كذبة حقوق الإنسان وموائد اللئام

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

صدمة أن نعيش في القرن الحادي والعشرين، ونرى هذا الحجم من المذابح، والتدمير، والقتل والتشريد في غزة، ومناطق من الضفة الغربية من فلسطين، وفي الـمقابل صمت مطبق من العالم المتحضر وغيره، وكأن ما يحدث شيء عادي، بل الصدمة الأكبر أن من يمد آلة القتل، والتدمير، والإبادة بالأسلحة والذخائر والحماية أمام المنظمات الدولية هي دول غربية اعتادت إعطاءنا دروسا حول الأخلاق في التعامل مع الضعفاء، وضرورة حماية الآخرين والأقليات وغيرهم، وامتد هذا الحنان الـمطلوب إلى الحيوانات إذ جرمت القوانين في تلك الدول قتلها، وإيذاءها، ونحن لا نعترض على ذلك، لأن ديننا بالأصل حرم هذا منذ مئات السنين، وقوانينا تفعل الشيء نفسه، ولكن اعتراضنا هو أن هذه الحساسية الإنسانية الشديدة تختفي عندما تكون الضحية عربية، أو مسلمة، أو من العالم الثالث، أو إذا تعارضت مصالح هذه الدول مع الضحايا في فضيحة يندى لها جبين البشرية، ولن تمحى من الذاكرة لو طال الزمن.اضافة اعلان
التاريخ الاستعماري الغربي مليء بالقصص المرعبة، والمذابح، وقد ظننا لفترة من الزمان، أن تلك الأحداث ولّت إلى غير رجعة، وأن الـمجتمع الدولي بنى حساسية شديدة اتجاه اختراقات حقوق الإنسان، بل إن شخصيات في العالم الثالث كانت تتعرض إلى مجرد استدعاء أمني يتم تكريمها في غالبية الدول الغربية، وتعج الصحافة هناك بكتابة تقارير، وقصص إخبارية حول بطولتها، وقد خدعنا كما وقع في الفخ غيرنا، وصفقنا لهذا الغرب الجميل الرائع الـمدهش المحترم للإنسان، لنكتشف لاحقا، وبعد أن ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، وعندما دققنا في الأسماء التي طالبوا بحمايتها، لندرك أن الأمر لا يخرج عن مسارين اثنين: فهم يدافعون عمن لا يخالف مصالحهم، أو يعمل من أجل هدم القيم في مجتمعات غيرهم لتسود قيمهم الرأسمالية بصورتها المتوحشة في الغالب.
لو قمنا بجولة تاريخية سريعة، في العالم الغربي الاستعماري، وأخذنا مقتطفات من الجرائم التي حصلت هناك، ولن نستطيع في هذه العجالة سوى التركيز على أحداث قليلة جدا، لكثرتها، ولو اتهمنا أحد بنبش الـماضي الذي انتهى، فنرد عليه بأن الحاضر بات يكرر الـماضي، بصور أسوأ.
سنبدأ بسكان أميركا الأصليين – أو ما اصطلح على تسميتهم بالهنود الحمر-، فقد تم ذبحهم، بعد عدد من الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الأميركية أو المستعمرون الأوروبيون معهم، فكان يطلب منهم تسليم أسلحتهم مقابل السلام أو الحماية، لكن بعد ذلك كانت تهاجم قراهم، أو تستولى على أراضيهم، أو يهجرون منها قسرا، وفي الغالب يذبحون، ومنها مذبحة الركبة الجريحة الموثقة رسميا (Wounded Knee Massacre) والتي حصلت في العام 1890.  
فيها قامت القوات الأميركية بقتل أكثر من 250 رجلا وامرأة وطفلا من شعب «لاكوتا» بعد أن سلموا أسلحتهم، وهذه الحادثة لا تخرج عن السياق العام في تعامل المستعمرين مع سكان أميركا الأصليين في ذلك الوقت.
ولم تكتف القوات الأميركية بذلك، فقد تم القيام بعمليات تهجير كبرى، مثل مسار الدموع (Trail of Tears)، حيث أجبر عشرات الآلاف من الهنود على المشي مئات الكيلومترات إلى أراض جديدة حددت لهم، وقد مات كثيرون خلال هذه الرحلات بسبب الجوع والمرض وسوء المعاملة، ناهيك عن إرسال الأطفال إلى مدارس داخلية تمنعهم من التحدث بلغتهم أو ممارسة طقوسهم، وكان شعارهم آنذاك:  
«اقتل الهندي، وخلص الإنسان»!
وفي ليبيا حصل الشيء نفسه، عندما قامت بعض القبائل بتسليم أسلحتها لجنود الاستعمار الإيطالي، مقابل حصولهم على السلام وفق اتفاقيات مع شيوخهم، فتم ذبحهم لاحقا، مخترقين المعاهدات التي وقعت، إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف من أهالي برقة إلى معتقلات الصحراء مثل معتقل العقيلة، حيث قضى الآلاف بسبب الجوع والمرض وسوء المعاملة، بعد أن نزع سلاحهم تماما ولم يبق لديهم وسيلة للدفاع.
وفي لبنان ورغم الضمانات الأميركية وبعض الدول بعد خروج المنظمات الفلسطينية من هناك عام 1982، فقد حدثت مذابح صبرا وشاتيلا دون أدنى التزام من الدول الضامنة للاتفاق وعلى رأسها الولايات الـمتحدة الأميركية.
وفي بعض مناطق البوسنة والهرسك، وخصوصا سريبرنيتسا، قدم المجتمع الدولي (ممثلا في الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام) ضمانات لسكان تلك المناطق بأنها مناطق آمنة، وقد طلب من السكان المسلمين تسليم أسلحتهم، ووعدت قوات الأمم المتحدة بحمايتهم، ومع ذلك، قام صرب البوسنة بإعدام أكثر من 8000 رجل وفتى مسلم، وتم دفنهم في مقابر جماعية، في ما يعرف حتى اليوم بـ مذبحة سريبرنيتسا، دون تدخل من القوات الدولية الضامنة، وعلى مرأى ومسمع منها.
لن نعطي أمثلة أكثر من ذلك، في الوقت نفسه لن نضع الغرب كله في سلة واحدة، فهناك دول ما زالت تؤمن بحقوق الإنسان الحقيقية القائمة على الـمساواة التامة، وغالبية الشعوب حسب ما أعتقد تؤمن بذلك، ولكننا نتحسر على غياب الضامن الأكبر للحرية، والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي باتت اليوم مثل الأيتام على موائد اللئام. نؤمن– نحن العرب والـمسلمين- بحقوق الإنسان مهما كان أصله، ونوعه، ودينه، ولو لم تكن لدينا مصالح معه-، ونتمنى أن يعود العالم الغربي– خاصة – إلى الإيمان الحقيقي بها، وهذا قد لا يكون في المدى المنظور.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق