العيدية.. جسر المحبة الذي يربط الأجيال بالقيم التربوية والأخلاقية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- ما تزال العيدية من أبرز تقاليد الأعياد التي تجمع بين الأسر، وتعزز أواصر المودة وصلة الرحم بين الأفراد، كبارا وصغارا. هذه العادة المتوارثة شهدت تطورات في أشكالها وقيمتها المادية مع مرور الزمن وتغير الظروف الاقتصادية.اضافة اعلان
في الماضي، كانت العيدية تقدم غالبا على شكل مبالغ نقدية بسيطة، يعبر من خلالها عن أواصر المحبة والتقدير. ومع الوقت  أصبحت تأخذ أشكالا مختلفة؛ فبالإضافة إلى النقود، بات البعض يقدم هدايا عينية مثل الملابس، الحلوى، أو حتى الهدايا الرمزية للأمهات والأخوات، تعبيرا عن المودة والتقدير.
كما لجأ البعض إلى تقديم هدايا بديلة تتناسب مع الظروف، مثل تقديم الحلوى أو الهدايا الرمزية للأطفال والأقارب. على الرغم من هذه التغيرات، تبقى العيدية رمزا للتواصل والتراحم بين الأهل والأقارب، وتستمر في إدخال البهجة والسرور إلى القلوب خلال الأعياد.
العيدية تعزز صلة الرحم والتكافل بين أفراد العائلة، إلا أن البعض يرى أن قيمتها المادية قد تشكل عبئا على بعض الأسر، خاصة في ظل الظروف الصعبة. ولتخفيف هذا العبء، يمكن تبادل الهدايا بين الأخوة بدلا من الاقتصار على تقديم العيدية من الأخ لأخته فقط، مما يسهم في تعزيز المودة والامتنان المتبادل.
تقول راوية أحمد (40 عاما)، إنها ما تزال تنتظر العيدية من والدها حتى الآن، معتبرة أنها جزء من فرحة العيد وذكرى جميلة من الطفولة. وتتابع أن العيدية ليست مجرد مبلغ مالي، بل تعبيرا عن المحبة والتواصل بين أفراد العائلة.
تؤكد راوية أن فرحة العيد تظل مميزة، فهي جزء من ذكريات الطفولة حيث كانت العيدية تمثل إضافة قيمة إلى المصروف المعتاد، مما يتيح للأطفال فرصة الشراء بحرية ودون التفكير في التوفير، وهو أمر ذو أهمية كبيرة بالنسبة لهم. لذا، فإن العيدية ليست مجرد قيمة مادية، بل هي تعبير عن التواصل والمحبة.
ترى بشرى خوالدة أن العيدية تحمل قيمة كبيرة، إذ تمثل جزءا من المسؤولية الأسرية الملقاة على عاتق الأب والإخوة والأعمام والأخوال. عندما تتلقى الأخت العيدية من هؤلاء الأقارب، فإن ذلك يعزز لديها الشعور بالاهتمام، ويقوي أواصر المحبة بينهم. كما ينمي لديها الإحساس بالمسؤولية، ويدفعها لتعليم أبنائها أهمية صلة الأرحام في المستقبل، بغض النظر عن قيمة أو شكل العيدية.
من جانبها، تشير الاختصاصية التربوية والنفسية الدكتورة سعاد غيث إلى أن العيدية تجمع بين القيمة المادية والرمزية، وتعد تقليدا اجتماعيا يخضع لمعايير المجتمع. وأحيانا تقتصر العيدية على المال، فلكل عائلة ثقافتها الخاصة فيما يتعلق بنوع العيدية ومقدارها، وذلك بناء على مستواها الاقتصادي والاجتماعي والقيم العائلية المتوارثة. فبينما تقتصر بعض العائلات العيدية على الأطفال، تمنح عائلات أخرى النصيب الأكبر للفتيات والأخوات، تعزيزا لصلة الأرحام داخل العائلة.
ووفق غيث بعض الأشخاص يتعمدون تقديم العيدية للطلاب في المدارس والجامعات كإضافة لمصروفهم، مما يجعلها رسالة حب واهتمام. في الماضي، كان الأجداد يكتفون بمبالغ بسيطة، لعبة، قطعة حلوى، ومع ذلك، بقيت هذه العيديات محفورة في الذاكرة.
ويبحث الكثيرون عن عيديات مبهجة وغير مكلفة للحفاظ على هذه العادة المتوارثة ضمن إمكانيات الأسرة، مما يدل على تغيير شكل العيديات مع الحفاظ على جوهرها. قد يستبدل البعض العيدية النقدية بهدايا رمزية تتناسب مع اهتمامات الطفل، مثل بطاقات معايدة مكتوبة بخط اليد أو قضاء وقت مع الطفل في سهرة عائلية، وهي تفاصيل تجذب اهتمامه وتضفي تغييرا في العيد.
وترى غيث أنه يمكن للأهل استغلال العيدية في تعزيز قيم التعاطف والتضامن لدى الأطفال. وذلك من خلال تحويل العيدية إلى تبرعات، مما يعد فرصة لتعليمهم قيما إنسانية عظيمة كالعطاء والتكاتف المالي، ويتيح لهم فرصة للشعور بالآخرين.
كما تنوه غيث إلى ضرورة عدم التفاوت في تقديم العيديات بين الإخوة والأخوات دون توضيح الأسباب، حيث قد يؤدي ذلك إلى مشاعر الغيرة بينهم نتيجة المقارنة. لذا، يجب التوضيح والتبرير؛ فإذا قدم الأخ عيدية لأخته التي تعاني من ظروف مادية صعبة أكثر من غيرها، فهذا أمر مستحب، ولكن يُفضل أن يتم ذلك بعيدا عن أعين الآخرين لتجنب المقارنات. ويمكن أن تكون هذه المساعدة في وقت غير العيد، ويُفضل أن تكون العيديات المقدمة للآخرين متقاربة في القيمة حتى لا تتحول العيدية من هدية إلى سبب للخصام، سواء بين الكبار أو الأطفال.
تؤكد غيث أن الأهم في العيدية هو وجود "روح المعايدة داخل الأسرة الواحدة"، وتوجه رسالة للمجتمع بضرورة عدم تحويل العيد إلى فترة ضغوط مادية ونفسية ومجتمعية. يجب أن تكون هناك مساحة للتراحم والتكاتف الاجتماعي، وألا تقتصر صلة الأرحام على العيد والعيدية فقط. يجب أن يغرس في الأبناء أن الفرحة لا تشترى بالمال، بل تصنع بالمحبة والتواصل، حتى وإن تغير شكل العيدية والظروف.
وعلى الأهل أن يكونوا قدوة في التوازن بين الكرم والبساطة والتعايش ضمن إمكاناتهم المادية.
 تنوه غيث أن العيد هو مكافأة من الله على الصيام والقيام، وله بعد روحاني وليس ماديا فقط. كما تشدد على أهمية إحياء شعائر الله في الفرحة بالعيد دون التضييق على الأهل، ولكن ضمن الإمكانيات المتاحة، وألا تكون الظروف الاقتصادية سببا في قطع الأرحام بحجة تلك الظروف.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق