
السبيل – خاص
تحل الذكرى التاسعة والأربعون ليوم الأرض في 30 آذار/مارس، بينما تواجه غزة عدواناً إسرائيلياً هو الأعنف في تاريخها، في استمرار لنهج الاحتلال القائم على مصادرة الأرض وإبادة سكانها.
ومنذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، تحول القصف والتدمير إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه وفرض واقع جديد بالقوة، في تكرار أكثر دموية لما جرى في الداخل الفلسطيني عام 1976 عندما واجه الفلسطينيون مخطط تهويد الجليل بالمظاهرات والاحتجاجات، فقابلتهم إسرائيل بالقتل والقمع.
من المصادرة إلى الإبادة
في التاسع والعشرين من مارس 1976، أعلن الاحتلال مصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين في الجليل، مما فجّر موجة غضب واسعة قابلتها “إسرائيل” بالقوة العسكرية، ما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة العشرات.
كان ذلك الحدث محطة مفصلية، ليس فقط لأنه كشف أن الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 لا يزالون مستهدفين، ولكن لأنه أكد أن معركة الأرض بالنسبة لإسرائيل ليست سوى جزء من معركة أكبر تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية.
وبعد مرور ما يقارب خمسة عقود، لم يتغير نهج الاحتلال الإسرائيلي، بل تصاعدت سياسات المصادرة والاستيطان لتبلغ ذروتها عام 2024، حيث تم الاستيلاء على 46 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، فيما ارتفع عدد المستوطنين إلى أكثر من 770 ألفاً، في إطار خطة واضحة لفرض وقائع جديدة تجعل من إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.
لكن إذا كان الاحتلال قد استطاع الاستمرار في التهام الأرض بالضفة الغربية من خلال الاستيطان والقوانين الجائرة، فإنه لم يتمكن من فعل الشيء نفسه في غزة، التي بقيت عصية على التهجير رغم الحصار والحروب المتكررة.
ومن هنا؛ يبدو أن حرب الإبادة الحالية تهدف إلى حسم هذه المعركة بالقوة، عبر تدمير كل مقومات الحياة في القطاع، من البيوت والمستشفيات إلى المدارس والبنى التحتية، في محاولة لدفع السكان إلى النزوح الجماعي.
معركة وجود
ما يجري اليوم في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل هو امتداد لمعركة الأرض التي بدأت منذ عقود. والفرق الأساسي بين معركة 1976 واليوم؛ هو أن الفلسطينيين لم يعودوا يواجهون الاحتلال بصدورهم العارية فقط، بل بمقاومة مسلحة استطاعت أن تفرض وقائع جديدة على الأرض، أجبرت “إسرائيل” على خوض حرب طويلة الأمد لم تكن تتوقعها.
ومنذ بدء العدوان؛ سعت “إسرائيل” إلى تحقيق أهداف واضحة: تدمير البنية التحتية للمقاومة، وخلق حالة من الفوضى تدفع السكان نحو النزوح، وفرض معادلات أمنية جديدة تُنهي أي تهديد مستقبلي من غزة.
لكنها وجدت نفسها أمام مقاومة مصممة على الصمود رغم الكلفة البشرية الهائلة، حيث لا تزال الفصائل الفلسطينية ترفض وقف القتال بشروط الاحتلال، في تأكيد على أن معركة الأرض لا تنتهي بالتدمير والقتل، بل تُحسم بالإرادة والتمسك بالحقوق.
هل تتغير معادلة الصراع؟
مع حلول ذكرى يوم الأرض؛ يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة مرحلة جديدة من الصراع، حيث لم يعد الاحتلال يكتفي بمصادرة الأراضي أو إقامة المستوطنات، بل انتقل إلى مستوى الإبادة الجماعية والتدمير الشامل.
ومع ذلك؛ فإن غزة، رغم جراحها، لا تزال ثابتة في موقعها، رافضة الخضوع لمعادلة الاحتلال التي تقوم على فرض الاستسلام بالقوة.
وفي الضفة الغربية؛ يواجه الفلسطينيون تمدد الاستيطان بوسائل محدودة، فيما تخوض غزة معركتها بالسلاح، في تأكيد على أن الشعب الفلسطيني، رغم تفاوت الظروف، لا يزال يعتبر أن الأرض لا تُستعاد إلا بالمقاومة.
وبينما تحاول “إسرائيل” فرض واقع جديد بالقوة، فإن ما يجري اليوم قد يكون بداية لتحولات كبرى في طبيعة الصراع، حيث لم يعد الاحتلال يواجه مقاومة مشتتة، بل مشروعاً كفاحياً متكاملاً يعيد تعريف المواجهة، ويؤكد أن الأرض التي سالت من أجلها الدماء قبل 49 عاماً، ستبقى محور الصراع إلى أن تُستعاد كاملة.
0 تعليق