عبدالله بن محمد بن بركة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ولد الشيخ أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة السليمي بين عامي 296 و300هـ فـي صحار، وتلقى العلم عن أبي مالك غسان بن محمد الصَلاني، وأبي يحيى مهنا بن يحيى، وأبي مروان سليمان بن محمد. وهو رفـيق دراسة وصديق للإمام سعيد بن عبد الله الرُحيلي، وفـي مرحلة من حياته قد تكون فـي بداية شبابه انتقل ابن بركة إلى بهلا وفـيها استقر وطاب له المقام بين أهلها الكرام.

وفـي بهلا قرر أن يجعل ماله وعلمه فـي خدمة طلبة العلم من داخل عمان أو من خارجها؛ لأنه كان رجلا ميسور الحال، فبنى مدرسة فـي بهلا وألحق بها سكنًا داخليًا للطلاب، وكان يخصص لكل طالب راتبًا شهريًا، وتكفل بجميع احتياجات الطلبة اليومية. وتخرج من هذه المدرسة عدد من العلماء من عمان ومن بلاد المغرب العربي، ومن العلماء العمانيين الذين تخرجوا من هذه المدرسة علي بن محمد البسيوي، ومحمد بن أحمد بن خالد، ومحمد بن زاهر، ومن بلاد المغرب تخرج أكثر من 70 طالب علم. وشدد ابن بركة على ضرورة تعليم طلابه أصول الدين قبل الفروع، حيث يقول فـي كتابه الجامع: «فالواجب عليه إذا أراد علم الفقه أن يتعرف أصول الفقه وأمهاته ليكون بناؤه على أصول صحيحة، ليجعل كل حكم فـي موضعه، ويجريه على سننه، ويستدل على معرفة ذلك بالدلالة الصحيحة، والاحتجاجات الواضحة، وأن لا يسمي العلة دليلا، والدليل علة، والحجة علة، وليفرق بين معاني ذلك... لأني رأيت العوام من متفقهي أصحابنا ربما ذهب عليهم كثير من معرفة ما ذكرنا، وتكلم عند النظر ومحاجة الخصوم بما ينكره الخواص منهم، وأهل المعرفة بذلك؛ لأنهم ربما وضعوا اللفظة فـي غير موضعها، ونقلوا الحجة على غير حجتها واستعملوها فـي غير أماكنها».

أسهم ابن بركة فـي خدمة مجتمعه عن طريق الوقف، وبناء المساجد، فبنى فـي بهلا مسجد حلة الضرح، ومسجد الخير، ومسجد الشريعة، ومسجد الفحال، ومسجد الوحيد. وأوقف مزرعة غنية بالنخيل والأشجار المتنوعة تدعى أرض المدانة، أوقفها لفقراء المسلمين وللمتعلمين.

وحظي بمكانة علمية كبيرة نظرا لإسهاماته العلمية، وحصل على إشادة واسعة من علماء عمان أو من غيرها من البلاد لـدوره الجليل فـي تأصيل علم الفقه، وتنوع فـي مؤلفاته ما بين علم الفقه الذي أصل وقعد له وعلم الكلام وعلم اللغة والتاريخ.

وعرف عنه شدته وصرامته فـيما يتعلق بالجدل الدائر حول قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي، فتولى ابن بركة زعامة الفكر الرستاقي. ومن أبرز تلامذة الشيخ ابن بركة أبو الحسن علي بن محمد بن علي البسيوي صاحب كتاب الجامع المعروف بجامع أبي الحسن البسيوي، والمختصر فـي المسائل الفقهية ويعرف بمختصر البسيوي.

من مؤلفات ابن بركة كتاب الجامع ويقع فـي مجلدين، ويعد من أهم مؤلفات ابن بركة وحظي بشهرة واسعة كونه من أوائل الكتب الإباضية التي أصل ابن بركة من خلالها الفقه على مستوى التشريع الإسلامي. وكتاب التعارف وهو كتاب حول ما تعارف عليه الناس من موضوعات فقهيه، وكتاب المبتدأ، وكتاب التقييد وهو من الكتب المهمة لابن بركة لأنه يضم مجموعة من المسائل والجوابات بينه وبين شيخه أبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني الصحاري وهو من الكتب التي اعتنى بها طلبة العلم وحرصوا على اقتنائه فها هو عبدالله بن عمر بن زياد بن أحمد يشتريه بألفـي وأربعمائة دينار، واشتراه بهذا المبلغ الباهظ والكتاب غير مجلد والشيخ عبدالله يمتلك نسخة أخرى منه، ولابن بركة كذلك كتاب شرح جامع ابن جعفر وكتاب الإقليد، وكتاب الموازنة وكتب هذا الكتاب فـي الرد على علماء المدرسة النزوانية حول قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي حيث كانت هذه الفترة من أشد الفترات جدالا بين المدرستين، وخاصة من جهة المدرسة الرستاقية التي تزعمها ابن بركة ومن بعده طلابه وكانت مساجلاتهم قوية وفـيها الكثير من التعقيد وتتميز كتابتهم لأنها كتبت بأسلوب علمي رصين.

