loading ad...
لم تكن البوسنة أول جرح، ولن تكون غزة آخر نكبة. نحن أمّة تمشي فوق رماد مذابحها، ثم تتعجب من الدخان. لا يمكن أن نفهم ما يجري في غزة اليوم ما لم نُقارن المأساة بالتي سبقتها، وننظر إلى المشهد بعين التاريخ، لا بعدسة اللحظة. من مذابح الأندلس إلى مذابح البوسنة، من صبرا وشاتيلا إلى جنين، ومن بيروت إلى غزة، تتكرر القصة ذاتها: يُقتل المسلم لأنه مسلم، ويقف العالم متفرجًا، وتبقى الأمّة في موقع المنكوب لا الناصر.اضافة اعلان
في البوسنة، لم يُذبح المسلمون لذنب اقترفوه، بل لأنهم كانوا “غريبين” عن النسيج الأوروبي كما يُقال. لم يشفع لهم بياض بشرتهم، ولا انتماؤهم الجغرافي للقارة، ولا حتى كونهم السكان الأصليين. حوّلهم الصرب إلى “غرباء”، ثم إلى أهداف، ثم إلى جثث. صمتت أوروبا، بل كانت حارسة للمجزرة تحت اسم “قوات حفظ السلام”، بينما كانت المسلمات يُغتصبن في معسكرات رسمية، والمصلون يُذبحون في المساجد، والأئمة يُسحبون إلى ضفاف النهر ويُقطعون إربًا. لماذا؟ لأنهم كانوا يرفضون أكل الخنزير، لأنهم كانوا يسجدون، لأن اسمهم كان “أحمد” لا “ماركو”.
واليوم، في غزة، يعيد الاحتلال ذات المشهد. يفرض حصارًا جهنميًا، يقتل الأطفال جماعيًا، ويقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، ثم يقف على أنقاضها ليعلن: لقد قضينا على التهديد! الأمم المتحدة تُدين ببرود، الغرب يبرر، والعرب يكتفون بالصمت– بعضهم عن عجز، والبعض الآخر عن تواطؤ. مشهد صبرا وشاتيلا يتكرر، ومخيم جنين يُعاد على مسرح أكبر، و”الهولوكوست” الفلسطيني مستمر أمام عدسات الكاميرات، بينما الشعارات الممجوجة عن حقوق الإنسان تتناثر في الهواء بلا قيمة.
لا فرق بين غرناطة التي سُلّمت للصليبيين على طبق من خيانة، والبوسنة التي تُركت للصرب تنهشها أربع سنوات، وغزة التي تحترق الآن وسط تواطؤ دولي وعربي شامل. الفرق الوحيد أن العدو يغيّر قناعه من زمن إلى زمن، أما نحن، فنبقى بذات الهشاشة، بذات الخلاف، بذات العجز.
حين سقطت الأندلس، لم تكن نهاية حضارة فقط، بل بداية تاريخ طويل من الشتات والتيه. وحين ذُبح المسلمون في البوسنة، لم يكن ذلك بسبب “حرب أهلية”، بل لأنها كانت أرضًا إسلامية يجب تطهيرها. واليوم في غزة، لا تُشن الحرب لأجل أمن أحد، بل لأنها قضية يجب تصفيتها، وشعب يجب كسره، وهوية يجب محوها.
والسؤال: ماذا نحن فاعلون؟ هل سنكتفي بإحصاء الشهداء والدموع؟ هل نكتفي بمهرجانات الخطابة والتغني بصمود الضحايا؟ هل سننتظر حتى نُصبح كلنا “قضية منسية” جديدة؟ لا شيء يوقف هذه السلسلة من المجازر سوى نهضة حقيقية تبدأ من الداخل. وعي يقظ يعيد تعريف العدو، ويكف عن الانبهار بحضارة لا ترى الإنسان إلا إذا كان يشبهها. مقاومة تبدأ بالعقل وتنتهي بالسلاح، لا بالشعارات.
