جون تامني*
يرى البعض أن سيد البيت الأبيض الحالي دونالد ترامب يُلحق ضرراً بالغاً بعهده الرئاسي. ولا نتناول في هذا المقال ملف الرسوم الجمركية، فالضرر الاقتصادي الأكبر من الرسوم هو انخفاض قيمة العملة الأمريكية، وجموح الذهب لأعلى تقييم، ما يعني أن الدولار في أدنى مستوياته على الإطلاق.
وعلى أقرب المقربين من ترامب أن يتحدثوا بصراحة عن وضع الدولار. هذا يعني أن على سكوت بيسنت ولاري كودلو، ومستشارين اقتصاديين آخرين، أن يُخبروه بما لا يريد سماعه. وهو أنه باتباعك المسار الاقتصادي الحالي للدولار، تُخاطر سيدي الرئيس بسلك النهج الاقتصادي المتعب الذي سلكه رؤساء مثل ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر وجورج دبليو بوش.
إن هؤلاء الرؤساء الثلاثة أمثلة على ما يُدركه كودلو جيداً، حيث لا يمكن لأي دولة أن تُقلل من قيمة طريقها نحو الازدهار. ولا مفر من هذه الحقيقة الاقتصادية الراسخة والمتجذرة في ملاحظة هنري هازليت، التي تقول: «ما يضر الفرد أو يُدمره، لا بد أن يُضر أو يُدمر مجموع الأفراد الذين يُشكلون الأمة بنفس القدر». وعليه فإن انخفاض قيمة الدولار مُضر، وغالباً ما يكون كارثياً على الولايات المتحدة كدولة وأفراد ولأسباب واضحة.
أولاً، يكسب الأمريكيون الدولارات، أي أنهم يكسبون ما يُمكن استبداله بهذه العملة. ومع انكماش قيمة الدولار القابلة للاستبدال، يُحرم هؤلاء من ثمار عملهم. وهذا أمرٌ أساسي.
ثانياً، لا يُمكن تكرار القول دوماً بأنه لا وجود لشركات ولا لوظائف دون استثمارات أولية. فلا يُمكن لأي مدرسة فكرية اقتصادية التهرب من الحقيقة السابقة. فكر في الأمر واضعاً الاستثمار في المقام الأول، عندما يُوظِف المستثمرون ثرواتهم، فإنهم يسعون جاهدين لتحقيق عوائد وتدفقات دخل مستقبلية بالدولار.
وهذا يعني أن انخفاض قيمة الدولار يُمثل ضريبة متزايدة على الاستثمار، تدفع القادرين (نعم، الأغنياء) إلى استثمار ثرواتهم بشكل متزايد في أصول مادية أقل عرضة لانخفاض القيمة، مثل الأراضي، والعقارات، والذهب وغيرها، وكل هذا يأتي على حساب الاستثمار في مصادر دخل الأسهم والسندات التي تُمثل ثروة لم تُخلق بعد.
وأمام أصحاب الثروات خيار إما خلق الثروة أو حمايتها. ويُحفز ضعف الدولار حماية الثروة على حساب خلقها الذي يتجلى في الابتكارات الناشئة، والشركات التي تبني على هذا الابتكار، والوظائف الحتمية التي تنجم عن كل هذا التقدم. وبهذا الصدد، يريد ترامب أن يكون رئيساً معروفاً بتهيئة الظروف المصاحبة لتزايد الفرص، ولكن بمواصلته اتباع مسار الدولار الضعيف بناءً على افتراضٍ خاطئ بأنه يجعل الشركات الأمريكية أكثر تنافسية، فإنه يضع نفسه على طريق الركود الاقتصادي الذي ارتبط بوضوحٍ برئاسات نيكسون وكارتر وبوش. وكودلو يدرك كل هذا مجدداً.
لطالما كان لاري كودلو على استعداد لمدح وثناء أي طرف إذا ما اتخذ القرار الصائب، وقد عبّر عن النجاح الاقتصادي للرئيس كلينتون بفعالية أكبر بكثير مما فعل فريقه. وكان يعلم جيداً أن الدولار القوي يفيد الأمريكيين مرتين: فهم يحصلون على المزيد مقابل عملهم، ويحصلون على وظائف أفضل فأفضل، لأن الدولار القوي يجذب الاستثمارات ذاتها التي تُحفز ظروف العمل المحسّنة وتعوضها باستمرار.
والرئيس ترامب ليس استثناءً. فلا أحد يُقارَن بأهم قيمة في العالم، وهي الدولار. وانخفاض قيمة العملة الأمريكية العالمية هو بداية طريق الفشل حكماً، دائماً، وفي كل مكان. وعلى أقرب مستشاري ترامب التفكير في الرئيس وإرثه بما يكفي لإخباره بما قد لا يرغب بسماعه، ولكنه مُجبر على ذلك.
إن النجاح الاقتصادي الحقيقي لا يتحقق من خلال حلول قصيرة المدى مثل خفض قيمة العملة، بل من خلال سياسات تعزز الإنتاجية، وتدعم الاستثمار، وتحافظ على مكانة الدولار كعملة عالمية موثوقة. وإذا أراد ترامب أن يُسجل اسمه بين القادة الذين قادوا بلادهم إلى ازدهار طويل الأمد، فإن أول خطوة عليه اتخاذها هي تصحيح المسار، والاستثمار في قوة الدولار بدلاً من التضحية بها.
فالحفاظ على قوة الدولار ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية لضمان استمرار التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة، وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات، وتحقيق ازدهار مستدام للأفراد.
*محرر ومستشار اقتصادي، ورئيس معهد
«بارك فيو» الأمريكي «ريل كلير ماركيتس»
0 تعليق