ومن أهم مؤلفات ابن بركة الجامع، ويعد هذا الكتاب أبرز المؤلفات التي كتبت فـي أصول الفقه والأكثر عمقا معرفـيا. ويقول عنه الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري: «من أشهر مؤلفاته التي اطلعنا عليها هذا الجامع المعروف بجامع أبي محمد، وهو كتاب نفـيس جدا، أفرغ فـي تحرير مسائله وتحقيقها جهده، وصدره بمقدمة عظيمة فـي ذكر أمهات ومهمات أصول الفقه، وبيان الأخبار والأحاديث، وقل أن يذكر مسألة إلا وقد قرنها بالدليل من الكتاب أو السنة، وهذا الجامع يعرف فـي الأثر العماني بالكتاب، فإذا وجدت فـي شيء من كتب المشارقة كبيان الشرع والمصنف قولهم، ومن الكتاب فالمراد بذلك هذا الجامع».

يستفتح ابن بركة جامعه بمقدمه يتناول فـيها الناسخ والمنسوخ، وأسباب تكرار القصص القرآنية، والخطاب القرآني، ويخصص الباب الأول للصلاة بجميع أنواعها والوضوء، أما الباب الثاني فهو باب الزكاة، ثم باب الصيام ومسائله، ثم باب الحج، بعدها يتناول مسائل إيمانية، ثم الكفارات والزواج والطلاق، ثم الجهاد وأحكامه.

يبدأ ابن بركة الباب بعرض المسألة بأسلوب خبري، ثم يدعم ذلك بما يؤيده من القرآن والسنة النبوية، ثم يقدم ما يتوافق مع هذه المسألة من الآراء، من الإجماع والقياس ويناقش ذلك نقاشا علميا ويوضح ما يتوافق مع رأيه من عدمه.

أشاد نور الدين السالمي بأسلوب ابن بركة فـي طرح القضايا الفقهية حيث قال: «وعلى طريقة الصدر الأول من الصحابة والتابعين قد جرى جل سلفنا من أهل عمان فتراهم يحكمون بالخاص فـي موضع الخصوص، وبالعام فـي موضع العموم، وبالمطلق فـي موضع الإطلاق، وبالمقيد فـي موضع التقييد، وهكذا من غير أن يذكروا نفس العبارات التي اصطلح عليها أهل الفن وربما ذكرها بعضهم كابن بركة».

لا يُعرف تاريخ موت ابن بركة على وجه الدقة ولكن تقدر وفاته بين 342هـ و355هـ، ودفن فـي بهلا. ودفن رحمه الله بجوار مدرسته، ولقد بنى عبدالله بن عمر الخفـيري من أعيان القرن الحادي عشر الهجري ضريحًا على قبر ابن بركة، وأوقف له أوقافا تدفع لصيانة الضريح ولتعليم القرآن فـي مسجد الخير.

عاش ابن بركة حياة قضاها فـي خدمة العلم من خلال مدرسته، ومن خلال مؤلفاته التي تميزت بالعمق المعرفـي، ويقول عنه العوتبي: «ومنهم - أي من بني سُليمة - الشيخ أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة العالم -رحمه الله- وهو العالم المشهور، وهو البليغ المذكور، صاحب الكتاب الجامع، وكتب التقييدات، ومسائل أصول الدين، وغير ذلك من مسائل فروع الحرام والحلال». أما الدكتور محمد حسام الدين وكيل الأزهر الأسبق فـيقول عن ابن بركه: «الشيخ العلامة أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة، وهو إمام مجتهد يستقل بتأصيل الأحكام، لم أر بيانا أشبه ببيان الشافعي من بيان هذا الشيخ فهو كأنما ينظم الدر وينثر الحكمة».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق