مع حلول شهر رمضان المبارَك، يتجه العديد من المهنيين المحترفين في دولة الإمارات العربية المتحدة للتفكير ملياً بمسيراتهم المهنية، ويتساءلون عما إذا كانت هذه الفترة من السنة مثالية للبحث عن عمل جديد. لكن خلافاً للاعتقاد السائد أن عمليات التوظيف تتباطأ خلال الشهر الفضيل، فإن رمضان يشكّل فرصة فريدة للباحثين عن عمل والراغبين بالارتقاء بمسيراتهم المهنية إلى المستوى التالي.
وبالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون مع هذا الأمر بطريقة استراتيجية، فقد يكون رمضان الوقت المثالي ليس للتفكير بالأهداف المهنية فقط، بل أيضاً لاتخاذ الخطوات الفعّالة نحو الحصول على وظيفة مناسِبة.
رمضان: وقت للتفكير والتخطيط الوظيفي
يُعتبَر شهر رمضان المبارك فترة للتأمّل وتمكين الذات روحياً وإعادة ضبط الأهداف على الصعيد الشخصي. وبالنسبة للمهنيين المحترفين، قد يكون هذا الأمر أيضاً الفرصة المثالية لإعادة تقييم التطلّعات الوظيفية، وتحديد استراتيجيات البحث عن عمل، واستثمار الوقت الكافي في التطوّر المهني.
ووفقاً لدراسة سابقة أجراها ’بيت.كوم‘ (Bayt.com)، موقع الوظائف الرائد في الشرق الأوسط، فإن 79.1٪ من المهنيين المحترفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد أشاروا إلى أنهم يستفيدون من وقتهم في رمضان للتركيز على البحث عن عمل وتعزيز مسيراتهم المهنية.
وعلى الرغم من تباطؤ إيقاع العمل الاعتيادي بالنسبة لكثيرين خلال هذه الفترة، إلّا إن ذلك يوفر للمهنيين المحترفين نافذة لإعادة النظر بسيَرهم الذاتية، وتعزيز مهاراتهم، واستكشاف الفرص الجديدة عبر طريقة تفكير أكثر وضوحاً.
التوظيف لا يتوقّف – بل يتسارع أكثر في بعض القطاعات
أحد أكثر المفاهيم الخاطئة السائدة في المجتمَع حول البحث عن وظائف في رمضان هو أن الشركات توقِف عمليات التوظيف، أو إنها تتباطأ. ورغم صحّة القول إن بعض القطاعات قد تشهد انخفاضاً في هذه الناحية، إلّا إن العديد من القطاعات الأخرى تزيد من جهودها التوظيفية خلال هذه الفترة. فبعض القطاعات مثل الضيافة، التجزئة، التجارة الإلكترونية، الخدمات اللوجستية والخدمات الصحيّة تشهد عادة زيادة في التوظيف لتلبية الطلب الذي يترافق مع هذا الشهر.
إلى جانب هذا، فإن الكثير من الشركات تستفيد من هذه الفترة لإنهاء استراتيجيات التوظيف المتعلّقة بالمشاريع التي تلي شهر رمضان. وفي الواقع، اعتبر 69٪ من المهنيين المحترفين الذين شاركوا في استبيان سابق لدى ’بيت.كوم‘ أن أنشطة التوظيف تتزايد خلال الشهر الكريم، وبالأخص فيما يتعلّق بالأدوار في مجالات خدمة العملاء، إدارة سلاسل التوريد، والوظائف المؤقّتة. وعليه، فإن رمضان قد يكون فرصة بارزة لإيجاد عمل جديد بالنسبة للساعين وراء وظائف في هذه القطاعات.
اللقاءات خلال الإفطارات. تغيير لقواعد اللعبة!
رمضان لا يتمحور فقط حول البحث عن وظيفة على الإنترنت أو إرسال الطلبات – بل يجب الاستفادة أيضاً من فرص اللقاءات الفريدة التي يوفرها هذا الشهر. فإفطارات العمل ولقاءات السحور التي تقيمها الشركات تمثّل فرصاً مثالية للقاءات غير الرسمية، وفي الوقت ذاته القيّمة فعلاً. فهذه المناسَبات، التي تحدث بشكل متكرّر في شهر الخير، تولّد أجواءً مريحة للتواصل مع قادة الأعمال في قطاعات مختلفة، بمن فيهم الشركات الباحثة عن موظَّفين وتلك التي قد تقوم بهذا في وقت آخر.
