العيد لحظة زمنية لا بد أن نعيشها بغض النظر عن الأثر الذي يمكن أن تتركه في نفوسنا؛ فليس شرطا أن يمر العيدُ علينا عيدا كما نفهمه من المعنى اللغوي للكلمة، أو أن يأتي جميلا كما نراه في نشرات الأخبار وفي الصور الملونة، فكثيرا ما يأتي العيد مشحونا بالحزن، أو مشوبا بالانتظار، أو مسكونا بالغياب.
وإذا ما تجاوزنا الفكرة الدينية أو حتى الاجتماعية للعيد فإنه يبدو مناسبة يمكن فيها أن نكتشف جوهر الإنسان، تلك الروح التي تتأرجح بين فرح ننتظره فلا يأتي، وبين الحنين لِما كان أو لِما كان يجب أن يكون.. هذه الصورة هي الأكثر حضورا إذا ما تأملنا شكل العيد في النصوص الإبداعية.. شعرا وسردا ومسرحا أو حتى في الأعمال السينمائية.
نقرأ العيد في الأدب العربي باعتباره مناسبة تفتقر إلى الاحتفال منذ المتنبي وإلى شعراء الحداثة في اللحظة الراهنة؛ فالمتنبي يقول في بيته الشهير جدا: «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم لأمر فيك تجديد..» ويصل إلى حد القول «فليت دونك بيدا دونها بيدُ».
ولا يحضر الفرح في قصيدة «العيد» لنازك الملائكة بل طفل حزين يطلّ من نافذة البيت على أضواء الآخرين، يتساءل عن معنى الفرح الذي يمرّ أمامه ولا يدخل بيته.
وهذا المشهد الذي رسمته نازك الملائكة للطفل الحزين في صباح العيد متكرر جدا في الأدب العربي الذي يحاول قراءة واقع الفقراء في يوم العيد بل إنها الصورة الأكثر شيوعا في محاولة رسم يوم العيد في الكثير من الأعمال الإبداعية وهي صورة لا تحضر في الأدب العربي فقط ولكنها متكررة جدا في الإبداع العالمي الذي تعامل مع العيد برؤى متعددة تراوحت بين الاحتفاء بالطقوس وبين تفكيك معاني العيد ومعاناة الفقراء فيه.
لكن العيد، حين يُستحضر في الأدب، يتجاوز طبيعته الزمنية ليصبح رمزا يتراوح بين أن يكون رمزا للبراءة المفقودة؛ كما في روايات الطفولة، أو رمزا للفقد؛ كما في قصائد الرثاء التي تتزامن مع الأعياد، أو رمزا للزيف الاجتماعي؛ حين يُطلب من الجميع أن يفرحوا قسرا، بينما الحزن يحاصرهم في كل مكان.
وإذا كانت بعض الأعمال الإبداعية قد حاولت استعادة العيد بصورته الطفولية النقية، فإنها في الوقت نفسه لم تغفل عن طرح السؤال الجوهري: ما الذي يجعل العيد عيدا؟ هل هو الطقس، أم اللقاء، أم استعادة المعنى في عالم فقدَ معانيه؟
لا يُعرّف الأدبُ العيدَ لكنه يضعنا أمام مرآته، يجعلنا نراه كما هو، وكما نتمنى أن يكون. قد يكون العيد في النصوص محطة أمل، أو لحظة وحدة، أو مجرد تاريخ نعلقه على جدار الذاكرة. لكنه يظل، في كل الأحوال، مناسبة للكشف: عن هشاشتنا، عن حاجتنا لبعضنا، وعن المعاني التي نركض خلفها كما يركض الأطفال خلف الحلوى.
وهذا العيد الذي ننتظره هذا العام يمر علينا مضرَّجا بالحزن ويذكِّرنا بقول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
يمُر علينا العيدُ مُرَّا مضرَّجا
بأكبادنا والقدسُ في الأسْرِ تصرخُ
0 تعليق