مع دخول سورية حقبة جديدة بعد إسقاط النظام فإن السؤال المتداول والذي سيطرح بقوة خلال الأيام القادمة ما هو مصير اللاجئين السوريين في أرجاء وأنحاء العالم وقبل الحديث عن مصير اللاجئين لا بد من المرور سريعا على تعريف اللاجئ وتحليل أوضاع اللاجئين وبلدان اللجوء وموانع العودة، فحسب المواثيق والمعاهدات الدولية تنص المادة (أ) (2) من اتفاقية عام 1951، بصيغتها المعدلة في بروتوكول عام 1967، على التعريف الأولي والعالمي للاجئ المطبّق في الدول، وهي تعرف اللاجئ على النحو التالي:اضافة اعلان
“كل شخص يوجد، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد.
يوجد ما يقارب ثمانية ملايين لاجئ سوري منتشرين في أرجاء العالم وهم من حيث بلدان اللجوء نوعان: الأول وهم الفئة الأكثر موجودون في دول الجوار لسورية وهي الأردن مليون وثلاثمائة ألف لاجئ، ولبنان مليون ونصف لاجئ، والعراق ثلاثمائة ألف لاجئ، وتركيا ثلاثة ملايين لاجئ، والفئة الثانية في باقي دول العالم.
ومن حيث صفة اللجوء منهم من تم منحه صفة طالب لجوء وأغلب هؤلاء يقطنون في دول الجوار لسورية ومنهم من تم منحه صفة لاجئ وأغلبهم يقطنون في دول أوروبا وأميركا على أن التشريعات الدولية تطالب بتوفير الحماية للاجئين وطالبي اللجوء.
إن المتتبع لموانع العودة للاجئين السوريين يجدها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول المشكلة الأمنية والثانية مشكلة الخدمة العسكرية والثالث المشكلة الاقتصادية ومع بروز فجر جديد ووفق المعطيات الحالية فإن المانع الأول والثاني قد زال ولكن المانع الثالث قد يكون حاضرا الآن وفي المستقبل بقوة في انتظار ما ستسفر عنه الاجتماعات الاقليمية والدولية بخصوص اعمار سورية وتقديم المساعدات التنموية لها.
في خضم الحديث عن عودة اللاجئين إلى ديارهم قد يظهر بشكل واضح الجانب الاقتصادي لعدد كبير من اللاجئين حيث أن نسبة كبيرة من اللاجئين كانوا يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة قبل الأزمة السورية والآن يدرك الكثير منهم بأن الأمور الاقتصادية ازدادت صعوبة وأن تواجدهم في بلدان اللجوء يمكن له أن يحقق مصدر رزق يؤمن احتياجاتهم اليومية.
وفي ظل هذا المشهد يظهر تساؤل مشروع عند الكثير وبعض الدراسات اليوم توجه هذا التساؤل: ما هو موقف الكثير من اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم وهل الحياة التي يعيشها الكثير منهم انعكست بشكل واضح على قرار عودتهم. إن المتأمل لبعض هذه المواقف والدراسات يجد أن الكثير من اللاجئين وخاصة ممن يعيش في دول أوروبا وأميركا وآسيا وبعض دول الجوار لسورية يجد نفسه في وضع مستقر وبعضهم وجد ضالته في تلك الدول من حيث المعيشة وتحسين أوضاعهم وتحقيق أمانيهم وأحلامهم ونظرتهم للمستقبل ومع مرور هذه السنوات على الحرب، أصبح كثير من السوريين جزءا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدول التي لجأوا إليها، ما يجعل قرار العودة خيارا غير واقعي للبعض، ولكن الكثير منهم يقول مهما كانت المغريات والتطلعات والأماني تبقى مرارة الغربة عن الوطن حاضرة وشاهدة في قلوبنا وعقولنا ويبقى الفؤاد معلقا بتراب الوطن.
التساؤل المشروع والمتداول الآخر هل عودة اللاجئين ستكون قصرية أم طوعية ففي تصريح لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان في منتدى الدوحة للحوار الدولي في قطر قال بوسع ملايين السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم العودة إلى أرضهم، مضيفا بأن الوقت قد حان لتوحيد وبناء بلدهم، هذا التصريح فيه إشارة واضحة الدلالة لطلب وزير الخارجية التركي من اللاجئين السوريين وخاصة في تركيا العودة إلى ديارهم وهو بذلك يقصد أن مانع العودة أصبح غير موجود وأن السبب الرئيس من اللجوء قد زال ومتطلب ذلك العودة الطوعية وخاصة وأن تركيا لمن يتابع الشأن التركي كانت تنادي بعودة اللاجئين بشكل شبه رسمي للحكومة التركية وبشكل رسمي للمعارضة التركية على لسان المرشح الرئاسي السابق كمال كليتشدار أوغلو.
وفي نفس السياق وقبل خمسة شهور طالبت سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، حيث مارس وزراء سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي ضغوطًا على بروكسل لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، تشمل هذه الدول النمسا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، وذلك من خلال إعلان بعض المناطق في سورية على أنها آمنة، حيث أوضح وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس ايوانو أن المبادرة تهدف في البداية إلى إعادة اللاجئين السوريين على أساس طوعي ومع ذلك أشار ايوانو إلى أن هذه العودة قد تتحول إلى إجبارية في مرحلة لاحقة في حال اعتبرت الظروف في سورية مناسبة لذلك.
يتضح مما ذكر بأن أغلب الدول تعتقد بأن السبب الرئيس للجوء قد زال وأن الوضع الآن مهيأ للعودة بشكل طوعي لأن أسباب اللجوء لم تعد موجودة.
ولكن عند الحديث عن المانع الثالث من العودة وهو المشكلة الاقتصادية نجد بأن الكثير من اللاجئين يفضل التأنّي في العودة لحين استقرار الأمور بشكل شبه نهائي حيث سيكون لديه الفرصة لدراسة وضعه عند العودة والوضع في البلد الذي يقيم به حاليا، في ظل هذا المشهد أظن بأن عودة اللاجئين الطوعية ستكون ضعيفة ومتواضعة باستثناء بعض الدول التي كانت تدفع منذ وقت طويل بشكل تام بعودة اللاجئين إلى ديارهم مثل لبنان وتركيا، ولكن جميع اللاجئين السوريين يحفظون في قلوبهم وعقولهم ويرددون مقولة الشاعر أبو تمام:
وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل.
وإلى ذلك اليوم ستبقى المملكة الأردنية الهاشمية بكل مكوناتها وأطيافها وطبقاتها وسلطاتها ترحب بالأخوة الأشقاء السوريين في الأردن ضيوفا أعزاء لهم كل الحب والود والتقدير والاحترام، حمى الله الأردن وحمى الله سورية وحمى الله أوطانكم.
0 تعليق