واللقاءات خلال رمضان لا تقوم على تبادل بطاقات العمل فقط، بل على بناء علاقات حقيقية ضمن بيئة تعكس ثقافة المنطقة التي ترتكز على التعاون والثقة. وهذه العلاقات قد تصبح أساسية في فتح المجال أمام فرص وظيفية حقيقية في المستقبَل.
كيفية التفرّد عن الآخرين كباحث عن عمل في رمضان
بهدف تعزيز جهود البحث عن عمل خلال شهر رمضان المبارَك، من المهم جداً اعتماد نهج استراتيجي بهذا المجال. فعلى الباحثين عن عمل البدء بتنقيح سيَرهم الذاتية وتعزيز حضورهم عبر الإنترنت. ضمن هذا السياق، يجب التأكّد من أن السيرة الذاتية تحمل أحدث التفاصيل ومصمَّمة خصّيصاً للأدوار المستهدَفة، وهذا أمر أساسي للتميّز عن البقيّة. كما إن الصبر والإصرار عنصران ضروريان يجب التحلّي بهما خلال هذه الفترة، إذ إن أوقات الاستجابة قد تكون أبطأ بسبب أوقات العمل الأقصر. لكن، يجب أن يستمر الباحثون عن عمل بالتقدّم للوظائف وإجراء متابَعة لاحقة لهذا الموضوع عندما يكون هذا الشيء ملائماً، إذ إن الجهات الموظِّفة تستمر بالنظر في الطلبات وإجراء المقابَلات.
كما تلعب اللقاءات دوراً هاماً خلال الشهر الكريم، كونها توفر بيئة مريحة أكثر للتفاعل مع المحترفين في القطاعات المختلفة. وأكان الأمر يتم عبر المنصّات الإلكترونية أم خلال الإفطارات، فإن هذه الفترة توفر فرصاً قيّمة للتواصل الحقيقي الذي قد يؤدّي لفرص توظيفية مستقبَلاً. علاوة على هذا، يجب التحلّي بمستويات جيدة من الفهم لثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة.
فالباحثون عن وظائف الذين يُظهِرون احترامهم للعادات والتقاليد الرمضانية، مثل الامتناع عن تناول الطعام والشراب خلال ساعات الصيام، وتحديد مواعيد المقابَلات في أوقات ملائمة، وفهم أهمّية الشهر الفضيل، يُمكِن أن يميّزوا أنفسهم عن الآخرين وترك انطباع إيجابي لدى الجهات الموظِّفة.
سوق الوظائف الإماراتي يبقى ديناميكياً
على الرغم من التحدّيات الدولية في أسواق الوظائف، يحافظ سوق العمل في الإمارات على قوّته، حيث تتوفر الكثير من الفرص للمهنيين المحترفين. فالدولة تستمر باستقطاب المهارات العالية ضمن العديد من القطاعات المختلفة، وتقود هذا الأمر المشاريع المستمرّة لتطوير البُنى التحتيّة، والنمو الحاصل في قطاعات التقنيات والشؤون المالية والرعاية الصحّية، إضافة لجهود الحكومة الهادفة لتنويع الاقتصاد أكثر.
حول هذا، قال رامي لبكي، المدير الإقليمي لدى ’بيت.كوم‘: "رمضان هو فترة فريدة بالنسبة للباحثين عن عمل، إذ تبرز خلاله العديد من التحدّيات والفرص في آن. ورغم صحّة أن الأمور تتباطأ بعض الشيء، إلّا إنها فترة تبحث فيها الشركات عن مهارات إضافية. وبالتالي، فإن عنصرَي الصبر والإصرار يلعبان دوراً هاماً، ويجب على الباحثين عن عمل تذكُّر أن العلاقات الشخصية خلال هذه الفترة يُمكِن أن تترك أثراً يدوم طويلاً."
عبر اعتماد النهج الصحيح، يتميّز شهر رمضان بكونه يوفر الوقت اللازم للتطوّر الشخصي، وفي الوقت ذاته يقدّم فرصاً فريدة للتركيز على المسيرة المهنية. فسوق العمل في دولة الإمارات يبقى قوياً، مع استمرار عمليات التوظيف في القطاعات الرئيسية، وشهر رمضان يُمكِن أن يكون وقتاً استراتيجياً للتواصل مع الجهات الموظِّفة وتعزيز فرص البحث عن عمل. من ناحية أخرى، فإن الباحثين عن عمل الذين يتمتّعون بروح المبادَرة والصبر، وفي الوقت ذاته لديهم الوعي الثقافي اللازم، يستطيعون الاستفادة من الفرص المتاحة خلال شهر رمضان المبارك لتعزيز مسيراتهم المهنية والارتقاء بها للأعلى.
0 تعليق