"شعراء فلسطين في ثورتها القومية".. مرجع تاريخي وثقافي للمؤرخين والباحثين

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان– يشكل كتاب "شعراء فلسطين العربية في ثورتها القومية" للكاتب إبراهيم عبد الستار، محطة مهمة في دراسة الشعر الوطني الفلسطيني في فترة كانت مليئة بالتقلبات والأحداث المصيرية. حيث يتناول هذا الكتاب مجموعة من الشعراء الفلسطينيين الذين كان لهم دور محوري في حث الشعب الفلسطيني على النهوض والانتفاض ضد الاستعمار البريطاني والاحتلال الصهيوني. اضافة اعلان
من خلال تحليل الشعر الوطني، يقدم الكتاب صورة واضحة عن الروح الثورية التي سادت تلك الفترة، وكيف كان الشعر وسيلة لتعميق الوعي القومي الفلسطيني.
صدر الكتاب ضمن برنامج الحفاظ على الرواية، الذي تصدره وزارة الثقافة الفلسطينية، وفي إطار سلسلة الموروث الثقافي، في ظل التحديات الكبرى التي مر بها الشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل، وبرز الأدب والفن من الوسائل الأساسية التي عبرت عن معاناة هذا الشعب وآماله وطموحاته. من بين هذه الألوان الأدبية، كان الشعر أحد أقوى الأدوات التي استخدمها الشعراء في فلسطين لتوجيه الوعي الوطني والتحفيز على الثورة ضد الاحتلال والاستعمار.
وقد أهدى المؤلف كتابه إلى "قلب العروبة الخفاق، وركنها الركين: فلسطين الثائرة، وأحرارها المناضلين"، الذي يعد إضافة مهمة إلى الأدب الفلسطيني ويقدم مرجعا تاريخيا وثقافيا للمؤرخين والباحثين، كما يعكس الجهد الذي بذله المؤلف.
رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن، كتب تقديما للكتاب يقول فيه: "إن أرض فلسطين لم تكن يوما قاحلة، بل كانت أرضا معطاءة، وكان أبناؤها وبناتها مبدعين في الشعر والقصة والرواية والمسرح والموسيقا والسينما والعلوم الاجتماعية والفكر والفلسفة. إن هذه الكوكبة من الكتب التي نعيد إصدارها اليوم، تقدم باقة من هذه الإبداعات التي تكشف عن عظمة هذا الشعب، وحبه للثقافة والمعرفة".
وكانت فلسطين تزخر بالمطابع والمكتبات والصحف والمجلات والمسارح ودور السينما والمراكز الثقافية والمدارس والمعاهد، وكانت منارة يهتدي إليها المبدعون من كل حدب وصوب، ويتوافد إليها طلبة العلم وللمشاركة في الحياة الثقافة التي كانت تزدهر بها. إننا نعتز بتراثنا الثقافي الذي أبدعه أجدادنا، ونعمل على الحفاظ عليه، كما نريد لكل الأجيال القادمة أن تقرأه، وتعتز به، وتبدع كما أبدع أسلافنا.
أما كلمة الهيئة الإدارية للمشروع فقد كتبها إبراهيم عبد المجيد حماد، يبين فيها أن هذا الكتاب ليس إلا توطئة لتاريخ الحركة الأدبية وأقطابها من الشعراء المجلين الذين ساهموا في إثراء الحياة الوطنية، وهز الوعي القومي، وحث الشعب على العمل المجدي والذود عن الحمى. لافتا إلى أن هذا الكتاب ليس سجلا شاملا يبحث الكاتب فيه أو ينقب عن مآثر جميع شعراء الثورة في مواقفهم الخطابية وأعمالهم الأدبية، ولكنه يشمل عرضا موجزا مفصلا ومرجعا للمؤرخين في الأدب العربي حول ثورة فلسطين القومية.
لقد تناول الستار هذا الموضوع في ظرف عصيب، ونحن في أشد الحاجة إلى الأدب الشعري الذي يشحذ الهمم، لا الأدب المتخاذل المتمايع. نحن بحاجة إلى تمجيد الثرى الذي دَرج عليه الأنبياء والمجاهدون، كما أننا في أمس الحاجة إلى تجديد ذكرى ثورة فلسطين الدامية، وإحياء الروح الوطنية الخالصة، وتخليد من استشهدوا في ساحة الجهاد من الأبطال المغاوير الذين تركوا بصمات نور اليقين لنسترشد بها في دُجى الأيام المظلمة. إننا إذ نقدم رئيس هذا النادي؛ الأستاذ إبراهيم عبد الستار في هذا الكتاب، فنحن نعتقد جازمين أننا نقدم واجبا مجديا في خدمة التراث الأدبي العربي، وشعرنا الذي يعد واحة للآداب العربية المكرمة.
