
يبدو أن القوم باتوا يضيقون ذرعا بالحراك الداعم للمقاومة في قطاع غزة، لكن يصعب تحديد سبب واضح لذلك.
المتتبع لسلوك الجانب الرسمي مع الحراك منذ أكثر من 15 عاما، يستطيع التنبؤ أن ذلك السلوك يأخذ منحنى واحدا يتمثل في استيعاب الحراك في بدايته حين يكون زخما وقويا، ويحاول أن يضع خطوطا حمراء على الحراك أن لا يتعداها، ومن ثم محاصرة الحراك وشيطنته عبر اتهامه بالتخريب والإساءة للوحدة الوطنية، وإطلاق وسائل الإعلام وما يسمى بـ”كتاب التدخل السريع”، ومن ثم حملة اعتقالات لرموزه وناشطيه والزج بهم في السجون، وأخيرا قمع الحراك بالقوة.
السلوك السابق ينطبق على جميع الحراكات مهما كانت دوافعها؛ فئوية أو معيشية أو سياسية أو تتعلق بالقضية الفلسطينية أو غيرها من قضايا الأمة، حتى لو كانت شعارات الحراك تلتقي مع السياسة العامة للحكومة ومواقفها أو حتى تدعمها.
ثمة أسباب عامة لضيق المسؤولين من أي حراك مهما كان دافعه، وثمة أسباب خاصة لكل حراك على حدة.
فالمسؤولون، خصوصا في دولنا العربية، لا يرتاحون لأي تحرك في الشارع، ويعتبرون ذلك خطرا على الاستقرار في البلاد! وربما خطرا على مناصبهم! وهذا هو الموجه الرئيس لسلوكهم تجاه أي حراك مهما كان دافعه.
على أن الحراك الداعم لغزة المستمر منذ أكثر من عام ونصف، قد يكون له خصوصية، حيث إنه منذ البداية تناغم بشكل كبير مع الموقف الرسمي الذي أبدى تفاعلا كبيرا مع القضية.
كان للحراك هدفان بشكل عام؛ الأول هو إظهار التضامن الكامل مع المقاومة في قطاع غزة، وإرسال رسالة لأهالي قطاع غزة بأنكم لستم وحدكم، وإرسال رسالة للنظام العالمي والعربي أن المقاومة ليست معزولة ولا منبوذة، وأنها ليست إرهابا وإنما حركة تحرر وطني يجب دعمها.
والهدف الثاني الضغط على الحكومة لاتخاذ مواقف أكثر شدة تجاه الكيان من جهة، ولدفعها للضغط على الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية للضغط على الكيان لإيقاف حربه الدموية.
وبالرغم من وجود خلاف واضح بين الموقف الرسمي وموقف الحراك فيما يتعلق بالمقاومة وحركة حماس، إلا أن الطرفين استطاعا تغطية هذا الخلاف، والتلاقي في نقطة ضرورة وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، ورفض التهجير.
وظل التناغم بين الموقفين سيد الموقف، خصوصا بعد أن تمكن الجانب الرسمي من فرض خطوط حمراء؛ منها عدم الاقتراب من الحدود أو من السفارات، وذلك بالرغم من أن ذلك الأمر شهد اختراقات إلا أن الجانب الرسمي كان حازما في إعادة رسم خطوطه الحمراء.
وبالرغم من أنه لا يوجد أي تصريح رسمي يشير إلى أن الجانب الرسمي استثمر هذا الحراك في تفاعلاته الدبلوماسية الكثيفة، إلا أن معظم المراقبين يشيرون بوضوح إلى أن هذا الحراك أفاد الجهود الرسمية خصوصا فيما يتعلق بإدخال المساعدات ورفض التهجير. كما يزعمون أن الحراك عمل على تنفيس الاحتقانات ومنع ردود الفعل العنيفة إزاء المصالح الصهيونية والأمريكية في البلاد.
ومع ذلك يمكن الإشارة هنا إلى الخطاب الرسمي العام الذي يحذر من أن استمرار حرب الإبادة يمكن أن يؤثر على الاستقرار في المنطقة.
لا نعتقد أن الظروف والمعطيات السابقة قد تغيرت، إلا إذا كان لدى الجانب الرسمي ما يشي بذلك، ونعتقد أن الحراك لا زال يقدم خدمة للدبلوماسية الأردنية الرامية لوقف حرب الإبادة ومنع التهجير، وعلى العكس فإن محاولة شيطنته وصولا لقمعه، سينعكس سلبا على الموقف الرسمي شعبيا، وقد يوصف بأنه انسجام مع استحقاقات قادمة لا تبشر بخير على المقاومة أو مستقبل قطاع غزة أو حتى ملف التهجير.
0 تعليق