الدم الذي سُفك في غرناطة هو ذاته الذي سال في سراييفو، وهو نفسه الذي يروي اليوم أرض غزة. والعدو لم يتغيّر. فقط نحن تغيّرنا: من أمّة تصنع التاريخ، إلى أمّة تكتبه بالدم ثم تنساه.
فإن لم نستفق الآن، فالقادم ليس أسوأ فقط… بل قد لا يكون لنا فيه وجود أصلًا.
في البوسنة، لم يُذبح المسلمون لذنب اقترفوه، بل لأنهم كانوا “غريبين” عن النسيج الأوروبي كما يُقال. لم يشفع لهم بياض بشرتهم، ولا انتماؤهم الجغرافي للقارة، ولا حتى كونهم السكان الأصليين. حوّلهم الصرب إلى “غرباء”، ثم إلى أهداف، ثم إلى جثث. صمتت أوروبا، بل كانت حارسة للمجزرة تحت اسم “قوات حفظ السلام”، بينما كانت المسلمات يُغتصبن في معسكرات رسمية، والمصلون يُذبحون في المساجد، والأئمة يُسحبون إلى ضفاف النهر ويُقطعون إربًا. لماذا؟ لأنهم كانوا يرفضون أكل الخنزير، لأنهم كانوا يسجدون، لأن اسمهم كان “أحمد” لا “ماركو”.
واليوم، في غزة، يعيد الاحتلال ذات المشهد. يفرض حصارًا جهنميًا، يقتل الأطفال جماعيًا، ويقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، ثم يقف على أنقاضها ليعلن: لقد قضينا على التهديد! الأمم المتحدة تُدين ببرود، الغرب يبرر، والعرب يكتفون بالصمت– بعضهم عن عجز، والبعض الآخر عن تواطؤ. مشهد صبرا وشاتيلا يتكرر، ومخيم جنين يُعاد على مسرح أكبر، و”الهولوكوست” الفلسطيني مستمر أمام عدسات الكاميرات، بينما الشعارات الممجوجة عن حقوق الإنسان تتناثر في الهواء بلا قيمة.
لا فرق بين غرناطة التي سُلّمت للصليبيين على طبق من خيانة، والبوسنة التي تُركت للصرب تنهشها أربع سنوات، وغزة التي تحترق الآن وسط تواطؤ دولي وعربي شامل. الفرق الوحيد أن العدو يغيّر قناعه من زمن إلى زمن، أما نحن، فنبقى بذات الهشاشة، بذات الخلاف، بذات العجز.
حين سقطت الأندلس، لم تكن نهاية حضارة فقط، بل بداية تاريخ طويل من الشتات والتيه. وحين ذُبح المسلمون في البوسنة، لم يكن ذلك بسبب “حرب أهلية”، بل لأنها كانت أرضًا إسلامية يجب تطهيرها. واليوم في غزة، لا تُشن الحرب لأجل أمن أحد، بل لأنها قضية يجب تصفيتها، وشعب يجب كسره، وهوية يجب محوها.
والسؤال: ماذا نحن فاعلون؟ هل سنكتفي بإحصاء الشهداء والدموع؟ هل نكتفي بمهرجانات الخطابة والتغني بصمود الضحايا؟ هل سننتظر حتى نُصبح كلنا “قضية منسية” جديدة؟ لا شيء يوقف هذه السلسلة من المجازر سوى نهضة حقيقية تبدأ من الداخل. وعي يقظ يعيد تعريف العدو، ويكف عن الانبهار بحضارة لا ترى الإنسان إلا إذا كان يشبهها. مقاومة تبدأ بالعقل وتنتهي بالسلاح، لا بالشعارات.
الدم الذي سُفك في غرناطة هو ذاته الذي سال في سراييفو، وهو نفسه الذي يروي اليوم أرض غزة. والعدو لم يتغيّر. فقط نحن تغيّرنا: من أمّة تصنع التاريخ، إلى أمّة تكتبه بالدم ثم تنساه.
فإن لم نستفق الآن، فالقادم ليس أسوأ فقط… بل قد لا يكون لنا فيه وجود أصلًا.
0 تعليق