كيفن جيبيلي*
تستهدف تهديدات دونالد ترامب بالرسوم الجمركية التمييز ضد الابتكار الأمريكي، ويستشهد المشرعون الأمريكيون بقانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي بصفته دليلاً، في وقت تُتابع فيه البلاد قضايا مكافحة الاحتكار الخاصة بها في مجال التكنولوجيا.
وتُبرز هذه التوترات حقيقة مقلقة مفادها بأن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار أصبح مُسيّساً، وكما أقرّ نادي الدول الديمقراطية المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومقره باريس، منذ فترة طويلة، فإن تسييس إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار يُقلّل من ديناميكية الأسواق وتنافسيتها وكفاءتها، ما يُلحق الضرر بالمستهلكين في نهاية المطاف. ويُمكن تجنّب هذه النتيجة إذا عمد القادة الأوروبيون والأمريكيون على حد سواء على نزع الطابع السياسي عن هذه القوانين وتركيز دورها على جعل الأسواق تعمل لصالح المستهلكين.
وليس سراً أن قانون الأسواق الرقمية الأوروبي يستهدف عدداً من شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، وقد فتحت المفوضية الأوروبية العام الماضي تحقيقات مع «غوغل» و«أبل» و«ميتا»، ومن المتوقع صدور قرارات عدم الامتثال خلال الشهر المقبل، وقد تصل الغرامات إلى مليارات الدولارات.
وخلال زيارته الأخيرة إلى أوروبا، انتقد نائب الرئيس، جيه دي فانس، الإفراط في التنظيم الأوروبي، وأرسل المشرعون الأمريكيون رسائل يطلبون فيها إجابات من نظرائهم الأوروبيين. ورداً على ذلك، قالت المفوضية الأوروبية: «معايير تصنيف الشركات بصفتها جهات حراسة تستند إلى عتبات محددة بموضوعية وشفافة. ولا تسمح هذه المعايير للمفوضية بالتمييز ضد أي شركة بناء على موقعها الرئيسي».
المثير للدهشة ليس اعتراض الولايات المتحدة الآن، بل عدم اعتراض الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس بايدن. فعلى الرغم من إطلاق إدارة ترامب الأولى، وخلفها بايدن، عدداً من إجراءات مكافحة الاحتكار في مجال التكنولوجيا، إلا أن هذه الإجراءات كانت خاضعة لمعايير الإثبات المعمول بها. وقد أُسقط بعضها في المحكمة. وما لم يفعلوه هو إعادة صياغة القانون ليصير من غير القانوني لهذه الشركات الانخراط في سلوك داعم للمنافسة، كما يفعل قانون الأسواق الرقمية الأوروبي.
لقد حذّر بعض صانعي السياسات الأوروبيين من التداعيات التجارية لقانون الأسواق الرقمية، معتبرين إياه حمائية. وبفضل إدارة بايدن التي انتهجت سياسة عدم التدخل، اعتمد المشرّعون الأوروبيون التشريع في وقت قياسي. ومثّل اعتماده ذروة فترة ضغطت فيها الجهات التنظيمية على حكوماتها للحصول على مجموعة واسعة من الصلاحيات الجديدة الشاملة للتدخل في الأسواق.
وكانت الحسابات السياسية واضحة، وهي أن قمع عمالقة التكنولوجيا سيحظى بشعبية كبيرة ويكسب الأصوات. لكن لم تُفلح هذه الحسابات السياسية مع الديمقراطيين، أو مع السياسيين في أماكن أخرى. وأدلى الناخبون بأصواتهم حول الاقتصاد، وليس حول الغضب من التكنولوجيا.
في أوروبا، تستهدف ردود الفعل المتنامية الآن اللوائح التنظيمية المرهقة. والحقيقة أن أفضل طريقة لضمان الديمقراطية هي ضمان اقتصاد متنامٍ يتمتع فيه الجميع بفرص متساوية وتوزيع عادل للمكاسب. ولا يبدو أن هذا ما يفعله قانون الأسواق الرقمية.
في غضون ذلك، لا يمكن لمكافحة الاحتكار أن يحل محل السياسة الصناعية. والمدير العام للمفوضية الأوروبية، أوليفييه غيرسنت، مُحق عندما يقول إن مكافحة الاحتكار «مجرد هراء». كما لا ينبغي للجهات المسؤولة عن إنفاذ قوانين المنافسة فرض أحكامها على من ينبغي أن يكون الفائز في المنافسة السوقية، فهذه ليست منافسة قائمة على أسس موضوعية. وقد أكدت عقود من الفقه القانوني هذه النقطة، واستخدامها لتحقيق أهداف سياسية أخرى هو خطأ.
ومن المُقلق أيضاً رؤية إنفاذ قوانين المنافسة في الولايات المتحدة يُستخدم الآن لتحقيق أهداف سياسية، مثل تقييد التنوع في الشركات ومبادرات الإنصاف والشمول، أو لمنح الشركات ذات الصلة ميزة تنافسية. وعندما يتحدث الجمهوريون عن الرقابة ويهددون بالإنفاذ، فإن ذلك يُسيّس مكافحة الاحتكار. فإنفاذ قوانين المنافسة الذي يُعطي الأولوية للسياسة أو المنافسين على حساب المستهلكين، لا يُعد تجسيداً للمنافسة. ونتيجة لهذا المعيار، فشل إنفاذ قانون الأسواق الرقمية الأوروبي.
ولو استمر إنفاذه في الإضرار بالمستهلكين، فسيفقد شرعيته بصفته أداة للأسواق العادلة والتنافسية. وبدلاً من تعزيز المنافسة، انزلق القانون نحو الحمائية، في محاولة لإملاء نتائج السوق. وبينما يدعو بعض الأوروبيين إلى تعزيز دور السياسة الصناعية في إنفاذ قوانين المنافسة، فإن التهديد بالانتقام التجاري هو النتيجة الطبيعية.
إن قانون الأسواق الرقمية الأوروبي غامض، ولا علاقة له بأهدافه المشروعة، وسيُثبت أن معاقبة شركات التكنولوجيا الأمريكية هي الهدف. لذا، ينبغي على المتنفذين على جانبي الأطلسي اتخاذ قرارات تُحسّن أداء الأسواق لصالح المستهلكين، وتبرير هذه القرارات بالأدلة، ومعاقبة أي تقصير بشكل متناسب ومتّسق. كما يجب أن تكون مكافحة الاحتكار موضوعية، ومُركزة على المستهلك، ومصممة لحماية منافع المنافسة، بدلاً من أن تكون سلاحاً سياسياً.
*محامٍ متخصص في قضايا المنافسة، ومدير شؤون أوروبا في جمعية «تشامبر أوف بروغرس»* مركز تحليل السياسات الأوروبية
0 تعليق