وعن "شعراء الثورة"، يقول الستار: "إن 1936، عام لا شك في أنه كان فاصلا في تاريخ فلسطين العربية من جميع نواحيه، ما كان منها متصلا بالآداب أو بالعلوم، وما كان منها متصلا بالاجتماع والسياسة. نحن هنا معنيون بالالتفات إلى موضع الفصل في ذلك العام في مجال الآداب العربية في فلسطين وهي جزء من القطر العربي، وتحديدا بنوع من تلك الآداب في فلسطين، وهو الشعر. فهل يمكننا أن نقول إن فلسطين العربية أنجبت شعراء للثورة؟ الجواب: نعم وبكل تأكيد، إذ إنه لو قارنا بين فلسطين وغيرها من الأقطار العربية بصدد ما أنتجه شعراء كل بلد، فيما يتعلق بتطوير الشعب نحو ثورة جامحة ذات هدف واحد، يحرره من أغلال الماضي، لما رأينا إنتاج الشعراء في هذا القطر يقل في الكيف أو الكم عن إنتاج شعراء الأقطار الأخرى.
لكن الأمر يختلف بين شاعر وآخر من شعراء فلسطين، من حيث المقدار الذي ساهموا فيه في حركة الثورة العربية في بلادهم. فمنهم من كان يعمل دائما قبل اندلاع نيران الثورة على إيقاظ الوعي الوطني القوي، بشكل جلي وواضح، ومنهم من كان يلفت الأنظار إلى الأخطار المحدقة بالوطن، ويؤكد أن العلاج الوحيد لقضية فلسطين هو الثورة، والثورة لا غير.
ومن بين هؤلاء، الشاعران "محمد حسن علاء الدين، وإبراهيم طوقان". ونحن، مع الأسف، عندما نتحدث عن هذين الشاعرين في هذا الصدد، نجد أن أحدهما لا يمثل في هذا العالم بعد أن انتقل إلى العالم الآخر بعيدًا عن أعوام الثورة، وهو إبراهيم طوقان. أما الآخر، فهو يعيش بين ظهراني وطنه وحماه حتى هذه اللحظة، وهو محمد حسن علاء الدين.
في الأعوام التي سبقت الثورة، كما نرى في الصحف الفلسطينية والعربية بشكل عام، كان الإنتاج الشعري غالبا بعيدا عن الجو الوطني الذي كانت تتطلبه فلسطين العربية، وكثيرا ما كان يبتعد عن الإصلاح الوطني المنشود في قلب هذا القطر. ففي حين كان الشاعر محمد حسن علاء الدين يكتب قصائده الوطنية في الأعوام 1932، 1933، 1934 و1935، مهيبا بوطنه وسماء فلسطين العربية، داعيًا إلى أفق من الحرية، بل التضحية وبذل الأنفس، بينما كان يعارك في جو الحضر القاتم أشباح الرحيل التي كانت تتراءى له عندما يلقي بنظره إلى وضع فلسطين العربية. كان إبراهيم طوقان في الوقت ذاته يهيب هو بدوره أيضًا لمواطنيه، إلى تدفع من الآباء وتمزيق القيود الأجنبية التي تكبل وطنهم وحماه، فلسطين العربية.
في مقدمة الكتاب، يقول الستار: "نرى فلسطين الآن، وفيها أنوار تتلمس الحقيقة واليقين، وفيها تحفز إلى تيار الحياة، يرسو بسفينتها على شاطئ من المثل الأعلى. نرى فيها صراعا بين أمواج الظلام الاستعماري وظلام القوى الرجعية الجامدة المتحجرة أمام مواقع الفكر من ناحية، وبين قوى النور الهادفة إلى بعث حياة جديدة تتواكب مع مثل العالم المنشود، الذي يضع لكواكبنا رواسي راسخة من الحياة الثرية في مثلها وأمثالها".
ويرى المؤلف أن فلسطين العربية كانت ذات قومية راسخة. وقد يساعد على فهم هذه الناحية من القومية العربية في فلسطين من يريد الوقوف على الدوافع القومية التي تجعل من مواطني هذا القطر الآن قادة وحماة له، لا يستهينون بشيء منه. كما أن ما مر على فلسطين من كوارث قومية وسياسية، مما أشرنا إليه في هذه المقدمة، يساعد على فهم تراجع بعض الأفراد فيما يتعلق بضياع فلسطين. لكن الكفة راجحة مع القسم القائد لا مع القسم المستسلم، وستبقى راجحة بل سيزداد تأثيرها.
ولا ريب في أن الحياة الثقافية، وأخص بالذكر الحياة الفنية، ساعدت على تأجيج نزعات المحافظة في نفوس الشعب العربي في فلسطين. وما سيطلع عليه القراء من هذه المنتخبات الشعرية أثناء استعراض الجهاد وشعراء الثورة يدل على ذلك أبين دلالة، ويشير إشارة لافتة إلى أن الفن العربي الفلسطيني، والشعر بشكل خاص، قد اضطلع بما يضطلع به الفن الباعث المنقذ.
وخلص المؤلف إلى أن القارئ سيطلع من خلال هذا الكتاب الذي يقدمه، إلى الأمة العربية في فلسطين وفي الأقطار العربية الأخرى، ليروا ما هو في وسع الفن أن يوطده في حقل القومية، المتمسكة بأداء رسالتها، التي يستمر تأثيرها على مدى العصور والأجيال.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق