الحمائية تعود.. والعالم على أعتاب أزمة في مهبها الدول النامية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- بينما تدور رحى المعركة بين القوى الكبرى حول الحمائية والانفتاح، تجد الاقتصادات النامية نفسها في وسط هذه المعركة التي أشعل شرارتها من جديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتوجيهه سلاح الرسوم الجمركية في وجه الاقتصاد العالمي، الذي بات على وشك أزمة اقتصادية كبرى تهدد الاقتصادات كافة، فيما بينها الدول النامية التي أصبحت هي الأخرى في مفترق طرق بين الانفتاح على الأسواق العالمية أو الانكفاء على الذات والانغماس في ممارسات اقتصادية أكثر تحفظا. اضافة اعلان
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن أزمة الرسوم الجمركية العالمية ستحدث انعكاسات اقتصادية عميقة على الدول النامية، التي تعد الحلقة الأضعف في النظام التجاري العالمي، حيث ستكون الدول النامية عرضة لتراجع النمو الاقتصادي أسوة ببقية دول العالم، إضافة إلى تقلص تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أسواقها، علاوة على عودة المد التضخمي وارتفاع الأسعار، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية وغيرها من الأعباء التي تهدد السلم الاقتصادي والاجتماعي.
واعتبر هؤلاء الخبراء في تصريحات خاصة لـ"الغد"، أن توقيت فرض الرسوم يزيد من خطورتها، إذ تأتي في وقت ما تزال فيه الاقتصادات العالمية ببداية تعافي من أزمات متتالية، كجائحة كورونا، وأزمة التضخم العالمي في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والارتدادات الاقتصادية لحرب غزة.
ويرى الخبراء، أن تخفف الدول النامية من تبعات حمم بركان السياسات الحمائية الترامبية، يستدعي منها البحث عن تحالفات وتكتلات اقتصادية واستثمارية جديدة، إضافة إلى وضع خطط وبرامج اقتصادية لدعم الإنتاج المحلي الداخلي، فضلا عن تنظيم اسواقها وتنويع مصادر استيرادها وتصديرها.
وتوقع الخبراء أن يطرأ تغيير على شكل العالم ما بعد "يوم التحرير"، إذ يبدو العالم في خضم تشكل نظام دولي سياسي واقتصادي جديد، وهياكل لتحالفات سياسية واقتصادية مختلفة عن التحالفات القائمة حاليا.
وكان  الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن عن سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة تستهدف 180 دولة ومنطقة حول العالم، وذلك في إطار ما وصفه بإجراءات لحماية الاقتصاد الأميركي ومحاسبة الدول التي تعامل الولايات المتحدة بشكل غير منصف.
وأكد ترامب في تصريحاته أن الرسوم ستشمل فرض نسبة 34 % على الصين، و24 % على اليابان، و31 % على سويسرا، و46 % على فيتنام، و32 % على تايوان، و%26 على الهند، و50 % على ليسوتو، بينما سيفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً بنسبة 20 %. وشدد على أن أقل نسبة للرسوم الجمركية ستكون 10 %، والتي ستكون من نصيب بريطانيا، فيما تم فرض رسوم جمركية على الأردن بنسبة 20 %.
انعكاسات حادة على الدول النامية
وقال وزير المالية الأسبق، الدكتور محمد أبو حمور، إن السياسات الجمركية الأميركية الجديدة ستشكل ضغطا اقتصاديا على مختلف اقتصاديات العالم، سواء المتقدمة منها أو النامية، مشيرًا إلى أن وقعها سيكون أكثر حدة على الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والهشة.
وأوضح أبو حمور أن الدول النامية تفتقر إلى الخيارات والمرونة التي تملكها الدول المتقدمة، ما يجعلها أكثر عرضة لتداعيات الأزمة، لا سيما في ظل تصاعد خطر الركود، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، واحتمال عودة الموجات التضخمية.
وأضاف أن هذه التحديات قد تقود إلى تراجع في معدلات النمو العالمي، وتحدث هزات اقتصادية واجتماعية عميقة في الدول محدودة الموارد.
وحذر أبو حمور من أن توقيت فرض الرسوم يزيد من خطورتها، إذ تأتي في وقت ما تزال فيه الاقتصادات العالمية تتعافى من أزمات متتالية، بدءا من جائحة كورونا، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، ووصولا إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما ترتب عليه من ارتدادات اقتصادية إقليمية ودولية.
وعن التأثير على الأردن، أشار أبو حمور إلى أن فرض رسوم جمركية بنسبة %20 على الصادرات الأردنية إلى السوق الأميركية سيؤدي إلى تقليص حجم الصادرات الوطنية، خاصة أن أكثر من 10 % من الصادرات ذات القيمة المضافة تتجه إلى الولايات المتحدة، ما قد يترتب عليه فقدان ما يقارب 40 ألف فرصة عمل، وانعكاسات مباشرة على معدلات البطالة في المملكة.
وتابع، أن التبعات المتوقعة نتيجة لهذه الأزمة، تتمثل في إمكانية تراجع معدلات النمو الاقتصادي عالميا، وسيطرة الركود على الأسواق، واضطراب سلاسل الإمداد، عدا عن خطر عودة المد التضخمي، وهو ما يمثل تحدي للاقتصادات المتقدمة، لذا فإن تأثير هذه التبعات سيكون مضاعفا على الاقتصادات النامية والهشة، الأمر الذي قد ينجم عنه أزمات اقتصادية واجتماعية حادة وعميقة.
فرصة لإعادة التموضع
قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن السياسات الحمائية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمتضمنة فرض رسوم جمركية على أكثر من 180 دولة، ستُحدث انعكاسات اقتصادية عميقة على الدول النامية، التي تعد الحلقة الأضعف في النظام التجاري العالمي.
وأضاف أن بعض الدول قد تستفيد من إعادة تموضع الشركات متعددة الجنسيات التي تسعى لتجنب الرسوم، لكن الاستفادة من هذه الفرصة تستلزم وجود بنية تحتية قوية وبيئة قانونية محفزة. كذلك، أشار إلى أن تقلبات أسعار السلع الأساسية، ولا سيما الغذائية والطاقة، قد تؤدي إلى اختلالات في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وحول سبل التخفيف من حدة التأثر، دعا المخامرة إلى تبني استراتيجيات شاملة تشمل تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع أو سوق واحد، إلى جانب تعزيز التكامل الإقليمي من خلال اتفاقيات تجارية مشتركة تخفف من أثر الحواجز الجمركية. كما شدد على أهمية تحسين البيئة الاستثمارية وتشجيع التجارة البينية باستخدام أدوات دفع محلية، إلى جانب تبني سياسات اجتماعية مرنة تحمي الفئات الأكثر تضررًا من هذه الصدمات.
وفي ما يتعلق بالتحولات الجيوسياسية، توقع المخامرة أن تكون هذه الأزمة محفزا لتشكيل تحالفات اقتصادية جديدة، خصوصا بين دول الجنوب العالمي، إلى جانب شراكات مع قوى صاعدة مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا. كما رجح بروز تكتلات إقليمية متخصصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، ومبادرات للتخلص من الهيمنة النقدية من خلال استخدام العملات المحلية أو أنظمة دفع بديلة.
وختم المخامرة بالقول إن الأزمة الحالية، رغم قسوتها، قد تمثل فرصة للدول النامية لإعادة تموضعها، وبناء نموذج اقتصادي أكثر استقلالية وتوازنًا، شريطة توفر إرادة سياسية قوية، واستثمارات في القدرات الوطنية، وتضامن دولي فعّال.
