القاضي يحيى بن سعيد النزوي

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. بدرية بنت علي الشعيبية

أبو زكريا يحيى بن سعيد النزوي عاش في القرن الخامس الهجري بعقر نزوى، يقال أنه شقيق القاضي علي بن سعيد بن قريش النزوي، إلا أنه لا يوجد ما يؤكد في المصادر على ذلك، ولكن من خلال تصفح مؤلفات الشيخ يحيى يتضح أنه كان معاصرا للقاضي علي بن سعيد بن قريش وأنه أكبر منه سنا، وكان يقدره ويذكر أقواله في القضاء بطريقه يتضح من خلالها الاحترام الذي يكنه له بحكم خبرته الطويلة في القضاء.

وللقاضي يحيى بن سعيد مراسلات مع قضاة عصره كالقاضي أبو سليمان هَداد بن سعيد والقاضي محمد بن عمر بن أبي الأشهب، وله رسالة إلى محمد بن طالوت النخلي، وإلى أهل حضرموت.

عاش الشيخ القاضي يحيى بن سعيد في فترة زمنية اتسمت بغزارة المؤلفات العلمية والفقهية، وللشيخ سعيد عدد من المؤلفات منها كتاب الإمامة وهو كتاب مفقود، وله كتاب آخر وهو "الإيضاح" ويعرف أيضا بكتاب "أحكام أبي زكريا" أو "جامع أبي زكريا". وتميز القرن الخامس أيضا بقوة الإمامة السياسية فلقد عاصر الإمام راشد بن سعيد اليحمدي والإمام الخليل بن شاذان والإمام راشد بن علي الخروصي.

حرص القاضي يحيى بن سعيد على التخصص في التعليم، فتفرغ لتدريس طلاب القضاء دون غيرهم، وتدريبهم على هذا المجال. ومن بين تلاميذه محمد بن إبراهيم الكندي، الذي نقل عنه أبياتًا في الخلع، وأخرى في عيوب الدواب.

من أهم مؤلفات الشيخ أبو زكريا كتاب "الإيضاح" وكما أشرنا سابقا فهو أول كتاب عماني يصل إلينا متخصص في القضاء وأحكامه وشروطه، يقع الكتاب في أربعة أجزاء، ويذكر القاضي يحيى في مقدمة كتابه السبب في تأليفه لهذا الكتاب وهو تسهيل مهمة طلاب العلم من القضاة، لأنه درس جميع كتب القضاء فوجدها كثيرة ومتشعبة فأحب أن يكتب كتاب يختصر فيه النقاط الرئيسة في القضاء تسهيلا على طلابه، وفي ذلك يقول:" ولما كانت الأحكام في الدين قائدة، وعلى مناهج العلوم واردة، ولطلاب الفوائد زائدة،... وكانت الضرورات إلى علمها داعية، ولأهل زماننا عانية،... فرأيت أن اختار من كل أثر من العلماء السالفين والفقهاء المتقدمين، ما خف على المتعلمين، ووضح مدرجه للسائلين".

وفي فصل ما لا يجوز للقضاة قال أبو زكريا:" ومن السنة ألا يُجلِس القاضي أحدا من الخصماء قريبا منه ولا يساره، ولا يمازح أحدا، ولا يقضي القاضي وهو مريض لان المريض يذهب ذهنه، ولا يرفع الحاكم صوته بما لا يرفعه على الآخر". وبعد هذا الفصل يستعرض أبو زكريا تاريخ القضاء وتطوره، ثم يكتب في أحكام الشهود وبعد أن يذكر الشروط الواجب توفرها في الشهود، يقدم قصص متنوعة حول بعض القضايا التي تخص الشهود، ثم يذكر أحكاما عامة حيث يقول:" ولا شهادة من يلعب بالحَمَامَ، ولا شهادة من يترك الجمعة إلا بعذر، ولا شهادة من لا يشهد الصلوات في جماعة مع الناس إلا بعذر، ولا شهادة من يعق والديه أو أحدهما، ولا شهادة من به سعة من المال وقد بلغ سنا ولم يحج وليست به علة".

ثم يتناول القاضي يحيى بن سعيد موضوع المواريث وفصل فيها. وفي الجزء الثاني كتب عن القضايا المتعلقة بالأيتام والمُفلس وفي الديَن والحق المشترك، وفي الدعوى وبعض القضايا المتعلقة بالنواحي الإيمانية، والجزء الثالث في توفيق القاضي الأموال وفي الشراء والهبة والصدقة والجزء الرابع والأخير ففي الوكالة والقضايا المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

استعان أبو زكريا في كتابة هذا الكتاب بعدد من المؤلفات مثل كتب أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي، وأبي الحواري، وأبو بكر أحمد بن محمد بن خالد، ومحمد بن محبوب الرُحيلي، محمد بن عبدالله بن بركة السليمي، وابن جعفر الإزكوي. واستعان كذلك بأهم الأحداث في عصره وبمن عاصر من القضاة.

مات القاضي يحيى بن سعيد مقتولا سنة 472هـ/ 1079 م ولا يُعرف قاتله ولا سبب مقتله. ويبدو أن قتله كان بسبب اضطراب الأوضاع السياسية في تلك الفترة. حيث لم يكن هو القاضي الوحيد الذي قتل خلال هذه الفترة حيث قتل كذلك القاضي أبي عبدالله محمد بن عيسى السري في عام 504 هـ في نزوى حيث وجد مقتولا على طريق مسجد العباد، ولم يعرف قاتله. ويبدو أن للاضطرابات السياسية الناتجة عن الصراع السياسي بين المدرستين الرستاقية والنزوانية، والصراع الدائر حول شرعية بعض الأئمة كالإمام راشد بن علي دور في حوادث القتل هذه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق