الاكتناز في ضوء القرآن

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فـي زمننا الحالي لم يعد الاكتناز مقتصرًا على تخزين الذهب والفضة، بل اتخذ أشكالًا اقتصادية متعددة تؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية وإعاقة تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن أبرز هذه المظاهر «تكديس الأموال دون استثمارها»، حيث يؤدي احتفاظ الأفراد أو المؤسسات بثرواتهم دون توجيهها إلى مشروعات تنموية إلى حرمان المجتمع من فرص العمل وإضعاف الاقتصاد، فعلى سبيل المثال، وضع الأموال فـي الحسابات المصرفـية دون تحريكها أو استثمارها فـي مشروعات إنتاجية لا يحقق أي قيمة مضافة.

ومن مظاهر الاكتناز أيضًا «الامتناع عن تأدية الزكاة»، على هذه الأموال التي شرعها الله سبحانه وسيلة لإعادة توزيع الثروة وتحقيق التكافل الاجتماعي.

الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين الفقراء والأثرياء، ويعزز الاحتكار، مما يترك أثرًا سلبيًا على الاقتصاد والمجتمع بأسره.

كما أن «الاستهلاك المفرط» يعد من أشكال سوء استخدام المال فـي عصرنا الحديث، حيث أصبح التسابق فـي امتلاك الأكبر والأكثر سمة أساسية، يتجلى ذلك فـي الإنفاق المبالغ فـيه على الكماليات، دون مراعاة الحاجات الأساسية للفئات المحتاجة.

ولتهدئة وخز الضمير، قد يلجأ البعض إلى التبرع بهذه المقتنيات الزائدة، إلا أن هذا التبرع، فـي كثير من الأحيان، لا يكون بدافع الإيثار، بل مجرد وسيلة للتخلص منها، وفـي بعض الحالات، ينتهي الأمر بهذه المقتنيات إلى مكبّ النفايات، مما يشكل عبئًا إضافـيًا على البيئة.

رغم أن المولى -جلّت قدرته- جعل لنا المال وسيلة لتحقيق التنمية والعدل فـي الإسلام، وليس غاية فـي حد ذاته، وقد أكدت الشريعة على ضرورة توجيه الثروات نحو ما ينفع المجتمع، وحذّرت من الاكتناز الذي يحبس المال عن التداول النافع.

ويتجلى هذا المعنى بوضوح فـي قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (التوبة: 34) ولهذا، يحذّرنا المولى سبحانه وتعالى من اكتناز المال دون استثماره أو إنفاقه فـي أوجه الخير، أو تكديس المقتنيات بلا فائدة، لما لذلك من آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات، ويدعونا إلى «الاستخدام الواعي للمال»، سواء من خلال الاستثمار المنتج أو التبرع الفعّال، مما يعزز النمو الاقتصادي ويحقق التكافل الاجتماعي، ليكون المال أداة للنفع لا وسيلة للاحتكار.

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق