في فيلمه "حيث كنت"، يقدم المخرج الأردني محمد كوطة تجربة سينمائية تبحر في أعماق فكرة التواصل الإنساني المفقود في عصرنا الحالي.
يرى كوطة الذي يشارك فيلمه في مسابقة الأفلام القصيرة في أيام قرطاج السينمائية في دورتها الـ35، أن التواصل هو جوهر الوجود البشري، وهو ما انعكس بوضوح في تفاصيل العمل. الفكرة، كما يصفها، ولدت من حياته الشخصية وتجارب جعلته يتساءل عن تأثير غياب التواصل الحقيقي في زمن تختزل فيه العلاقات إلى سطحيات عابرة وسط إيقاع الحياة المتسارع.اضافة اعلان
يركز الفيلم على العلاقة بين آدم؛ الشاب الذي يعاني من الوحدة والتعقيدات العاطفية، وسميرة؛ المرأة التي تجاوزت سنوات العمر الثقيلة بحكمة وصمت. هذه العلاقة تمثل، بالنسبة لكوطة، قدرة البشر على تجاوز الاختلافات الظاهرة من عمر أو جنس، وبناء جسور من القبول والإنصات بين الأجيال المختلفة. العلاقة ليست مجرد حبكة درامية؛ بل هي مرآة تعكس حاجتنا الأساسية إلى فهم الآخر والتواصل معه بصدق.
كوطة، الذي يتميز بحس بصري مرهف، اختار الصمت كلغة بديلة في الفيلم. السكون هنا ليس فراغاً؛ بل هو أداة لإبراز عمق المشاعر وتعقيد الشخصيات. المشاهد، المصممة بعناية، تعكس عوالم داخلية متشابكة، بينما الإيقاع البطيء يعطي الجمهور فرصة للغوص في تفاصيل الشخصيات ومشاعرها. يطلب كوطة من المشاهدين أن يتواصلوا مع أنفسهم أولاً، قبل أن يمدوا جسور التواصل مع غيرهم.
أداء الممثلين كان محوراً رئيسياً لنجاح الفيلم. عمل كوطة على توجيه فريقه من خلال تدريبات مكثفة استلهمت من مراجع موسيقية وسينمائية. هذا التوجيه لم يُلغِ مساحة الإبداع الشخصي؛ بل سمح للممثلين بتقديم أداء نابض بالعفوية. ويُذكر كوطة لحظة خاصة خلال التصوير، حين ارتجل أحد الممثلين مشهداً، فأضاف أبعاداً غير متوقعة للشخصية، مما أضفى واقعية مؤثرة على العمل.
أما البطل فارس البحري، الذي جسد شخصية آدم، فكانت الرحلة إلى أعماق الشخصية محاطة بالتحديات. فارس يرى أن الشخصيات التي تحمل بداخلها الوحدة أو الاكتئاب هي انعكاس لتعقيدات إنسانية يعيشها كل فرد يومياً. استرجع فارس لحظات شخصية من الوحدة والكآبة ليتمكن من فهم مشاعر آدم وتقمصها بصدق. هذه الرحلة الداخلية كانت صعبة، لكنها أثمرت عن أداء صادق يلمس كل من عاش تجارب مماثلة.
الانسجام بين فارس وريم، التي جسدت دور سميرة، لعب دوراً كبيراً في بناء علاقة مؤثرة بين الشخصيتين. فارس يصف ريم بأنها تملك قدرة فريدة على خلق أجواء من الدفء والراحة، ما جعل التحول من غريبين إلى صديقين أمام الكاميرا أمراً طبيعياً. آدم وجد في سميرة عائلة مفقودة، بينما رأت هي فيه شيئاً من أبنائها الغائبين؛ موسيقا المشاعر هذه هي التي أعادت بناء عالميهما المنفصلين.
الموسيقا في "حيث كنت" ليست مجرد خلفية تزين المشاهد؛ بل هي عنصر أساسي يعيد إحياء الذكريات ويعمق العلاقة بين آدم وسميرة. كانت الموسيقا مفتاحاً لربط عالمي الشخصيتين، وكأنها لغة تعبر عما عجزت الكلمات عن قوله.
خلال التصوير، تأثر فارس بمشاهد عدة تعالج قضايا اجتماعية تمس الواقع اليومي؛ من الوحدة، إلى الشيخوخة، إلى ألزهايمر والإهمال العاطفي. كل مشهد كان بمثابة نافذة تطل على حياة أشخاص يعيشون هذه المشاكل بصمت.
ورغم ما يحمله "حيث كنت" من عمق إنساني وفني، يبقى العمل متأثراً ببعض ثقل الإيقاع البطيء الذي قد يبعد شريحة من المشاهدين عن التفاعل مع الأحداث. كوطة، رغم حسه البصري المرهف، أحياناً يطيل المشاهد التأملية على حساب دفع الحبكة للأمام، مما يخلق
تكراراً في بعض اللحظات.
كذلك، فإن اختيار الصمت كلغة أساسية للفيلم يعد خطوة جريئة، لكنها تتطلب إيقاعاً محكماً يوازن بين التأمل والتقدم الدرامي. هذا التحدي، وإن نجح في إبراز عوالم الشخصيات، قد يُشعر الجمهور أحياناً بفقدان عنصر المفاجأة أو التغيير المطلوب في السرد.
تجربة فارس في "حيث كنت" جعلته يعيد التفكير في قضايا مثل الصحة النفسية وأهمية التواصل الإنساني. يرى أن السينما يجب أن تسلط الضوء على هذه المواضيع بحساسية وعمق، وهو ما يجعل أدواره القادمة تميل نحو الشخصيات التي تحمل رسائل إنسانية. فارس كشف عن مشروعه المقبل، الذي سيصدر في أوائل 2025، معتبراً إياه نقلة نوعية في مسيرته.
"حيث كنت" يحمل رسالة بسيطة وعميقة: أن التواصل الحقيقي هو الخلاص الوحيد من الوحدة التي تحيط بنا. من خلال مزيج من الصمت، الموسيقا والأداء العاطفي الصادق، ينجح محمد كوطة في خلق مساحة سينمائية تشبه الحياة. فيلمه يذكرنا أن الأمل قد ينبعث من أبسط اللحظات، وأن العلاقات الإنسانية الصادقة هي الضوء الذي قد يبدد عتمة العزلة.
يرى كوطة الذي يشارك فيلمه في مسابقة الأفلام القصيرة في أيام قرطاج السينمائية في دورتها الـ35، أن التواصل هو جوهر الوجود البشري، وهو ما انعكس بوضوح في تفاصيل العمل. الفكرة، كما يصفها، ولدت من حياته الشخصية وتجارب جعلته يتساءل عن تأثير غياب التواصل الحقيقي في زمن تختزل فيه العلاقات إلى سطحيات عابرة وسط إيقاع الحياة المتسارع.اضافة اعلان
يركز الفيلم على العلاقة بين آدم؛ الشاب الذي يعاني من الوحدة والتعقيدات العاطفية، وسميرة؛ المرأة التي تجاوزت سنوات العمر الثقيلة بحكمة وصمت. هذه العلاقة تمثل، بالنسبة لكوطة، قدرة البشر على تجاوز الاختلافات الظاهرة من عمر أو جنس، وبناء جسور من القبول والإنصات بين الأجيال المختلفة. العلاقة ليست مجرد حبكة درامية؛ بل هي مرآة تعكس حاجتنا الأساسية إلى فهم الآخر والتواصل معه بصدق.
كوطة، الذي يتميز بحس بصري مرهف، اختار الصمت كلغة بديلة في الفيلم. السكون هنا ليس فراغاً؛ بل هو أداة لإبراز عمق المشاعر وتعقيد الشخصيات. المشاهد، المصممة بعناية، تعكس عوالم داخلية متشابكة، بينما الإيقاع البطيء يعطي الجمهور فرصة للغوص في تفاصيل الشخصيات ومشاعرها. يطلب كوطة من المشاهدين أن يتواصلوا مع أنفسهم أولاً، قبل أن يمدوا جسور التواصل مع غيرهم.
