دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- شكلّت مدينة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة بوابةً للعالم منذ نشأتها، حيث لعب الميناء في المدينة دورًا في تأسيس أمريكا الحديثة، وصولًا لما يُعتبر الليلة الأشد ظلمة في تاريخ الملاحة البحرية.
وساهم أيضًا في ولادة صناعة الرحلات البحرية الحديثة، وهي صناعة عملاقة تُقدَّر بمليارات الدولارات.

تقع مدينة ساوثهامبتون في خليجٍ محمي على الساحل الجنوبي لإنجلترا، وكانت ملاذًا لسفن تحمل التجار، والمهاجرين، والسياح، والغزاة من وإلى المدينة لما يقرب من ألفي عام.
في مطلع القرن العشرين، استغلت المدينة صناعة السفن العابرة للمحيطات.
وسرعان ما أصبحت مرادفةً للسفر العالمي، حيث تدفق ثلاثة ملايين مسافر عبر ميناء ساوثهامبتون العام الماضي.
لكن الأمور لم تكن سلسة دائمًا، حيث تنطوي قصة ساوثهامبتون على زوار غير مرغوبين، وشبح مأساة سيئة السمعة، ومستقبل يتطلب تغييرات جذرية.
سيف ذو حدين

أثبتت حقيقة رؤية ساوثهامبتون كـ"بوابة إلى العالم" أنّها سيف ذو حدين.
وكتب المؤرخ برنارد نولز في كتابه "ساوثهامبتون: البوابة الإنجليزية" الصادر في عام 1951 أن "المدينة كانت مركزًا عصبيًا فرديًا يمكن للعدو ضربه بتأثير قاتل محتمل".
خلال أوقاتٍ أكثر صعوبة، نجت المدينة من حملات غزو متكرّر قام بها الدنماركيون، والفلمنكيون، والفرنسيون.
عصر السفن العابرة للمحيطات

في عام 1842، شيدت ساوثهامبتون أولى الأرصفة فيها، وكان عصر السفن البخارية في بداياته.
احتلت ساوثهامبتون موقعًا مميزًا لهذه الصناعة الناشئة، حيث اعتُبر التنافس الشرس حافزًا للتطور.
بينما كانت المنافسة محتدمة بين شركات الشحن البريطانية، والألمانية، والأمريكية، والإيطالية، والفرنسية على جائزة "الشريط الأزرق"، وهي جائزة لمن يعبر المحيط الأطلسي بشكلٍ أسرع، أصبحت الراحة على متن السفن ضرورية أيضًا.

وتم تركيب مطاعم فاخرة، ومكتبات، وصالات رياضية، ومسابح على متن السفن الأجدد، وأصبح حساء السلاحف عنصرًا أساسيًا ضمن قوائم طعام فئة الدرجة الأولى.
وكانت ساوثهامبتون على مسار العديد من هذه "القصور العائمة".
سفينة الأحلام

من بين جميع السفن العابرة للمحيطات التي رست في ساوثهامبتون، ستظل سفينة واحدة تطاردها إلى الأبد، أي سفينة "تايتانيك".
داخل متحف "SeaCity"، يستكشف معرض "قصة تايتانيك" التداعيات المحلية للكارثة، إذ فقدت 500 أسرة أحد أفرادها.
وسُميت حانة "وايت ستار" في شارع أكسفورد تيمنًا باسم الشركة المالكة لسفينة "تايتانيك".
قبل غرق السفينة في عام 1912، كان هذه المنشأة تُسمّى فندق "ألاينس"، حيث مكث العديد من الركاب في الليلة التي سبقت الرحلة المشؤومة.
ما يلوح في الأفق

من المفارقات أنّ النجاح الباهر الذي حققته هذه الصناعة في الربع الأول من القرن الـ21 صنع تحدّياته الخاصّة.
على سبيل المثال، برزت ردود فعل سلبية من وجهات سياحية مزدحمة، مثل دوبروفنيك في كرواتيا وكوتور في الجبل الأسود بسبب لعنة "السياحة المفرطة".
وأفاد متحدث باسم شركة "Cunard"، التي تُشغّل ثلاثة من سفنها الأربعة من ساوثهامبتون: "نحن ملتزمون برحلات بحرية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وقد زوّدنا سفننا بالطاقة من الشاطئ، وهي تقنية تُمكّننا من الاتصال بشبكة الكهرباء أثناء تواجدنا في الميناء وإيقاف تشغيل محركاتنا. وهذا يُقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتلوث الهواء والضوضاء في الموانئ".
لكن من الواضح أن هناك حاجة إلى تطبيق إجراءات أكثر صرامة، إذ تُعتبر الرحلات البحرية أسوأ من الطيران من حيث انبعاثات الكربون لكل راكب.
0 تعليق