انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لإحدى السيدات في الصين تستلقي في الشارع العام أمام السيارات المارة هنا وهناك، الفيديو أظهر المرأة التي يبدو عليها التعب النفسي لا الجسدي، وهي ترتدي ملابس المنزل في الجو البارد جداً، وتقوم بالسير بين السيارات تارة، وتستلقي في الشارع أمامها تارة أخرى، الشارع المبلل بماء المطر لم يمنعها من الاستلقاء كما لم تفلح أصوات أبواق السيارات أيضا من منعها، لكن ما أن حضر شرطي المرور، ومشى متوجهاً نحوها ماداً ذراعيه، حتى قامت المرأة مسرعة باحتضان الشرطي الذي ما كان منه إلا أن ضمها بقوة، وسار بها مبتعداً عن الشارع، على الرصيف أجلسها بهدوء، ووقف بجانبها يهدئ من روعها، ويمسح دموعها المنهمرة.
يُقال إن ملابس الشرطة في الصين تم تصميمها خصيصاً لتُشعر الناس بالأمان، وإنه تحقيقاً لهذا الغرض تم دراسة تصميم هذه الملابس لفترة طويلة من الزمن وتم صرف مبلغ كبير من المال في سبيل الوصول لهذا الهدف، السؤال الذي يطرح نفسه هنا لم؟ لم يتم صرف ميزانية كبيرة جداً في سبيل تصميم هذا النوع من الملابس؟ ففي النهاية الشرطة موجودة لحماية الناس من الخطر مهما كان نوع الخطر الذي من الممكن أن يتعرضوا له، لِمَ إذا يخاف الناس من الشرطة ولم إذا يخاف عامة الناس من القانون؟ ألم يوضع هذا القانون لحمايتهم في الأساس؟
بشكل عام وُضعت القوانين والضوابط لضمان تنظيم المجتمعات وحماية حقوق الأفراد، كما أن المسؤولين عن تطبيقها وُجدوا لتحقيق هذا الهدف، ويفترض إن من يخاف من هذه القواعد هو المخالف لها من الخارجين على القانون أو الرافضين له، لم إذا يخافها الناس؟ على سبيل المثال لم يخف أغلب الموظفين من مدير شؤون الموظفين في الشركات والمؤسسات؟ لم يخف العاملون من رئيس العمال؟ لم نخف العقاب إن كنا نسير وفق القواعد والقوانين المنظمة؟ أم أننا نطبق القواعد والقوانين لخوفنا من العقاب وليس العكس؟
نحن نخاف العقاب، حتى لو لم نرتكب الأخطاء، لأننا رأينا كيف عوقب غيرنا، والمفارقة هنا أن من يخالف القانون ليس بالضرورة أكثر ذكاءً، لكنه ببساطة لا يخاف العقاب كما نفعل نحن، لقد رأينا كيف كانت العواقب، ونخاف أن يصيبنا ما أصابهم، بالرغم من أننا ننفذ ما طُلب منا، ونتبع القواعد والضوابط، إلا أننا في الحقيقة نخافها أكثر مما نحترمها.
في العمل قد تجد موظفاً ملتزماً بالحضور كل صباح إلى دون تأخير، بل قد يكون هذا الموظف أكثر الأشخاص التزاماً في عمله، لكن هل يعني ذلك أن هذا الشخص دقيق وملتزم حتى في حياته العادية؟ لو تُرك المجال للموظفين بالحضور للعمل وفق رغبتهم هل تعتقد أنهم سيحافظون على الحضور يومياً في نفس الوقت؟ في العمل كما هو في الحياة هناك قانون يحكم الناس والناس تطبق هذا القانون خوفا من عواقب عدم الالتزام به.
لست وحدي من أرى أن الخوف بات يسيطر على حياتنا، وأننا نعيش في مجتمع يخاف فيه الناس حتى أبسط الأمور، لذا نرى أن أغلب مدارس التعليم الحديثة باتت تنادي بضرورة اتخاذ التعزيز وسيلة لتعديل السلوك وليس العقاب، وذلك في محاولة للتخفيف من حدة الخوف ولتعزيز مبدأ أن الأساس في التصرف هو الرغبة في الفعل، وليس خوفاً من عواقب عدم تنفيذه.
الخلاصة: وضع الإنسان القانون لتنظيم الحياة، والقانون هنا يشمل جميع القواعد المنظمة سواء في البيت أو المدرسة في العمل، أو في الحياة الاجتماعية داخل الحي، وترى أن أغلب الناس تعيش وفق هذه القواعد والضوابط خوفاً من عواقب عدم الالتزام بها، ولأن المنزل هو الأساس الأول الذي يتم فيه تشكيل هوية الإنسان علينا أن نبدأ بتربية أبنائنا على أن الالتزام بالقواعد هو أساس الحفاظ على مجتمع آمن محب متعاون، علينا أن نركز دائماً على الجانب الإيجابي من وراء تطبيق هذه القواعد لا أن نربيهم على أن يكونوا دائماً مطيعين فقط لأنهم خائفون.
0 تعليق