أداء الممثلين كان محوراً رئيسياً لنجاح الفيلم. عمل كوطة على توجيه فريقه من خلال تدريبات مكثفة استلهمت من مراجع موسيقية وسينمائية. هذا التوجيه لم يُلغِ مساحة الإبداع الشخصي؛ بل سمح للممثلين بتقديم أداء نابض بالعفوية. ويُذكر كوطة لحظة خاصة خلال التصوير، حين ارتجل أحد الممثلين مشهداً، فأضاف أبعاداً غير متوقعة للشخصية، مما أضفى واقعية مؤثرة على العمل.
أما البطل فارس البحري، الذي جسد شخصية آدم، فكانت الرحلة إلى أعماق الشخصية محاطة بالتحديات. فارس يرى أن الشخصيات التي تحمل بداخلها الوحدة أو الاكتئاب هي انعكاس لتعقيدات إنسانية يعيشها كل فرد يومياً. استرجع فارس لحظات شخصية من الوحدة والكآبة ليتمكن من فهم مشاعر آدم وتقمصها بصدق. هذه الرحلة الداخلية كانت صعبة، لكنها أثمرت عن أداء صادق يلمس كل من عاش تجارب مماثلة.
الانسجام بين فارس وريم، التي جسدت دور سميرة، لعب دوراً كبيراً في بناء علاقة مؤثرة بين الشخصيتين. فارس يصف ريم بأنها تملك قدرة فريدة على خلق أجواء من الدفء والراحة، ما جعل التحول من غريبين إلى صديقين أمام الكاميرا أمراً طبيعياً. آدم وجد في سميرة عائلة مفقودة، بينما رأت هي فيه شيئاً من أبنائها الغائبين؛ موسيقا المشاعر هذه هي التي أعادت بناء عالميهما المنفصلين.
الموسيقا في "حيث كنت" ليست مجرد خلفية تزين المشاهد؛ بل هي عنصر أساسي يعيد إحياء الذكريات ويعمق العلاقة بين آدم وسميرة. كانت الموسيقا مفتاحاً لربط عالمي الشخصيتين، وكأنها لغة تعبر عما عجزت الكلمات عن قوله.
خلال التصوير، تأثر فارس بمشاهد عدة تعالج قضايا اجتماعية تمس الواقع اليومي؛ من الوحدة، إلى الشيخوخة، إلى ألزهايمر والإهمال العاطفي. كل مشهد كان بمثابة نافذة تطل على حياة أشخاص يعيشون هذه المشاكل بصمت.
ورغم ما يحمله "حيث كنت" من عمق إنساني وفني، يبقى العمل متأثراً ببعض ثقل الإيقاع البطيء الذي قد يبعد شريحة من المشاهدين عن التفاعل مع الأحداث. كوطة، رغم حسه البصري المرهف، أحياناً يطيل المشاهد التأملية على حساب دفع الحبكة للأمام، مما يخلق
تكراراً في بعض اللحظات.
كذلك، فإن اختيار الصمت كلغة أساسية للفيلم يعد خطوة جريئة، لكنها تتطلب إيقاعاً محكماً يوازن بين التأمل والتقدم الدرامي. هذا التحدي، وإن نجح في إبراز عوالم الشخصيات، قد يُشعر الجمهور أحياناً بفقدان عنصر المفاجأة أو التغيير المطلوب في السرد.
تجربة فارس في "حيث كنت" جعلته يعيد التفكير في قضايا مثل الصحة النفسية وأهمية التواصل الإنساني. يرى أن السينما يجب أن تسلط الضوء على هذه المواضيع بحساسية وعمق، وهو ما يجعل أدواره القادمة تميل نحو الشخصيات التي تحمل رسائل إنسانية. فارس كشف عن مشروعه المقبل، الذي سيصدر في أوائل 2025، معتبراً إياه نقلة نوعية في مسيرته.
"حيث كنت" يحمل رسالة بسيطة وعميقة: أن التواصل الحقيقي هو الخلاص الوحيد من الوحدة التي تحيط بنا. من خلال مزيج من الصمت، الموسيقا والأداء العاطفي الصادق، ينجح محمد كوطة في خلق مساحة سينمائية تشبه الحياة. فيلمه يذكرنا أن الأمل قد ينبعث من أبسط اللحظات، وأن العلاقات الإنسانية الصادقة هي الضوء الذي قد يبدد عتمة العزلة.
0 تعليق