا.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك د. محمد خير الجروان، كان يمكن للثورة السورية ان تنتهي أو تعلن انتصارها بسقوط نظام الأسد مع بداياتها، لكن التطورات اللاحقة حولتها لحرب أهلية، وصفت مع دخول جماعات إرهابية كـ"داعش" و"النصرة"، بأنها حرب الكل ضد الكل.
وتابع الجروان: لم يعد الثوار والنظام طرفان رئيسان في الصراع، بقدر ما أصبحوا أدوات لمشاريع دولية وإقليمية، ومجالا للتنافس والمصالح والنفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والكيان المحتل، اذ يحمل كل منهم مشروعا ورؤية خاصتين به لواقع الازمة السورية ومستقبلها، وبرغم ان سقوط النظام غير من موازين القوى في سورية والمنطقة، وله تبعات دولية تتعلق بالمنافسة المفتوحة بين الولايات والمتحدة وروسيا في عدة ملفات ومناطق، كالحرب في أوكرانيا، لكن ذلك لن يغير من واقع أن مشروع الدولة السورية، يرتبط بمصالح القوى الدولية والإقليمية التي تفوق بكثير قدرة فصائل المعارضة المسلحة، على إعادة بناء سورية حاليا.
وأتم: يظل المشهد في سورية على أقل تقدير، ولأسابيع أو لأشهر مقبلة، غامضا وضبابيا ،في ظل حكومة تسيير أعمال، لا تدرك حتى الآن بأن تحديات الحكم وإعادة بناء الدولة، يختلف عن إدارة مدينة ريفية بحجم ادلب، فهم في البداية بحاجة لعقد اجتماعي جديد للسوريين في كل سورية، يضمن العدالة والمساواة، ويكفل ان تظل الحكومة ومؤسساتها، الجهة المخولة بتطبيق القانون، فوحدتها واستقرارها ووحدة شعبها، متطلب رئيس ومفتاح لنجاح مشروع إعادة بناء الدولة، فهل تستطيع هيئة تحرير الشام وحكومتها المؤقتة، في ظل الظروف الحالية تحقيق ذلك؟ من ناحية لا تعتبر الهيئة وحدة مؤسسية، إنها لفيف من فصائل عديدة، يغلب عليها التطرف برغم اعتدال قيادتها، وما تزال مناطق عديدة من سورية خارج سيطرتها، وهناك قوات النظام السابق والميليشيات الداعمة التي اختفت في وقت قصير يدعو للشك، وبأنها تحولت لخلايا وعصابات، قد تهدد الاستقرار الفترة المقبلة، بخاصة مع عدم قدرة الهيئة على ضبط سلوك عناصرها في مناطق الساحل، والتي اعتبرت حاضنة للنظام السابق، الى جانب الانقسام والفجوة الكبيرين بين قيادات سورية الجديدة حاليا والمعارضة السورية المدنية الموجودة في الخارج.
واستكمل الجروان: سيزداد تعقيد المشهد الداخلي مع تحديات وجود وانتشار وعمليات قوى دولية وإقليمية في الأراضي السورية، فما تزال القوات الاميركية متوجودة في جنوب سورية، وتعيد القوات الروسية تمركزها وانتشارها في الساحل، وتشن القوات التركية هجمات في الشمال ضد الأكراد، وتتوغل قوات الاحتلال في الجولان ومناطقه المحاذية، اذ نفذت أكبر عملية عسكرية جوية للاحتلال الصهيوني منذ سقوط النظام لتدمير قدرات سورية العسكرية، فضلا عن نشاط بقايا "داعش" في البادية على الحدود السورية العراقية، وما تزال ايران وميليشياتها حاضرة على الحدود العراقية السورية.
0 تعليق