نظام عالمي جديد قيد التشكل
الخبير في الاقتصاد السياسي زيان زوانة، من جانبه يرى أن الضرر  الناجم عن سياسات ترامب الحمائية، سيلحق  الدول كافة، ولن يقتصر على دول بعينها، مما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية كبرى خلال السنوات القادمة.
وأوضح زوانة، أن شكل العالم ما قبل "يوم التحرير"، سيختلف عما بعده، حيث بات العالم في طور تشكل نظام دولي سياسي واقتصادي جديد، وهياكل لتحالفات سياسية واقتصادية مختلفة عن التحالفات القائمة حاليا.
ولفت زوانة أن الدول من حول العالم تسير خلف مصالحها أيا كانت، وأزمة الرسوم الجمركية الأميركية تعد ضربة لمصالح الدول كافة، لذا سنلاحظ توجه الدول إلى مسار مختلف من التحالفات والتكتلات التي تضمن مصالحه، مشيرا إلى أن مخاض هذه المرحلة سيستمر سنوات عدة، قبل أن يتشكل بصورته الجديدة.
وأكد زوانة أن تخفف الدول النامية من تبعات حمم بركان السياسات الحمائية الترامبية، يستدعي منها البحث عن تحالفات وتكتلات اقتصادية واستثمارية جديدة، إضافة إلى وضع خطط وبرامج اقتصادية لدعم الإنتاج المحلي الداخلي، فضلا عن تنظيم اسواقها وتنويع مصادر استيرادها وتصديرها بما يضمن عدم تأثرها الحاد بأي ارتفاعات على الأسعار.
وأشار زوانة إلى أن اللحظة الراهنة على المستوى الاقتصادي العالمي، تلفت الانتباه وتحض الدول العربية على ضرورة تدشين مرحلة من التشاركية الاقتصادية والسياسية في ما بينها، وتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بما يضمن استمرارية دوران عجلة الاقتصاد العربي وبالتالي استقرار أمنه القومي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ضرب لقواعد المنافسة
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي جواد عباسي أن المرحلة الحالية تتسم بتنامي حالة عدم اليقين الاقتصادي نتيجة نهج السياسات الجمركية الأميركية الجديد، الأمر الذي سيخلف عبء اقتصادي واجتماعي على الاقتصادات كافة، بما فيها الدول النامية، التي ستجد نفسها ضحية لهذه الحرب التجارية العالمية التي تخوضها الإدارة الأميركية الجديدة.
وأوضح عباسي أن الأسواق والاقتصادات ما تزال في مرحلة استكشاف لتبعات أزمة الرسوم الجمركية، والتي قد تترك آثارا عميقة على جسد الاقتصاد العالمي، إذا ما تمسكت الإدارة الأميركية بنسب الرسوم الجمركية التي فرضتها على دول العالم.
واعتبر عباسي أن آلية فرض الرسوم الجمركية غير منطقية، وتضر بمبدأ التنافسية العالمية الذي تحفظه تشريعات منظمة التجارة العالمية، كما أن الآلية لم تبن بشكل منطقي يتماشى مع حجم التبادل التجاري لأميركا مع غيرها من الدول، لذا فذلك يلحق ضررا بالغا بالاقتصادات الصغيرة التي لديها علاقات تجارية مع واشنطن وقد تكون هي الأكثر تضررا.
الاعتماد على الذات مخرج
أمان للدول النامية
 إلى ذلك، اعتبر مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين، طارق حجازي، أن السياسات الحمائية التي تتبعها الدول الكبرى لحماية اقتصاداتها وصناعاتها المحلية تزيد الضغط على نمو الاقتصادات النامية، وذلك بتخفيض الطلب على السلع من هذه الدول مما يعطل صادراتها ويفاقم من عجز الميزان التجاري، أيضا قد تستَبعَد الدول النامية من الأسواق الكبرى بسبب "التجارة التفضيلية"، مما يزيد من الفجوة الاقتصادية بين الدول الكبرى والنامية وبالتالي انخفاض النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع الأسعار.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق