سرّ السعادة الحقيقية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زحام الحياة وتسارع إيقاعها، قد يجد الإنسان نفسه منشغلاً بالسعي المستمر نحو ما ينقصه، ناسياً أو متغافلاً عن النعم التي تُحيط به. كثيرون يظنون أن السعادة تكمن في تحقيق مزيد من الإنجازات، أو امتلاك أشياء جديدة، لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن السعادة الحقيقية تكمن في القناعة والرضا بما قسمه الله لنا.

الرضا ليس مجرد قبولٍ ظاهري للواقع، تقول في نفسك: «أنا راضٍ»، بينما يهمس صوت داخلي بأنك تستحق أكثر، بل هو إدراك عميق بأن ما نملكه اليوم هو منحة إلهية تستحق الشكر والتأمل. يقول الله تعالى: «وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ»، «النحل: 53». هذه الآية وحدها كفيلة بأن تجعل الإنسان يتوقف للحظة ويتأمل في تفاصيل حياته، ليدرك أن الخير الذي ينعم به، مهما بدا بسيطاً، هو بحدِّ ذاته نعمة تستوجب الامتنان.

في كثير من الأحيان، ننسى أن نُردّد «الحمد لله» بصدق. ليست مجرد كلمة تُقال باللسان، بل هي شعور داخلي يملأ القلب بالطمأنينة. حين يتأمل الإنسان في نفسه، في صحته، في راحة البال التي يتمتع بها، وحتى في كوب الشاي الذي يحتسيه في هدوء، يُدرك أن لديه الكثير مما يستحق الشكر.

النبي ﷺ لخص لنا هذه الحقيقة في حديث عظيم يقول فيه: «نَفَثَ رُوحُ القُدُسِ في رُوْعِي أنَّ نفْساً لن تَخرج من الدنيا حتى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وتَسْتَوْعِبَ رزقَهَا، فَأَجْمِلُوا في الطلب، ولا يَحْمِلَنَّكُمِ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أنْ تَطْلُبُوهُ بمعصيةِ اللهِ؛ فإنَّ الله لا يُنَالُ ما عندهُ إلا بطاعتِهِ». هذا الحديث له من الوقع بأن يبدّد القلق من القلوب، ويمنح الإنسان راحة داخلية لا تُقدّر بثمن.

كم من شخص عاش حياته في قلق دائم، يخشى فقدان رزقه أو تأخره؟ وكم من شخص ظن أن جهوده قد تذهب هباءً لأنه لم يحصل على ما يريد؟ لكن هذا الحديث الشريف يقول لنا بوضوح: لا تخف، رزقك مكتوب، لن يزيد ولن ينقص، ولن تغادر هذه الدنيا حتى تحصل عليه كاملاً.هذا لا يعني أن نعيش بلا سعي أو اجتهاد، بل يعني أن نؤمن بأن الله هو المدبّر، وأن كل شيء يأتي في وقته المناسب. العمل مطلوب، والجد والاجتهاد ضروريان، لكن بدون قلق مبالغ فيه أو خوف غير مبرّر من المستقبل.

عندما يرضى الإنسان بما قسمه الله له، يجد في قلبه راحةً لا يمكن لأي مال أو منصب أن يمنحه إياها. الرضا لا يعني التوقف عن الطموح، لكنه يعني أن الإنسان يسعى ويجتهد، ثم يترك النتائج لحكمة الله، ويؤمن بأن ما يأتيه هو الخير له، حتى وإن لم يكن قد فهم الحكمة منه الآن.في كثير من الأحيان، قد نتساءل: لماذا لم أحصل على الوظيفة التي تمنيتها؟ لماذا تأخرت فرصة الزواج؟ لماذا لم يتحقق حلمي بعد؟ لكن حين نتذكر أن الأقدار موزّعة بحكمة إلهية، وأن هناك خيراً في كل ما يحدث، سنشعر براحة داخلية وسكينة في القلب.

السعادة ليست في كثرة المال، ولا في كثرة الممتلكات، بل في القناعة. من يرى الخير فيما لديه، لا يعرف الحزن. ومن يركز على ما ينقصه، لن يشعر بالرضا مهما امتلك.

الحياة مليئة بالتقلبات، ولكنّ سرّ السعادة الحقيقية يكمن في الرضا والتوكل على الله. حين يؤمن الإنسان بأن رزقه لن يذهب لغيره، وأن الله قد كتب له الخير في كل أحواله، سيعيش مطمئناً، سعيداً، راضياً بما لديه، شاكراً لكل لحظة من لحظات حياته.

تأمّل هذه الكلمات، إذا استيقظت اليوم وأنت بصحة جيدة، فهذه نعمة. إذا كان لديك طعام تأكله، فهذه نعمة. إذا كنت محاطاً بأشخاص تحبهم، فهذه نعمة. وإذا كان قلبك ممتلئاً بالرضا، فهذه هي النعمة الأعظم.

فلنردّدها بصدق قائلين، الحمد لله على كل حال، ومعي خير وبركة، فهي سرّ السعادة الحقيقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق