شدني كثيرا تعليق الإعلامي طوني خليفة بمناسبة الاحتفاء بيوم الأم عبر قناة المشهد، والذي حمل مضامين إنسانية عميقة، بوعي سياسي مدرك لحجم المأساة التي تعيشها كثير من الأمهات العربيات في فلسطين ولبنان وسوريا وباقي أرجاء وطننا العربي المكلوم، فإلى من نتوجه بالمعايدة والكلام لطوني خليفة، هل نتوجه بالمعايدة للأم الشهيدة، أو للأم الثكلى، أو للأم الأرملة، أو للأم المناضلة التي تختزل كل ما سبق.
حقا ما أصدق ما قال في ظل أوقات عصيبة يعيشها الإنسان العربي المكلوم، وتعيشها الأم الحزينة الصامدة أمام التوحش الإسرائيلي الجاري تنفيذه برضا وموافقة الولايات المتحدة وعديد من الحكومات الغربية، والتي لم تزل داعمة ومبررة لمختلف الجرائم التي ترتكبها حكومة نتنياهو، التي تمعن في جريمة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني الضعيف في غزة.
الأم هي الحصن الحصين، والحضن الدافئ لكل من يرجو أمانا، والقوة الكامنة في الوجود، والأم العربية هي من هزمت العدوان الغاشم بصبرها وجلدها وعزتها وثقتها بالحق الذي لا يتزعزع، إنها الوطن الشامخ الذي لم يقهر، والجبل الصلد الذي لم يهتز في ظل كل الظروف العصيبة التي مر بها وطننا العربي منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم.
لقد أثبتت الأم العربية عبر مختلف القرون بأنها السيدة السند لأولادها، الوفية بشموخ لأهلها، الصامدة بمشاعرها أمام كل من يريد كسرها، الحامية لظهورهم، والداعمة بإخلاص لاحتياجاتهم، فكان أن نشأت أجيال عربية رصينة في تكوينها، قوية في ذاتها، مؤمنة بقيمها وأصالتها، تعرف ما لها وما عليها، ويدرك كل جنس فيها من ذكر وأنثى بوظيفته الحياتية التي أرادها الله منذ ابتداء الخلق والتكوين، حتى إذا أخذ الميزان في الاختلال بدأنا نعيش أزمات متتالية، سمتها التيه والضياع، وهو ما جناه العالم من فكر ومبادئ دعاة النسوية، الذين يشددون على فكرة المساواة المطلقة بين الجنسين، وليس العدل الكامل بين الجنسين، وبينهما فرق كبير.
على أن الأعجب حين بلغت الوقاحة منتهاها، ليأتي من يشرع ويقنن للخلط بين الوظائف الحيوية للإنسان، فيدعو إلى تمييع صفة الجنس البشري ابتداء، ليكون ذلك مدخلا للشذوذ الذي أراد الشيطان تعميمه في عالمنا اليوم بحجة الحداثة الإنسانية، وهو أمر يجب التكاتف إنسانيا لمحاربته ومنع انتشاره. وحتما فكل ذلك قد تشكل من تسيد أفكار الفردانية القاتلة في ثنايا مجتمعاتنا الإنسانية، التي أفرغت كل شيء من محتواه، وحولت الإنسان (ذكرا وأنثى) إلى آلة ميكانيكية، وتم ذلك باسم تنمية الاقتصاد، وباسم الانتصار غير الواعي للمرأة بما عرف بظاهرة النسوية، وهكذا كان السبيل لقتل مضامين الأم في حياتنا، لنعيش عالمنا من دون أم رؤوم، وبالتالي دون إحساس بمضامين وطن قيمي كبير. والله المستعان.
0 تعليق