قبل تمرير الميزانية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الميزانية هي توظيف للموارد العامة لتحقيق أهداف الدولة، أي أنها واحدة من أدوات السياسة الاقتصادية العامة التي من المفروض أن تحقق لنا أهدافاً واضحة ومتفقاً عليها كالنمو الاقتصادي وتحسين مستوى دخل الفرد وجودة حياة واستدامة، وهذه أهداف تقاس بعد وضع خطط طويلة المدى، يعني خطة عشرية أو خمسية كي تظهر نتائجها ونستطيع أن نلمسها.

وللتذكير، الميزانية مرّت طوال السنوات السابقة بتوافق بين السلطتين فنتائجها يتحملها الاثنان معاً، وإن أردنا أن نعرف أننا كنا نسير صح أم لا طوال السنوات السابقة كي نواصل على ذات النهج، من المفيد هنا أن نقارن بين «المعطيات» التي كنا عليها قبل ست سنوات على سبيل المثال، أي بعد تمرير ثلاث ميزانيات ومراجعة حسابها الختامي، ومقارنتها «بالمعطيات» التي نحن عليها اليوم، لنعرف إذا ما كان من المفيد الاستمرار على ذات النهج أم لا؟

نحن بحاجة إلى أرقام هي موجودة لكنها تحتاج إلى عرض وشرح ونشر وتعميم.

لابد من الأسئلة الكبرى ولابد من الشفافية في عرضها، فالمسألة لا تتحمّل التعتيم أو التمويه أو المماطلة في الإجابة.

لماذا زاد دَيْننا العام خلال السنوات الست الماضية بعد تمرير ثلاث ميزانيات ومراجعة حساباتها الختامية؟ وبالتالي زادت الفائدة على الدّيْن العام، هل الميزانية تعالج هذه المعضلة؟

عجزُنا المالي زاد وتضاعف بالرغم من كل الجهود المبذولة للوصول لنقطة التوازن، هل الميزانية تعالج هذه المعضلة؟

ومن المهم أن نعرف إن كان اقتصادنا سيظل ريعياً أم لا؟ أي اقتصاد قائم على سياسة «الدعم» الحكومي للسلع والخدمات؟

وأن نعرف ما أثر سياسة الدعم على حجم دَيْننا العام والفوائد المترتبة عليه والعجز، جميع تلك الأسئلة تحتاج إلى إجابة لنعرف إذا كانت الميزانية بشكلها الحالي ستخرجنا من عنق الزجاجة أم لا؟

هذه مؤشرات مهمة جداً لنتائج سياستنا الاقتصادية، وقد يكون لتمرير الميزانية مبرراتها المشروعة، إنما كان عرض «الميزانية» على السلطة التشريعية والاستماع للنقاش فرصة للإجابة على تلك الأسئلة الكبرى، وبغض النظر عما سيُقال في الشورى اليوم إلا أن تلك الأسئلة حاضرة عند الناس.

نأتي للمؤشرات التي تقيس مستوى دخل الفرد وأثر سياستنا الاقتصادية -ومنها الميزانية- على هذا الهدف تحديداً.

فهل لدينا مؤشرات واضحة لتحديد مساحة الشرائح الطبقية؟ أي طبقة ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى بالأخص، لنعرف إن كنا نزيد من اتساع الطبقة الوسطى كهدف منشود ومؤشر قياس على نجاح السياسة الاقتصادية.

فمشكلة سياسة الارتكاز على «الدعم» التي يتسابق الجميع لمنحها لطبقة الدخل المحدود أنها تزيد منها لا تقلصها، بل لا تحسّن من دخلها بالشكل الذي يمكّنها من الانتقال إلى الطبقة المتوسطة نظراً لمحدودية مبالغ الدعم مقابل التضخم وتكاليف المعيشة وارتفاع كلفة السلع المدعومة، بمعنى أنها كالمسكن الذي يستنزف دونما نتيجة ملموسة على المدى الطويل.

بالعكس هي سياسة تدفع هذه الشريحة إلى البقاء في هذا المستوى حتى تتمكن من الاستفادة من الدعوم، وتدفع الشريحة الأعلى أن تتنازل عن السعي لارتفاع مستوى دخلها وترضى بالأقل حتى لا تُحرم من تلك الامتيازات.

على سبيل المثال لا أحد يريد أن يحصل على درجات وترقيات في وظيفته ويتحمّل مسؤوليات إدارية لن يستفيد منها مادياً، بل الأفضل أن يبقى دخله محدوداً ويحصل على مجموعة دعوم تزيد راتبه.

مثال آخر؛ من هو محسوب على الطبقة المتوسطة وراتبه 1500 دينار (أي الشريحة التي لا تحصل على دعم) لا يمكنه أن يشتري بيتاً، لكن صاحب الدعم يحصل على وحدة إسكانية.

وكأننا نزيد من اتساع شريحة الدخل المحدود، بل ونعزّز البقاء فيها ونقلّص الطبقة الوسطى، وذلك مؤشر سلبي وآثاره سلبية ويستنزف الموارد، دون أن نحسّن مستوى دخل الفرد كهدف أساسي.

ثم يأتي السؤال، كيف يُمكن أن نزيد الدعم لذوي الدخل المحدود دون أن نضطر إلى الاقتراض وزيادة الدّيْن العام؟ وهل تقليص المصروفات الإدارية -كواحدة من المطالب الدائمة- ممكن أن توفر كلفة الدعوم وتغنينا عن الاقتراض؟

مرة أخرى، جميعنا يريد تحسين مستوى الفرد وزيادة إيرادات الدولة دون الاعتماد على جيب المواطن (الضرائب)، ونريد نمو اقتصادنا وزيادة مواردنا وبالطبع تسديد ديننا وتصفير عجزنا، والأهم نريد أن نفهم وأن يتم مخاطبتنا والاستماع لوجهات النظر المتعددة وعدم الاكتفاء بـ«بوستات الإنستغرام» للإجابة على تلك الأسئلة!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق